جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
دور الأحادیث فی هدایة الأمّة / مقالة من سماحة آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی دامت برکاته
دور الأحادیث فی هدایة الأمّة

دور الأحادیث فی هدایة الأمّة

مقالة من سماحة آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی دامت برکاته

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‏

الحمد للّه رب العالمین، و الصلاة و السلام على النبیّ الأمین و سید المرسلین مولانا أبی القاسم محمّد و آله الطاهرین، صلى اللّه علیه و على الأئمة الاثنی‌عشر خلفائه الهادین المهدیّین.

لا ریب فی أنّ ما عند المسلمین- بعد الكتاب المبین الذی هو الحبل المتین لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه تنزیل من حكیم حمید- من السنّة النبویة و الأحادیث الشریفة المسندة المأثورة عن سیدنا رسول اللّه صلى الله علیه و آله و سلّم و عن عترته الطاهرة، الذین هم أحد الثقلین اللذین أمرنا صلّى الله علیه و آله و سلّم بالتمسك بهما ثروة علمیة كبیرة و تراث ضخم جلیل مملوء من المعارف الحقیقیة و البرامج التربویة و التعالیم الأخلاقیة و السیاسیة و الاجتماعیة، و اصول التقدم و الرقی و حقوق الإنسان، و الحریة و المدنیة، و غیرها من التعالیم الصحیحة السلیمة و القواعد الحكیمة و المناهج القیّمة القویمة، التی لو تمسّكت البشریة بها ما سقطت فی هاویة الفساد و الظلم و الاستكبار و الاستعباد، و لم تقهر و لم یستضعفها جبابرتها الأقویاء.

و لم یقع المسلمون فیما وقعوا فیه من الفساد الاجتماعی و التفرّق و التخالف و التخاصم و غلبة الأشرار و سلطة الكفّار و المعیشة الضنك، إلا للإعراض عن هذه المناهج الحكیمة الالهیة و جهل بعضهم بقوة هذه التعالیم الرشیدة البنّاءة، و أخذهم بالبرامج الاستیرادیة العلمانیة الشرقیة أو الغربیة، فلم یكن حالهم إلا كحال تاجر، خزائنه مملوءة بالجواهر و الأحجار الكریمة و هو غافل عنها و لا یعرف قیمتها، و یشتری من غیره الرمال و الأحجار عوضا عن الجواهر بقیمتها و بذهاب عزّه و مجده و حریته و استقلاله، و لا یفتح خزائنه لیرى أنّ ما یوجد عنده من أنواع الجواهر لا یوجد فی سوق من الأسواق و لا عند تاجر من التجّار.

نعم، قال النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: «ما من شی‏ء یقرّبكم من الجنّة و یباعدكم من النار الا و قد أمرتكم به، و ما من شی‏ء یقرّبكم من النار و یباعدكم من الجنة إلا و قد نهیتكم عنه».

إنّ الأحادیث الشریفة تتضمّن جمیع ما یحتاج إلیه الإنسان، فیجب علینا الاهتمام بها، بدراستها و التفقّه فیها فی الكلیات و الجامعات و فی المحاضرات و جمیع‏ المناسبات، و فی الصحف و المجلات و الجرائد و الإذاعات و غیرها. و أیم اللّه إنّی لا أظن بأحد درس هذه الأحادیث و ما تحویه من العلوم و المعارف أن یعدل عنها الى غیرها، اللّهم إلا أن یكون فی قلبه مرض.

و قد سعت السیاسات التی لا ترى من مصلحتها عنایة المسلمین بالأحادیث و اهتمامهم بهذه الثروة العلمیة و الأنظمة الحكیمة لإخفائها و إبعادها عن واقع حیاة المسلمین عقیدة و سیاسة و نظاما و أخلاقا، حتّى صار المسلمون سائلین بعد ما كانوا مسئولین و خادمین بعد ما كانوا مخدومین كما وصفهم بذلك النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم بأنهم (یستخدمون و لا یستخدمون).

ففی البرهة الاولى من الزمان حدثت مصیبة المنع عن تدوین السنّة، و حدثت إلى جانبها مصیبة الاسرائیلیات و كان مثل كعب الأخبار بطلها الفذّ من خواص ذوی السلطة و مرجعهم فی تفسیر القرآن و قصص الأنبیاء و الإخبار عن الملاحم و المسائل المهمّة الأخرى.

هذا على رغم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لمّا رأى بعضهم مشغولا بقراءة كتاب من أهل الكتاب أو مطالعته قال: «لو كان موسى حیّا لما وسعه الا اتّباعی». و على رغم وجود إمام مثل علی علیه السّلام الذی هو باب مدینة العلم بنص الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و قوله فیه: «علی مع الحقّ و الحقّ معه و لا یفارقه»، و على رغم وجود عترته بینهم التی قال النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فیها و فی القرآن: «إنّهما لن یفترقا حتّى یردا علیّ الحوض».

و فی الفترة الثانیة التی بدأت من عصر بنی أمیّة و تكاملت فی عصر بنی العباس سیّما المأمون جاءت السیاسات الحاكمة المعارضة للقوانین الاسلامیة التی‏ لا تسمح لأرباب هذه السیاسات بسیاساتهم الاستضعافیة فی الحكم و الإدارة و المال و ما یتعلق بالمسلمین و بیت مالهم، جاءت بالفلسفة الیونانیة بما یوجد فیها من الآراء الإلحادیة و المبادئ التی لا تتفق فی النهایة مع رسالة اللّه تعالى و هدایة الأنبیاء فی معرفة اللّه تعالى و أسمائه الحسنى و صفاته الكمالیة و أفعاله الحكیمة، و إن أصرّ بعض المشتغلین بها على التوفیق بین المدرستین.

مدرسة الأنبیاء و دعوتهم التوحیدیة التی قررّها و بیّنها القرآن بأحسن التقریر و أكمل التبیین و التی یتفق الكل علیها و على اصولها القیّمة القویمة، فلم یختلفوا حتى فی أصل واحد. و مدرسة الفلاسفة الذین اختلفوا فی اصولهم اختلافا كثیرا فلم یجمعوا فی المبادئ الأولیة على كلمة واحدة و لم یجعلوا أمام البشریة مسلكا مشخصا بمبادئه الفكریة و العملیة و لم یهدوها الى حقّ اتفقوا علیه.

و قد اختلفت آراؤهم فی المسائل المتعلقة بالمبدأ و المعاد حتى لعلك لم تجد اثنین منهم اتفقا على رأی واحد فی جمیع هذه المسائل، فلكل منهم مسلك سلكه و طریق یذهب فیه اللّهم إلا المتمسّكین منهم بحبل وحی الأنبیاء و المعتمدین على هدایتهم و هدایة الأئمة المعصومین علیهم السّلام ممن لم یغتروا بأقوال أصحاب الفلسفة و لم یخوضوا فی مباحث لم یأذن الشرع الخوض فیها.

و من سبر كتبهم و اصطلاحاتهم یعرف أنّ منطق الفلاسفة و لغتهم غیر لغة الأنبیاء و المتشرّعین بشرائعهم.

فاللّه الذی هو خالق الكلّ یفعل ما یشاء، و یبعث الرسل و یجازى العباد على أفعالهم و یرزقهم، و یسمع دعاءهم، و یستجیب لهم، و هو موصوف بالصفات التی وصف هو تعالى نفسه بها، لیس هو ما أسماه الفلاسفة بالعلة الاولى التی لا یصح اطلاق أسماء اللّه الحسنى علیها حقیقة مثل: الخالق و الرازق و الغفار و التواب ... الخ، إلا بالتأویل و التسامح و التجوّز، فلیس فی أسماء اللّه تعالى ما هو مرادف للعلة الاولى و لا ما مفهومه مفهومها أو مفهوم غیرها مما أطلقه الفلاسفة الذین عبّروا عن اللّه تعالى بالعلة الاولى.

كما یعلم أنّ مفهوم مثل الخالق و الخالقیة و المخلوقیة و نحوها الذی یبین به الفرق بین اللّه و بین ما سواه لیس مفهوم العلة و العلیة و المعلولیة الذی یدور عندهم علیه تبیین ربط الحادث بالقدیم، على تفاصیل و بیانات مختلفة فلسفیة مذكورة فی كتب القوم.

و سواء أمكن التوفیق بین ما بنیت علیه دعوة الأنبیاء و المعارف القرآنیة و المأثورة عن أهل بیت الوحی و الذین هم عدل الكتاب، و ما قرره حكماؤنا الإسلامیون الذین ثبتت استقامة طریقتهم و اعتمادهم فی مسالكهم على هدایة الكتاب و السنّة أم لم یمكن فلا ریب أنّ المسلمین فی دور طویل و قرون متمادیة اشتغلوا بالبحث و الجدل حول مسائل لا یمكن إدراكها و الوصول الى حقیقتها، و لم یكلّفهم الشرع البحث عنها، و لم یستضیئوا فیها بأنوار القرآن و ما فی الأحادیث من العلوم و المعارف حق الاستنارة و الاستضاءة.

و لو لا عنایة جماعة من العلماء الأفذاذ و رجالات التفسیر و الحدیث و المعارف، و الذین لم یتتلمذوا إلا فی مكتب القرآن و الحدیث و لم یغترفوا إلا من بحار علوم أهل البیت علیهم السلام و لم یسألوا الا أهل الذكر، و لم یأخذوا إلا من أولئك الذین علمهم من علم اللّه تعالى، و عندهم ما نزل إلى الرسل و ما نزل به الروح الامین الى النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لاندرست آثار النبوة.

نعم، هؤلاء الأعاظم هم تلامذة مدرسة الإسلام و مدرسة القرآن و مدرسة الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و الإمام أمیر المؤمنین و سائر الأئمة علیهم السلام، لهم علینا حقّ كبیر عظیم، فقد حفظوا الآثار و المعارف الإسلامیة طول القرون و الأعصار حتى وصلت إلینا و هی كیومها الأوّل و زمان بلاغها أقوم المعارف الحقیقة و الإلهیة و أتقنها.

هذا و فی زماننا، و من عهد قریب، افتتن المسلمون بالفلسفة المادیة العلمانیة الحدیثة، و مال إلیها طائفة من المفتونین بالتمدن المادی العلمانی الغربی أو الإلحادی الشرقی، فآمنت فئة بالأول و شرذمة بالثانی، و كان وراء هذا المیل أیضا السیاسات الاستكباریة الشرقیة و الغربیة، فزیّنت بلسان عملائها ما حصل لغیر المسلمین من الرقیّ الصناعی و التقدم التكنیكی، فظن بعضهم أنّ ذلك معلول لمبادئهم العلمانیة، فأخذوا فی ترویج الحضارات المادیة و المبادئ الماركسیة و تشجیع الشباب على رفض الآداب الإسلامیة، و عمد عدد من الذین یعدّون أنفسهم من أهل الثقافة و التنوّر الفكری، و من الذین كل ثقافتهم و تنوّرهم لیست إلا الخضوع المفرط أمام المدینة المادیة و توهین المبادئ الفكریة الإسلامیة، عمدوا الى تفسیر اصول الإسلام و مناهجه على الأصول المادیة حتى الماركسیة الملحدة.

و بالجملة فقد قلب هؤلاء المتسمّون بالمتنوّرین الامور فی الإدارة و السیاسة و الاقتصاد و التربیة و الفنّ و غیرها ظهرا لبطن، و كان بلاؤهم و فتنهم و ما یروّجون من الضلالات باسم الثقافة بلاء عظیماً، إلّا أن الاسلام بأحكامه البناءة الالهیة قام فی كل عصر و زمان فی وجه الضلالات بكل أسالیبها، و ما زال یسجل انتصاراته فی هذه المعارك الایدیولوجیة.

فكتابه العظیم كما كان فی عصر نزوله یهدی للتی هی أقوم، فكذلك هو فی بعده و فی كل العصور و القرون الى قرننا الخامس عشر هذا، و بعده الى آخر الدهر ...

یهدی للتی هى أقوم، فهو دین الهی و وحی سماوی، جاء للبشریة كلها فی كل عصورها الى أن یرث اللّه الأرض و من علیها .. دین جاء للبقاء و الخلود، لهدایة جمیع الأمم، و تحقیق العدل بینها، فهو لا یرضى بتسلط أمة على أمة و لا بلد على بلد، و لا قوم على قوم، و لا ینظر مصلحة شعب دون شعب ...

جاء لیختم الحیاة على الأرض باقامة دولة العدل الالهی على ید خاتم الأوصیاء و الحجج، صلوات اللّه و سلامه علیه، لیكون الدین كله للّه رب العالمین، و تكون الأمم كلها أمة واحدة، لا فرق بین أبیضهم و أسودهم، و أحمرهم و أصفرهم ...

كلهم أمام الحق سواء.

و واجب المسلمین- سیما علماء الیوم، و قد یئست البشریة من جمیع المدارس و الایدیولوجیات المادیة و الأنظمة العلمانیة، واجبهم- عرض مبادئ الدین الحنیف الإلهیة على البشریة الحائرة، و بیان ما فیه من الطاقات القویة الجامعة الكافلة لجمیع ما تحتاج إلیه مقتصرا على ما بیّن فی الكتاب و السنّة متعلّما عن القرآن و النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم و عترته الطاهرة علیهم السلام.

فیا أیّها المسلمون كونوا شاكرین لهذه النعمة العظمى و لا تكونوا عنها غافلین أو- و العیاذ بالله- معرضین عنها أو كافرین‏ وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا یَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ‏ و اتّقوا من الإلحاد فی آیات اللّه و دینه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا أَ فَمَنْ یُلْقى‏ فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ فخوضوا فی بحار هذه العلوم و استخرجوا ما فیها من الدرر الغالیة، و علیكم بالسیر و السیاحة فی ریاضها التی عرضها أعرض من السماء و الأرض، فاقتطفوا من أزهارها الجمیلة البهیة و أثمارها الشهیة الروحانیة، و خذوا من هذا التّراث الإسلامی ما به حیاة روحكم و إصابة نظركم و سلامة فكركم و نظام معاشكم و دینكم و دنیاكم و لا تبتغوا له بدلاً و كونوا من تلامذة مدرسة الحدیث و خرّیجى مدرسة الرسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، و مدرسة أهل بیته و الأئمة الصادقین من عترته علیهم السّلام. قال اللّه تعالى: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ‏

الاثنين / 16 أبريل / 2018