پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الأمر الثانی: فی الاستصحابین

وهو یتصوّر على وجوه:

أحدها: إذا لم نعلم بعدم انتقاض الحالة السابقة فی أحدهما، كما إذا شككنا فی بقاء وجوب کلّ من الواجبین، كإكرام زید وإكرام عمرو، فی الشبهة الحكمیة. أو شككنا فی حیاة الغریقین فی الشبهة الموضوعیة من جهة وقوع التزاحم بینهما فی مقام الامتثال، فالحكم فیهما هو الحكم فی الواجبین اللذین وقع التضادّ بینهما من جهة عدم قدرة المکلّف بإتیان كلیهما، كإكرام زید وإكرام عمر المعلومین وجوبهما فی زمان واحد فی نفس المثال.

وبالجملة: حكم هذه الصورة، إن كان بینهما ما هو أهمّ من الآخر یجب الإتیان به، وإلّا فالمكلّف مخیّر بإتیان أیّهما شاء.

ولكن السیّد الاُستاذ كما یستفاد من تقریرات بحثه الشریف اعترض على اُستاذه فی فرض التزاحم بأنّه لا مورد للاستصحاب فیه، لأنّ التعارض إذا وقع بین الحكمین ـ للتضادّ الّذی وقع بینهما فی مقام الامتثال ـ فالحكم هو الأخذ بأهمّ منهما إن كان

 

أحدهما أهمّ من الآخر، وإلّا فحكمه التخییر بینهما فلیس لنا شكّ فی وجوب أحدهما إمّا بالخصوص أو لا بالخصوص.

وبعبارة اُخرى: حكم التضادّ الواقع بینهما فی مقام الامتثال هو ما ذكر، ولا شكّ فی بقاء الحكمین من جهة هذا التضادّ، وإلّا فیمكن أن یقال: إنّ الموضوع المبتلى بالمزاحم غیر ما لم یكن مزاحما به وإجراء استصحاب حكم غیر المزاحم على المزاحم من إسراء الحكم إلى غیر ما هو موضوع له. نعم، إذا كان المقصود من الاستصحاب استصحاب مقتضـى الوجوب لاحتمال طروّ مانع آخر (غیر التضادّ بین الواجبین الّذی ثبت لكلّ منهما وجود المقتضی حتى فی حال التمانع وهو المراد من المتزاحمین)، فهو مع خروجه عن فرض التزاحم، لا یجری إلّا على القول بالأصل المثبت، أی لا یثبت به إلّا أثر عقلیّ وهو التزاحم، فتأمّل.

ثانیها: ما إذا علم بانتقاض الحالة السابقة فی أحدهما، وكان الشكّ فی أحدهما مسببّاً عن الشكّ فی الآخر.

وبعبارة اُخرى: كان وجود أحد المستصحبین مسبّباً عن وجود الآخر، مثل طهارة الثوب النجس المغسول فی الماء المشكوك بقاء طهارته المعلومة سابقاً،  فعلى الحكم بطهارة الماء المذكور بالاستصحاب یحكم بطهارة الثوب المذكور.

ولا شبهة فی جریان الاستصحاب فی هذه الصورة فی السبب فقط، وذلك لأنّ جریانه فی المسبّب والحكم ببقائه نجساً نقض للیقین بطهارة الماء سابقاً بالشكّ. بخلاف جریانه فی السبب، فإنّ مع جریانه فیه یكون نقض الیقین بنجاسة الثوب والحكم بطهارته نقضاً بالیقین وبما هو رافع للنجاسة شرعاً.

وأیضاً إجراء الاستصحاب فی المسبّب إمّا یكون مع إجرائه فی السبب، وإمّا یكون برفع الید عن إجرائه فیه، وكلاهما محال.

 

أمّا الأوّل فلأنّه یستلزم الحكم ببقاء نجاسة الثوب وطهارته.

وأمّا الثانی، فإمّا أن یكون بتخصیص دلیل الاستصحاب فی السبب بلا مخصّص؛ وإمّا یكون بتخصیصه بالاستصحاب الجاری فی المسبّب.

أمّا الأوّل، فبطلانه واضح.

وأمّا الثانی، فمستلزم للدور، لأنّ عدم فردیة الاستصحاب الجاری فی السبب لدلیل الاستصحاب موقوف على فردیة الجاری فی المسبّب له، وفردیته تتوقّف على عدم فردیة الجاری فی السبب، وهو دور.

هذا کلّه إذا كان الاستصحاب جاریاً فی السبب وإلّا إذا لم یمكن إجراؤه فیه، كما إذ اشتبه الماء المغسول فیه الثوب بغیره من جهة وقوع النجاسة فی أحدهما، فلا شبهة فی أنّه یجری استصحاب بقاء نجاسة الثوب المغسول فیه.

ثالثها: ما إذا علم بانتقاض الحالة السابقة فی أحدهما وكانا عرضیین لم یكن أحدهما فی طول الآخر.

فلا یخلو الأمر إمّا أن یلزم من جریانهما المخالفة القطعیة للتكلیف المعلوم بالإجمال، كما إذا علم بوجوب أحد الأمرین إجمالاً بعد العلم بعدم وجوبهما سابقاً،  وإجراء استصحاب عدم الوجوب فی کلیهما یوجب مخالفة الوجوب الفعلی المعلوم بالإجمال، ففی هذا یمنع هذا العلم عن جریانهما شرعاً وعقلاً وإن كان المقتـضی لإجراء الاستصحاب فی مقام الإثبات وهو إطلاق دلیله موجوداً إلّا أنّ المانع المذكور یمنع من تأثیره.

وإمّا أن لا یلزم منه ذلك، مثل ما إذا علم إجمالاً بارتفاع وجوب أحد الأمرین بعد العلم بوجوب کلیهما سابقاً،  فلا یلزم من إجراء استصحاب الوجوب فی الطرفین مخالفة للتكلیف أصلاً، فلیس هنا ما یمنع من تأثیر المقتـضی، أی إطلاق خطاب «لا تنقض» وشموله لأطراف العلم الإجمالی.

 

فإن قلت: لا یشمله الخطاب، لأنّ رفع الید عن الحالة السابقة فی الأطراف لیس نقضاً للیقین بالشكّ بل یكون نقضاً للیقین بالیقین.

قلت: رفع الید عن الیقین فی کلّ واحد من الأطراف یكون نقضاً للیقین بالشكّ، والیقین الإجمالی لم یتعلّق بواحد من الأطراف بالخصوص حتى یكون رفع الید عن الیقین السابق المتعلّق به رفعاً بالیقین، بل إنّما هو متعلّق بأحد الأطراف لا بعینه بخلاف الیقین السابق والشكّ اللاحق، فإنّهما تعلّقا بأشخاص الأطراف ومصادیقها الخارجیة، وخطاب «لا تنقض» ناظر إلى المصادیق الخارجیة.

وممّا ذكر یظهر أنّ ما یقال([1]) من أنّ شمول الأخبار لمثل المقام یوجب التناقض فی مدلول بعضها، لأنّ قوله× فی ذیل بعض الأخبار: «ولكن تنقضه بیقین آخر» یشمل العلم الإجمالی بارتفاع أحد الأمرین، وهو یناقض قوله×: «لا تنقض الیقین بالشكّ» الشامل للشكّ فی بقاء كل فرد من الأطراف على حالته السابقة.

یردّ بأنّ قوله×: «ولكن...» اعتبر بالإضافة إلى متعلّق الشكّ ، وهو كلّ فرد من الأطراف بالخصوص، والعلم الإجمالی متعلّق بشیء آخر وهو عنوان أحد الأطراف لا بعینه. فعلى ذلك، تشمل الأخبار المقام من غیر أن یستلزم تناقضاً فی البین. فعلى هذا یكون المقتضی ـ وهو شمول الأخبار ـ موجوداً، والمانع ـ وهو لزوم المخالفة العملیّة ـ مفقوداً.([2])

هذا ما أفاده سیّدنا الاُستاذ أعلى الله‏ مقامه. وأمّا صاحب الكفایة+ فكأنّه قبل التنافی بین الصدر والذیل فی بعض الأخبار، فلا یتمّ التمسّك بإطلاقه. بیان ذلك: أنّ قوله× فی ذیل بعض الأخبار: «ولكن تنقض الیقین بالیقین» یمنع عن دلالة قوله× فی صدرها: «لا تنقض الیقین بالشكّ» بالإطلاق عن النهی عن نقض الیقین بالشكّ فی

 

أطراف العلم الإجمالی لكون الیقین فی قوله×: «ولكن...» أعمّ من الیقین التفصیلی والإجمالی. فمفاد المغیّى حرمة النقض فی کلیهما، والغایة تدلّ وجوبه فی أحدهما، فتقع المناقضة بین السلب الكلّی الّذی هو مفاد المغیّى والإیجاب الجزئی مفاد الغایة، فتصیر الغایة سبباً لإجمال المغیّى وقرینة على عدم دلالة المغیّى على حرمة النقض فی مورد العلم الإجمالی، لكنّه قال: إنّ ذلك لا یمنع من الاستدلال بغیره من الأخبار ممّا لیس فیه هذا الذیل، وشامل لما فی أطرافه، لعدم سرایة إجمال هذا البعض إلى غیره.([3])

فعلى هذا، مع وجود المقتضـی ـ وهو الإطلاق المذكور وعدم المانع ـ بلزوم المخالفة العملیّة ـ یجری الاستصحاب فی کلیهما. وأمّا المخالفة الالتزامیة، فهو لیس بمحذور شرعاً ولا عقلاً.

وممّا ذكر یظهر عدم جریان الاستصحاب فی ما إذا یلزم منه المخالفة الاحتمالیة وترك الموافقة القطعیة، لأنّ إجراءه لا یكون عذراً للمخالفة الإحتمالیة إذا وقع فیه، فتدبّر.

 

([1]) والقائل هو الشیخ+ فی فرائد الاُصول (الأنصاری، ص429).

([2]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص451 - 456.

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص356 - 358.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: