پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

المقام الثانی: فی وجه تقدیم الأمارة على الاستصحاب

إعلم أنّه قد ذكر المقرّر الفاضل+ حكایة عن السیّد الاُستاذ+ ذهاب البعض إلى جریان الاستصحاب فی مورد قیام الأمارة.([1]) ولم یشر إلى اسمه.

وهذا غریب بعید، لأنّ القول به على الإطلاق یوجب سقوط أكثر أدلّة الأحكام الفرعیة ـ المبتنیة على أخبار الآحاد ـ عن دلالتها علیها، وتعطیل الأحكام. وكذلك یوجب سقوط البیّنة فی الموضوعات، مع أنّ مدار الاُمور یكون علیها وهی من الأمارات.

وكیف كان، كما أفاد صاحب الكفایة، لا شبهة فی عدم الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة فی مورده،([2]) ولا یحتاج ذلك إلى كثیر تحقیق.

وإنّما الكلام یقع فی أنّ عدم جریانه مع قیام الأمارة هل یكون للتوفیق بین دلیل اعتبار الأمارة وخطابه؟ بتقریب: أنّ العرف یفهم من الدلیلین معنىً مناسباً لهما، كالتوفیق بین دلیل حجّیة الأمارات والاستصحاب، لما ذكر من ابتناء أخذ أحكام الشرع بأخذها من الأمارات ومعرفة الموضوعات على البینة. فلابدّ من كون أمر آخر حجّة أن یكون فی طولها لا نافیاً لها أو لأكثرها.

أو أنّه للحكومة؟([3]) فإنّها عبارة عن حكم الشارع فی ضمن دلیل برفع الید عمّا یقتضیه دلیل آخر.

وبعبارة اُخرى الحكومة عبارة عن: كون أحد الدلیلین شارحاً وناظراً إلى الآخر، فإذا قال الشارع: «إعمل بخبر الثقة الواحد فی الأحكام»، أو قال: «اعمل بالبیّنة فی نجاسة ثوبك»، معناه: إرفع الید عن آثار احتمال المخالف لذلك، مثل استصحاب العدم أو

 

استصحاب الطهارة، واعمل معاملة النجاسة معه. فمثل قوله: «اعمل بالبیّنة» یكون مبیّناً لمقدار دلالة دلیل الاستصحاب ومضیّقاً لدائرته، فإنّ دلیل الحاكم تارة یكون مضیّقاً لدائرة موضوع المحكوم مثل: «أكرم العلماء» و«زید لیس من العلماء» بلحاظ نفی حكم وجوب الإكرام عنه مع كونه عالماً حقیقة، فیكون حاكماً على «أكرم العلماء». والمثال الآخر قوله: «لا شكّ لكثیر الشكّ». واُخرى یكون موسّعاً لها كقوله: «زید من العلماء» بلحاظ إثبات حكم وجوب الإكرام علیه مع عدم كونه من العلماء.

أو یكون عدم جریان الاستصحاب مع الأمارة للتخصّص؟ وهو: خروج فرد عن موضوع الحكم عقلاً وواقعاً.  ولا ریب أنّ الاستصحاب فی مورد الأمارة لیس خارجاً عن الدلیل الدالّ علیه بالعموم عقلاً وواقعاً.

أو یكون بالتخصیص؟ وهو: إخراج بعض الأفراد عن تحت الحكم مع كونه داخلاً فی الموضوع مثل: «أكرم العلماء» و«لا تكرم زیداً العالم».

والأقوى أنّ عدم جریان الاستصحاب مع الأمارة لیس من التخصیص ـ وإن نسب اختیاره إلى جماعة ـ ، أی لیس دلیل الأمارة مخصِّصاً لدلیل الاستصحاب وإخراجاً لموردها عن حكم الاستصحاب، لكون دلیل الأمارة أعمّ من الاستصحاب كما أنّ دلیل الاستصحاب أیضاً أعمّ من مورد البراءة، والنسبة بینهما العموم والخصوص من وجه فیتعارضان فی مادّة الاجتماع.

أو یكون بالورود؟([4]) وهو: كون أحد الدلیلین رافعاً لموضوع الحكم المذكور فی الدلیل الآخر حقیقة كما هو كذلك فی الأمارات والاُصول العقلیة، كالبراءة العقلیة والاحتیاط والتخییر العقلیین، فإنّ مع قیام الأمارة على حكم أو موضوع ذی حكم لا یبقى مجال لإجراء الاُصول المذكورة.

 

أو تعبّداً، كالأمارة قبال الاُصول الشـرعیة، والاستصحاب بناءً على كونه من الاُصول العملیة، وقاعدة الحلّیّة والطهارة؛ فإنّ الأمارة إذا قامت تكون رافعة ـ تعبّداً وشرعاً ـ للجهل أو الشكّ فی موارد الاُصول المذكورة.

هذا، وقد أفاد السیّد الاُستاذ+: بأنّ التحقیق ما اختاره اُستاذه صاحب الكفایة من أنّ عدم جریان الاستصحاب مع الأمارة یكون للورود، لأنّ رفع الید عن الیقین السابق بسبب الأمارة لیس نقضاً للیقین بالشكّ بل بالیقین.

ولیس بالتخصیص، لأنّه لا وجه له (وقد عرفت ما هو الوجه له والجواب عنه). ولا بالحكومة، لأنّه لا نظر لدلیل الأمارة إلى مدلول دلیل الاستصحاب بما هو مدلوله فی مقام الإثبات وإن كان معنى لزوم العمل بالأمارة إلغاء احتمال الخلاف فی مقام الثبوت.

والحاصل: مقتضى: دلیل الأمارة هو: وجوب العمل على طبقها فی حال الشكّ، كما هو مقتضى دلیل الاستصحاب، لا أنّ مقتضاه إلغاء احتمال الخلاف حتى یكون ناظراً إلى دلیل الاستصحاب ومدلوله.([5]) انتهى. والله هو العالم.

 

 

 

([1]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص447.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص350.

([3]) كما ذهب إلیه الشیخ+ فی فرائد الاُصول (الأنصاری، ص407).

([4]) كما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی+ فی الكفایة (ج2، ص350).

([5]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص448.

موضوع: 
نويسنده: