پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

فصل
فی الاجتهاد المطلق والتجزّی

لا یخفى: أنّ الاجتهاد ینقسم إلى المطلق والمتجزّأ.

ولا یخفى أیضاً: أنّ القسم الثانی ممكن الحصول لسهولة الاجتهاد فی بعض المسائل.

والأقوى أنّه حجّة للمتجزئ فی عمل نفسه. وهل یكون حجّة لغیره؟ الظاهر أنّه كذلك إذا كان المجتهد منحصـراً بالمتجزئ، ولا یمكن الاحتیاط، والعمل بفتوى الأموات.

وأمّا جواز القضاء له فی القضایا الّتی صار عارفاً بأحكامها، فمقتضى الأصل عدم الجواز وعدم نفوذ قضائه.

اللّهمّ إلّا أن یقال بصدق قوله×: «عرف شیئاً من قضایانا» على مقدار صار عارفاً به، فلا یجب أن یكون عارفاً بجمیع الأحكام.

وفیه: أنّ المستفاد من «شیئاً» لیس القلیل من الأحكام، بل المراد منه الإشارة إلى أنّ ما یعرفه العارفون من علومهم وأحكامهم شیء قلیل بالنسبة إلى ما عندهم^.

وأمّا المجتهد المطلق، فلا ریب فی وجوب العمل باجتهاده فی عمل نفسه،ولا فی نفوذ حكمه وقضائه. وكذا یجوز له الإفتاء والإخبار عمّا استنبطه من الأحكام. كما یجوز له تصدّی الاُمور العامّة، فإنّه القدر المتیقّن للولایة على هذه الاُمور، مضافاً إلى الأدلّة الخاصّة الدالّة على ولایة الفقیه الجامع للشرائط فی عصر الغیبة.

 

والظاهر أنّه لا فرق فی ذلك بین من یرى انفتاح باب العلم والعلمی، ومن یقول بانسداده؛ وذلك لأنّ القائل بالظنّ المطلق والقائل بالظنّ الخاصّ مشتركان فی استنباط الأحكام من الأدلّة المعتبرة، وكلّ منهما یتمسّك بالكتاب أو السنّة أو الإجماع على السواء، إلّا أنّ القائل بالظنّ المطلق لا یدّعی القطع بكون مؤدّاه الحكم الواقعی وانتهاء ظنّه إلى العلم بالواقع، والقائل بالظنّ الخاصّ یقول بأنّ ظنّه ـ الحاصل مثلاً من خبر الواحد ـ وإن لم یكن قطعاً إلّا أنّ اعتباره مقطوع به. وبالجملة: لا یوجب الاختلاف فی وجه اعتبار الظنون الخاصّة اختلافاً فی الأدلّة الّتی یتمسّكون بها فی الفقه. وأیضاً لا فرق بین الرجوع إلى المجتهد فی الأحكام العقلیة، كحكم العقل بوجوب تحصیل الموافقة القطعیة فی الشبهة المحصورة، والرجوع إلى من یقول باعتبار الظنّ المطلق بحكم العقل.

وخالف صاحب الكفایة، وقال بعدم جواز الرجوع إلى الظنّ المطلقی وعدم نفوذ حكمه، لأنّ الرجوع إلیه یكون من رجوع الجاهل إلى الجاهل.([1])

وفیه: أنّ هذا مردود عند العرف، فهل ترى أنّ من رجع إلى مثل المحقّق القمّی فی تعلّم الأحكام كان رجوعه إلیه رجوع الجاهل! إلى الجاهل وهل إفتاؤه وقضاؤه یكون من غیر العارف بشیء من أحكامهم. هذا مضافاً إلى أنّ البحث عن الفرق بین الرجوع إلى الظنّ المطلقی والظنّ الخاصّ یجری على تقریر دلیل الانسداد على ما جرى فی لسان المتأخّرین، وأمّا لو بنینا على تقریر القدماء ـ الّذین هم الأصل فیه ـ فلا یكون للبحث عن الفرق بینهما مجال، فراجع ما كتبناه من السیّد الاُستاذ+ فی المسألة فی فصل تقریر دلیل الانسداد على مسلك القدماء. والله هو العالم.

 

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص424.

موضوع: 
نويسنده: