پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

التنبیه السابع: فی الأصل المثبت

إعلم: أنّ مفاد الأخبار الّتی استدلّ بها على الاستصحاب ـ وهی عمدة أدلّته ـ إنشاء حكم مماثل للحكم المستصحب إذا كان المستصحب حكما من الأحكام. وإنشاء حكم مماثل لحكم الموضوع المستصحب إذا كان المستصحب موضوعاً من الموضوعات.

ولیس مفادها تعمیم الموضوع للحكم الواقعی، وذلك لتجرّد موضوعه من العلم والجهل والشكّ فیه، فلا یمكن أن یكون أعمّ من المجرّد عنها وممّا تعلّق الشكّ به أو كان مجهولاً أو معلوماً، لاختلاف رتبتهما وعدم إمكان لحاظهما معاً.

ولا یخفى علیك أیضاً: أنّ مفادها التعبّد بالمستصحب، بمعنى لزوم ترتیب آثاره

 

علیه إذا كان موضوعاً، والعمل على طبقه إذا كان المستصحب حكماً، فلا یجری فی الموضوعات ـ الّتی لا یترتّب علیها حكم شرعی ـ لترتّب آثارها العقلیة أو العادیة، لكونها من الاُمور التكوینیة الخارجة عن دائرة التشریع.

وإنّما الكلام فی أنّه هل یجری فی الموضوعات الّتی تكون لآثارها ولوازمها العقلیة أو العادیة آثار شرعیة؟

وبعبارة اُخرى: هل یجری فی الموضوع الّذی له أثر شرعی بواسطة أمر عادی أو عقلی یترتّب علیه؟ وهذا هو الّذی یعبّر عنه بالأصل المثبت، فیجری الكلام فیه بأنّه هل تشمله أخبار الباب؟ وهل ترفع الید عن مثل ذلك من نقض الیقین بالشكّ؟

فمن یقول بالأصل المثبت یقول: إنّه من نقض الیقین بالشكّ، لاستلزام الیقین به الیقین بلازمه العقلی أو العادی، فهو وإن لم یكن ملتفتاً بهذا اللازم واللزوم بینه وبین الملزوم حین الیقین بالملزوم إلّا أنّه حین الشكّ فی اللازم لا یشكّ فی كونه موجوداً عند الیقین بالملزوم، فهو على یقین باللازم فی السابق والشكّ فی بقائه.

بل یمكن أن یقال: إنّ هذا استصحاب اللازم بنفسه وبلا واسطة، ولیس الحكم به باستصحاب ملزومه. نعم، الیقین باللازم لازم الیقین بالملزوم.

ولكن یرد على ذلك: أنّ البحث فی حجّیة الأصل المثبت وعدمه إنّما یكون إذا كانت الملازمة بین المستصحب ولازمه فی البقاء فقط دون الحدوث والبقاء، وفیما ذكر تكون الملازمة بین الحدوث والبقاء. والمثال للصورة الاُولى: ما إذا شككنا فی الغسل فی وجود الحاجب وعدمه فلازم استصحاب عدم وجود الحاجب وصول الماء إلى البشرة، فإنّ عدم وجود الحاجب قبل الغسل لیس ملازماً لوصول الماء إلى البشـرة بل إذا كان باقیاً إلى زمان الغسل یكون ملازماً له.

ومثل استصحاب حیاة زید الملازم لإنبات لحیته فإنّ نبات لحیته لیس لازم حدوثه بل هو لازم بقائه إلى هذا الزمان الخاصّ.

 

وبعد ذلك نقول: التحقیق عدم جریان الاستصحاب فی هذه الاُمور والوسائط لإثبات ما یترتّب على الواسطة من الأحكام الشرعیة؛ وذلك لأنّ الأخبار ظاهرة فی التعبد بنفس المتیقّن لترتّب أثره الشرعی علیه، ولا تدلّ على التعبّد بترتیب الآثار المترتبة على ما هو الأثر العقلی والعادی للمستصحب.

ولا فرق فی ذلك بین ما إذا كان الأمر العادی أو العقلی متّحداً مع المتیقّن فی الوجود، كما فی استصحاب عدم لبس غیر المأكول الذی لازمه عدم كون ما علیه من اللباس الخاصّ غیر المأكول، فإنّ عدم لبسه غیر المأكول متّحد مع عدم كون لباسه من غیر المأكول. أو كان خارجاً عن المتیقّن مقارناً لوجوده كإنبات اللحیة لزید مثلاً.

وبالجملة: لا یجری الاستصحاب لإثبات ما هو من اللوازم العقلیة والعادیة للمستصحب؛ لعدم تعلّق الجعل التشریعی بها. ولا یجری لترتّب الآثار الشـرعیة على تلك اللوازم لعدم دلالة الأخبار على التعبّد بنفس المتیقّن لترتّب آثاره الشرعیة علیه.

هذا ولكن قد استثنى من ذلك الشیخ الأنصاری+ ما إذا كانت الواسطة خفیّة، بحیث یرى العرف أثرها أثراً لذی الواسطة، فإنّ رفع الید عن مثل ذلك یكون عندهم من نقض الیقین بالشكّ.([1])

وقال المحقّق الخراسانی فی حاشیته على الفرائد: وذلك لما عرفت من أنّ الدلالة على الأثر الّذی بلحاظه یكون التنزیل فی مورد الاستصحاب إنّما هو بمقدّمات الحكمة، ولا یتفاوت بحسبها فیما یعد عرفاً أثراً بین ما كان أثراً بلا واسطة أو معها، كما لا یخفى. ولا یذهب علیك: أنّ ذلك من باب تعیین مفهوم الخطاب بمتفاهم العرف لا من تطبیق المفاهیم على مصادیقها العرفیة خطأً أو مسامحة، كما توهّمه بعض السادة من الأجلّة+ فأشكل علیه بأنّه لا اعتبار بمسامحات العرف فی التطبیقات.

 

فكأنّه+ توهّم من مطاوی کلماته+ (أی کلما ت الشیخ) أنّه استظهر من الخطاب وجوب ترتیب الأثر بلا واسطة بالاستصحاب، ومع ذلك ألحق به ما بالواسطة الخفیّة لتطبیقه علیه بالمسامحة العرفیة وإن لم یكن منطبقاً علیه حقیقة.

وغفل عن أنّه بصدد ادّعاء أنّ الظاهر منه هو وجوب ترتیب الأثر بلا واسطة عرفاً، فیكون تطبیقه على ما یكون بلا واسطة كذلك (أی عرفاً) تطبیقاً حقیقیاً دقیقاً بلا مسامحة.

وسرّه: أنّه قد مرّ أنّ تعیینه بمقدّمات الحكمة ولیس ما لا واسطة له أصلاً بالإضافة إلى ما لا واسطة له عرفاً بالقدر المتیقّن فی مقام التخاطب، كما لا یخفى. ولا اعتبار بالقطع بإرادة مقدار من الخارج، فإنّ المدار فیها إنّما هو على القطع به فی مقام التخاطب كما حقّقناه فی البحث غیر مرّة، فتأمّل تعرف سرّه.([2]) انتهى.

ثم إنّه قد أضاف المحقّق الخراسانی+ إلى ما استثنى شیخه+: الأثر المترتّب على المستصحب بوساطة ما لا تفكیك بینهما عرفاً، كما إذا كان لزوم اللازم للمستصحب بمثابة من الوضوح وبحیث یعدّ أثره أثراً للملزوم ویعدّ عند العرف رفع الید من ذلك الأثر نقضاً للیقین بوجود المستصحب. أو عقلاً كما إذا كان اللازم ممّا لا یمكن التفكیك بینه وبین ملزومه.([3])

ولكنّ الظاهر أنّ ذلك وإن صحّ من حیث الكبرى ولكنّه خارج عمّا فیه البحث، لأنّ البحث فی الأصل المثبت إنّما یكون فیما إذا كانت الملازمة بین المستصحب ولازمه فی البقاء فقط، وأمّا إذا كانت الملازمة بینهما فی الحدوث والبقاء فكلّ منهما بالاستقلال مجرى الاستصحاب.

 

وبالجملة: الظاهر عدم وجود مورد تكون الملازمة بین المستصحب ولازمه فی البقاء بهذه المثابة، فلیس ما ذكره إلّا مجرّد الفرض.([4])

الفرق بین مثبتات الأمارة والأصل

بقی فی المقام بیان وجه الفرق بین الأمارة والأصل، حیث إنّ مثبتات الأمارة حجّة دون الأصل.

وأفاد المحقّق الخراسانی: بأنّ الأمارة كما تحكی عن المؤدّى ویشیر إلیه، كذا تحكی عن أطرافه من الملزوم واللازم. ومقتضى إطلاق دلیل اعتبارها لزوم تصدیقها فی حكایتها ومقتضى ذلك حجّیة المثبت منها. بخلاف مثل دلیل الاستصحاب فإنّه لا یدلّ على أزید من التعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره، ولا یدلّ على التعبّد بثبوت ما هو الأثر لما یترتّب على المستصحب من اللازم العادی أو العقلی.([1])

ویمكن أن یقال: إنّ الأمارة مؤدّاها أعمّ من نفسه ولازمه وملزومه. وفیها جهة كشف عن الواقع اعتبرت بحكم الشارع، ولیس ذلك فی الاستصحاب وإن كانت فی الحالة السابقة أیضاً كشف عن الواقع، فهو عند العرف مختصّ بالمستصحب بملاحظة أثره، والشارع أیضاً تعبّدنا به دون غیره. والسیرة وعمل العرف أیضاً فی الأمارة على ذلك، ودلیل حجّیتها إمضاء للسیرة، ولیس هذا فی الاستصحاب كما لا یخفى.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص327 ، 329.


([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص386.

([2]) الخراسانی، حاشیة كتاب فرائد الاُصول، ص212 - 213.

([3]) الخراسانی، حاشیة كتاب فرائد الاُصول، ص212 - 213.

([4]) واستشكل أیضاً المحقّق النائینی على استثناء الواسطة الخفیّة والجلیّة، فراجع: فوائد الاُصول (ج4، ص494).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: