جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

فصل
فی تخییر الرجوع إلى أحد المتساویین

إذا كان المجتهدون متّفقین فی العلم وفی الرأی، أو مختلفین فی العلم متّفقین فی الرأی، أو متّفقین فی العلم مختلفین فی الرأی، فالعامّی مخیّر فی التقلید من أحدهم.

وإذا كانوا مختلفین فی الفضل والفتوى، فإن كان الأعلم فیما بینهم معیّناً معلوماً یقلّد منه، وإلّا فإن أمكن العمل بالاحتیاط بین الفتاوى فهو مخیّر بین الاحتیاط، أو الفحص عمّن هو الأعلم من بینهم، فإن اطّلع علیه فهو، وإلّا فیأخذ بأحوط الأقوال إن كان فی البین. وإن لم یمكن الاحتیاط فالحكم التخییر فی تقلید واحد منهم.

وأمّا إذا كان عالماً باختلافهم فی الفضل شاكّاً فی اختلافهم فی الفتوى، فهل یجب علیه الفحص عن الاختلاف لیأخذ بفتوى الأعلم أو لا؟

استدلّ لوجوب الفحص بأنّ مقتـضى الأصل وجوب الفحص أو العمل بالاحتیاط بتقلید الأعلم، لأنّه یدور الأمر بین كون التقلید من الأعلم متعیّناً أو مخیّراً فیه، فیتعیّن تقلید الأعلم.

واُجیب عنه بانقطاع الأصل بالسیرة فی عصر الأئمّة^ على وجوب الرجوع إلى الأصحاب مع العلم باختلافهم فی الفتوى. مضافاً إلى أنّه یمكن أن یقال: إنّ فتوى المجتهد سواء كان فاضلاً أو مفضولاً حجّة وطریق بنفسها إلى الواقع، ووجود مجتهد

 

آخر سواء كان أعلم منه أو مساویاً له لا یزاحمها، وإنّما تزاحمها الفتوى المخالفة لها من مجتهد آخر، فإذا شككنا فیها فمقتضى الأصل عدمها، مثلاً: إذا أفتى المجتهد بنجاسة الخمر وشكّ فی وجود الفتوى بطهارته من مجتهد آخر یستصحب عدمها ویؤخذ بالفتوى بالنجاسة.

لا یقال: لابدّ من الفحص كما فی باب الأمارات والاُصول الجاریة فی الشبهات الحكمیة، فكما أنّ جواز العمل بها مقصور بصورة الفحص ولا حجّیة لها قبل الفحص، ففی المقام أیضاً لا یجوز العمل بالفتوى قبل الفحص عن المعارض معها.

فإنّه یقال: إنّ اشتراط جواز العمل فی باب الأمارات بالفحص لیس بنفسها ولمجرّد احتمال وجود أمارة اُخرى على خلافها، بل یكون للعلم الإجمالی بوجود الأمارات المعارضة والأدلّة فی موارد الاُصول، بخلاف مخالفة المفضول مع الفاضل فإنّها ممنوعة بالنسبة إلى المسائل المبتلى بها.

وبالجملة: فرق بین العلم الإجمالی الحاصل للمجتهد الّذی یعلم بوجود المعارضات من أوّل الفقه إلى آخره وهو مبتلى بالاجتهاد والاستنباط والإفتاء من أوّله إلى آخره وبین المقلّد الّذی لا یعلم إجمالاً بمخالفة فتوى الأعلم مع غیره، سیّما إذا كان عاملاً بالاحتیاط فی مظانّ اختلاف الفتاوى. ومع ذلك لا یترك الاحتیاط بالفحص.

هذا کلّه فیما إذا كانوا مختلفین فی الفضل وشكّ فی اختلافهم فی الرأی.

وإذا كانوا مختلفین فی الرأی وشكّ فی اختلافهم فی الفضل، فهل یجب الفحص عن مرتبة کلّ منهم بالنسبة إلى غیره أو لا؟ هناك صور:

الاُولى: أن یحتمل أعلمیة أحدهم من غیره واحتمل مساواة الغیر معه، ولا یحتمل أفضلیته عنه.

ففی هذه الصورة لا یجب الفحص ویجزی تقلید محتمل الأعلمیة دون غیره، لدوران الأمر بین التعیین والتخییر على القول بوجوب تقلید الأعلم.

 

والفرق بین هذه الصورة وصورة العلم بالاختلاف فی الفضل وعدم العلم بالخلاف فی الرأی: أنّ فی صورة عدم العلم بالخلاف فی الرأی لا یعلم بوجود المزاحم للفتوى فلا یجب الفحص ویجزی العمل بفتوى المفضول، وفی صورة العلم بالخلاف عالم بوجود ما یزاحم الحجّیة فلابدّ إمّا من الفحص أو العمل بالاحتیاط.

الصورة الثانیة: أن یكون عالماً باختلافهم مع العلم الإجمالی بكون أحدهما أعلم، لكن یشكّ فی أنّه زید أو عمرو. وهذا من دوران الأمر بین الحجّة واللاحجّة كاشتباه الخبر الصحیح بالضعیف، فإنّه عالم بحجّیة فتوى الأعلم ـ على القول بوجوب التقلید منه ـ وعدم حجّیة فتوى المفضول، فمع عدم إمكان تعیین الحجّة من اللاحجّة فلابدّ له من العمل بأحوط القولین إن كان فی البین، وإلّا فالعمل بالاحتیاط وترك التقلید، وإن لم یمكن الاحتیاط فالحكم التخییر.

الصورة الثالثة: الشكّ فی أفضلیة کلّ واحد من الأطراف عن غیره وعدم إمكان تعیین الأفضل من بینهم بالفحص. ففی مثل هذه أیضاً الحكم هو الأخذ بأحوط الأقوال إن كان فی البین، وإلّا فالعمل بالاحتیاط، وإن لم یمكن فهو بالتخییر.

وبالجملة: مع العلم بالاختلاف وكون الأعلم مردّداً بین شخصین أو أشخاص ـ على القول بوجوب تقلید الأعلم ـ یجب الفحص عنه، فإن لم یتعیّن هو بالفحص فالحكم على ما ذكر.

والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلّى الله‏ على محمّد وآله الطاهرین، ونسأله التوبة وأن یغفر لنا خطایانا وهفواتنا وزلّاتنا وسیّئاتنا، ویجعل عواقب اُمورنا خیراً.

قد تمّ ما رزقنا كتابته فی هذا الكتاب فی الیوم العاشر من شهر ربیع المولود من العامّ الخامس من العشر الثالث من المأة الخامسة من الألف.

 

 

موضوع: 
نويسنده: