جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
مشهد رأس الحسین علیه‌السلام فی القاهرة
(بقلم سماحة المرجع آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی مدظله العالی)

 

مشهد رأس الحسین علیه‌السلام فی القاهرة

بقلم سماحة المرجع آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی مدظله العالی

 

 

 

 

كتب الصحفی المصری المعروف الدكتور نبیل شرف الدین فی شبكة هجر الثقافة بتاریخ 4 / 5 / 2000 م موضوعاً بعنوان (المشهد الحسینی فی القاهرة) قال فیه:

على باب ضریح الإمام الحسین فی القاهرة لوحة رخامیة كبیرة كتب علیها بالذهب الحدیث النبوی الشریف: الحسن والحسین منی... من أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته...

وداخل المسجد أكبر ثریا «نجفة» فی العالم العربی (كما یؤكّد إمام المسجد)، وهی للحق آیة الجمال والبهاء، ووزنها (كما هو مثبت فی دلیل تاریخ الضریح وصاحبه) یصل إلى خمسة أطنان من الكریستال المحلّى بالذهب الخالص، وقوائمها من الفضة الخالصة.

أمّا السجاد فحدث ولا حرج، فقد تبرع العام الماضی أحد كبار التجار من طائفة البهرة (الذین یقیمون حول الضریح) بسجادة فارسیة تعود إلى القرن العاشر المیلادی، وحجمها یبلغ 16 متراً مربعاً، وهی من الحریر الخالص، وقد فرشت فی المقام (الضریح) الذی یقع فی الجانب الشرقی داخل المسجد.. ویعقد داخل المسجد یومیاً أكثر من خمسمائة عقد قران تصل أیام الخمیس والجمعة إلى الألف، حیث یحرص آلاف المصریین على عقد قرانهم داخل المسجد الحسینی، وبعضهم یأتی من مدن مصریة بعیدة قد تبتعد عن القاهرة أكثر من سبعمائة كیلومتراً.

للحسین، ومسجده، وضریحه، ومشهده منزلة خاصة فی نفوس المصریین (السنة) .

وفی شهر رمضان یستحیل على المرء أن یجد موضعاً لقدم فی هذا المیدان المعروف بالمشهد الحسینی. واسألوا الدكتور جمال الصباغ كیف كان یسیر هناك حینماتقابلنا فی رمضان أنا وهو والأخ حازم محرز... باعة لكل شیء. من المصوغات الذهبیة إلى التحف الیدویة... مكتبات ضخمة... مقاهی شدیدة الجمال... مطاعم شهیرة... حلقات ذكر... ندوات دینیة وأُخرى ثقافیة... مواكب زواج... سیاح أجانب یقفون مذهولین لروحة المكان وتلك الأعداد الغفیرة من الزوار...

كلّ هذا فی كفة... و «مجاذیب الحسین» فی كفة أُخرى، فهناك حول الضریح تجد عشرات ممّن ارتدوا «الخرقة الصوفیة» وتركوا بیوتهم وأعمالهم واستأنسوا بالحسین، أقاموا حول الضریح یلتحفون السماء ویفترشون الأرض، یأكلون ما یجود علیهم به أهل الخیر (وما أكثرهم هناك) ویصلّون الصلوات الخمس فی المسجد.

فی رمضان لست مضطراً لأن تدفع نقوداً لكی تفطر إذا ما كنت فی میدان الحسین، فأهل الخیر یحملون آلاف الوجبات ویقدّمونها مجاناً للصائمین وعابری السبیل. وفی كلّ شهور السنة یحرص الكثیر من الأغنیاء على توزیع زكواتهم وصدقاتهم على الناس حول الضریح.

أمّا فی صلاة العیدین فحدث ولا حرج. تغسل الأرض والله العظیم غسلاً لا تكاد تمیز بین عامل النظافة الموظف رسمیاً لهذا الغرض، وبین مئات الشباب والشیب الذین یشمرون عن سواعدهم ویحملون «المقشات» لیكنسوا المیدان، بعضهم أطباء ومهندسون وضباط وأساتذة جامعات وتجار أثریاء. كلّهم یعتقدون أن الله تعالى سیبارك المیدان لهم عندما یتواضعون ویكنسون المیدان ویرشون الماء.

فی الفجر یحضر الموكب الرسمی لرئیس الجمهوریة ومعه كلّ الوزراء وشیخ الأزهر، ویحظر سیر السیارات فی هذا المیدان وكافة الشوارع المؤدیة إلیه، ویتجاوز عدد المصلین الملیون شخص كلّ عید تستمع لابتهالات الشیخ سید النقشبندی وإنشاد الشیخ یاسین التهامی حتّى یرفع المؤذن الأذان: الله أكبر الله أكبر، فیتحول الكون كلّه لمستمعین لهذا النداء السماوی الجلیل.

عجائز أتین من أقصى الصعید حملن بضع قروش یوزعنها وفاء لنذر تحقّق، سیدات یتعلّقن بأستار الضریح راجیات تحقیق أملهن فی إنجاب طفل حرمن منه، أو عودة ابن غریب اضطرته الحیاة الصعبة للرحیل فی بلاد الله، وثمة رجل طاعن فی السن یذرف دمعة حرّى وهو یناجی صاحب الضریح قضاء حاجة یعلمها الله وحده.

یتعامل الناس هنا فی مصر مع الحسین كأنّه مازال حیاً داخل الضریح.

یتحاكمون إلیه فی منازعاتهم...

بعضهم یرسل إلیه خطابات عبر البرید وصلت خلال العام الماضی إلى أكثر من ملیون رسالة كما أكدت هیئة البرید المصریة التی تسلمها لخدام الضریح.

المرسل:...

المرسل إلیه: حضرة الإمام سید شهداء الجنة الحسین بن علی رضوان الله علیهما وصلاته .

العنوان: القاهرة مسجد الإمام الحسین .

رائحة العطور تغمر أنوف زوار الضریح، وأنوار لا تنطفئ ولم تنطفئ منذ قرون وجلال لا یضاهیه حتّى ضریح السیدة زینب التی یحلو للمصریین إطلاق عدة ألقاب علیها، منها «أم العواجز» و «رئیسة الدیوان» و «الطاهرة».

فی المسافة الممتدة بین الضریحین تقع أجمل وأبهى أحیاء القاهرة. الدرب الأحمر.. القلعة.. الحسینیة.. باب الخلق.. باب النصر.. باب الفتوح.. الباطنیة.. الجمالیة.. الكحكیین.. المغربلین.. الخ.

لأهل البیت فی مصر منزلة لا یشعر بها إلاّ من یعرف المصریین جیداً، فحینما حاول بعض المتطرفین ذات یوم تفجیر قنبلة فی منطقة الحسین «خان الخلیلی» لم یسلمهم الناس للشرطة، بل فتكوا بهم، فحینما وصلت قوات الأمن لم تجد سوى جثت هامدة، ولم یزل الفاعل مجهولاً حتّى الیوم، فقد تفرقت دماؤهم بین القبائل.

ماهو تعلیق المرجع الدینی آیة الله العظمى الصافی مد ظله على موضوع الدكتور نبیل شرف الدین؟

 

ج.

بسم الله الرحمن الرحیم

بعد الحمد والصلوة،

فإنی لا أقدر على وصف ما حصل لی من الوجد والشوق، والإحساس بالقرب والحضور، والجلوس على بساط المحبة والأُنس والخشوع لله تعالى. عند ما طالعت ما كتبه بعض الأدباء العارفین عن الحالات العطرة والروحانیة القدسیة، التی تحصل لزوار مشهد مولانا سید أهل الإباء، وواحد أهل المباهلة والعباء، أبی عبد الله الحسین (علیه السلام)، فی مصر، القطعة الشریفة من وطننا الإسلامی الكبیر، التی حازت شرف ولاء أهل البیت(علیهم السلام)من أوّل ما أشرق علیها نور شمس الدعوة المحمدیة والرسالة الإلهیة.

لقد كررت مطالعة هذا التصویر الجمیل لمظاهر الولاء ومحبة النبی والآل صلوات الله علیهم، والاجتماعات والاحتفالات والحلقات فی مشاهدهم النورانیة، العامرة بذكر الله تعالى وعبودیته.

إنّ مشهد الإمام الحسین (علیه السلام)، من البیوت التی إذن الله أن ترفع ویذكر فیها اسمه، بل هو من أفاضلها كما رواه السیوطی، ولو لمن یكن بیت علی وفاطمة الزهراء وسیدی شباب أهل الجنة، بعد بیت النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، أفضل تلك البیوت، فبیت من یكون؟!

وجدت نفسی بعد قراءة هذا المقال مفعمة شوقاً وحضوراً بالله تعالى، ورغبةً فی زیارة هذا الضریح الشریف والمشهد الجلیل، الذی تسطع منه أنوار الجمال المحمدی والجلال العلوی، المشعة من جلال الله تعالى وجماله الأزلی السرمدی.

وهی معان یدركها ویشعر بها من یدرك بحقیقة إیمانه بالله ورسوله ما لهذه المشاهد المرفوعة التی تخدمها ملائكة الله تعالى، من قدر عند الله تعالى ورسوله.

وجدت نفسی كأنّی فی مصر، فی جوار الضریح الشریف والحضرة الحسینیة، بین إخوانی الزائرین المصریین الوالهین، الموالین لأهل البیت(علیهم السلام)، وهم یتبرّكون بالمقام ویغتنمون الفوز فیه بالصلاة والابتهال ومناجاة الله تعالى، یطلبون حاجاتهم من ربهم عنده، ویصلّون على النبی، وعلى شهید الإخلاص والإباء، شهید معالم الإنسانیة الكبرى، شهید كل المكارم، أبی عبد الله الحسین، حسین التضحیة والجهاد والإیثار، حسین الصبر والشجاعة، حسین الإسلام والإنسانیة.

اللهم كحّل بصری بمشاهدة تراب ضریحة فی مصر وكربلاء.

نعم، وجدت نفسی فی هذه البقعة المباركة التی شرفها الله تعالى بكرامة الانتساب إلى سبط النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فرأیت بعین قلبی ملائكة الله تعالى محدقین بها.

فهنیئاً لزوار تلك البقعة المباركة، طور تقرب أولیاء الله، ومهبط ملائكة الله.

وهنیئاً لإخواننا أهل مصر ما هم فیه من جوار ضریح سید شباب أهل الجنة.

هنیئاً لهم هذا الفوز العظیم. ثم هنیئاً لهم ما هم فیه من ولاء أهل البیت(علیهم السلام).

هنیئاً لهم جمیعاً.. لشیوخهم وشبابهم، رجالهم ونسائهم، علمائهم وتلامیذهم، أساتیذهم وطلاب جامعاتهم. فیا لیتنا معهم فنفوز بما یفوزون به عند هذا الضریح المبارك.

ویا مولای یا حسین، یا أبا عبد الله، یا بن رسول الله، یا من استنقذت عباد الله بتضحیتكم الكبرى، من جهالة الضلالة. أشهد أنّك رفعت أعلام الدین، وكسرت صولة المستكبرین والمستعبدین، ونصرت الله ورسوله، مجاهداً صابراً. وأشهد أنّ الله یحب من أحبك، ویبغض من أبغضك، وأن الله طهركم یا أهل البیت من الرجس تطهیراً.

السبت / 17 أكتوبر / 2015