جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
محيّ الشريعة وإمام الصدق
مقال للمرجع الكبير آية الله العظمى الصافي دام ظله بمناسبة ذكرى إستشهاد الامام الصادق عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

قال تعالى: ﴿یا أیّها الّذین آمنوا اتّقوا الله و كونوا مع الصّادقین﴾

أن للإمام الصادق علیه السلام حقّا كبیراً فی أعناق المسلمین جمیعاً؛ نظراً لشخصیّته العلمیة العظیمة الشاملة والمعطاء، فلقد إستوعبت هذه الشخصیة الفذّة  جمیع الفروع والفنون العلمیة، والاسلامیة، وتركت للأجیال ثروة علمیّة وفكریة غنیّة و متكاملة؛ من علوم اللاهوت والعقائد و التوحید، والأخلاق، والفقه، والأحكام، وتفسیر القرآن، و جمیع العلوم الإسلامیة. إنّ لآثار الامام الصادق علیه السلام العلمیة أصداء وإشعاعات واسعة وفریدة لیس فی عالم التشیّع فقط، بل فی أطراف العالم الإسلامی أجمع وله الفضل على جمیع الأمة.

علوم أخر، و أربعة آلاف تلمیذ

ذكر ابن عقدة فی كتاب له أن أربعة آلاف راو رووا عن الامام الصادق علیه السلام فی مختلف العلوم، وینقل عن كل منهم ما روى.

كما تلمّذ على الامام تلامیذ آخرون فی العلوم الأخر التی تدعى الیوم العلوم الحدیثة، كالكیمیاء، والفیزیاء، وكانوا بارعین جدّا، أمثال جابر بن حیّان الذی ترجمت كتبه فی أوربا ، ولقّب بـ( مبدع علم الكیمیاء) حیث ترك مئآت الكتب فی مختلف العلوم، وكان یروی دائماً عن الامام الصادق علیه السلام، وتقدّر تقریراته عن الامام بمئآت الرسائل فی علمی الطب والكیمیاء، وكان یقول عن الامام الصادق علیه السلام: إن له شخصیة علمیة فریدة وعجیبة. أجل جابر أحد تلامیذ الامام الصادق علیه السلام.

وللامام علیه السلام تلامذة آخرون فی علوم أخر كعلم التشریح؛  أمثال المفضّل، الذی علّمه الامام مجموعة كبیرة من مسائل أسرار الخلقة، وآیات التوحید، و إثبات وجود الله تعالى وعظیم تدبیره، وجمعت فی كتاب عظیم سمّی: توحید المفضل. أدعو الجمیع الى إقتناءه و مطالعته بإمعان، لتتعرّفوا على سیرة الامام العلمیة و مختلف العلوم التی كان یعلّمها للناس آنذاك.

فی كثیر من الفروع والمسائل الفقهیة لا نجد روایة فیها الا عن الامام الصادق علیه السلام، فهو بحقّ الطریق الأوحد لوصول الاحكام والمسائل الشرعیة لنا.

نقل النجاشی عن أحمد بن عیسى قال: «خرجت الى الكوفة فی طلب الحدیث فلقیت بها الحسن بن علی الوشاء فسألته أن یخرج لی كتاب العلاء بن زرین القلاء و أبان بن عثمان الأحمر فأخرجهما إلی فقلت له: أحب أن تجیزهما لی فقال لی: رحمك الله وما عجلتك اذهب فاكتبهما واسمع من بعد فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أن هذا الحدیث یكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإنی أدركت فی هذا المسجد تسعمائة شیخ كل یقول: حدثنی جعفر بن محمد».

الامام الصادق و التعریف بالامام الغائب 

یروی الشیخ الصدوق والشیخ الطوسی رحمهما الله بأسنادهما عن سدیر الصیرفی حدیثا مفصلا، تضمن بكاء الامام الصادق وندبته لغیبة الامام صاحب الزمان علیه السلام، ننقل ملخصاً من الحدیث رعایة للإختصار:

قال سدیر الصیرفی: «دخلت مع المفضل بن عمر وأبی بصیر وأبان بن تغلب على مولانا أبی عبدالله الصادق علیه‏السلام، فرأیناه جالسا على التراب وعلیه مسح خیبری مطوّق بلا جیب، مقصّر الكمین، وهو یبكی بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتیه، وشاع التغییر فی عارضیه، وأبلى الدموع محجریه، وهو یقول: سیدی غیبتك نفت رقادی، وضیّقت علیّ مهادی، وابتزّت منی راحة فوادی، سیدی غیبتك أوصلت مصابی بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد یفنی الجمع والعدد. فما أحسّ بدمعة ترقى من عینی، وأنین یفتر من صدری، عن دوارج الرزایا، وسوالف البلایا، إلا مثل بعینی عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقی أشدّها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.

قال سدیر: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعا، من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة، أوحلت به من الدهر بائقة! فقلنا: لا أبكى الله یا ابن خیر الورى عینیك، من أیة حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟ وأیة حالة حتمت علیك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق علیه‏السلام زفرةً انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، وقال: ویلكم، نظرت فی كتاب الجفر صبیحة هذا الیوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنایا والبلایا والرزایا، وعلم ماكان ومایكون إلى یوم القیامة، الذی خص الله به محمدا والأئمة من بعده علیهم‏السلام، وتأملت منه مولد غائبنا وغیبته وإبطائه، وطول عمره، وبلوى المؤمنین فی ذلك الزمان، وتولّد الشكوك فی قلوبهم من طول غیبته، وارتداد أكثرهم عن دینهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم‏.. »الحدیث.

 

أعظم مدرسة وجامعة

ما أعظم هذه المدرسة و الجامعة؟ ما أعظم علومها و معارفها العالیة؟ لقد أثبت الزمن مصداقیّة قول النبی صلى الله علیه وآله: «أذكّركم الله فی أهل بیتی»، وقوله« لا تعلّموهم فهم أعلم منكم».

لم یقل النبی صلى الله علیه وآله هذا الكلام فی حقّ أهل بیته محاباة لهم، بل هم أصحاب وأهل هذه الكرامات والمقامات حقّاً.

قال الشیخ عبد اللّه الشبراوى الشافعى المتوفى س 1172 و شیخ الجامع الازهر فى عصره فى كتابه الاتحاف بحب الاشراف (ص 19) قال بعض اهل العلم: ان آل البیت حازوا الفضائل كلها علما و حلما و فصاحة و صباحة و ذكاء و بدیهة وجودا و شجاعة، فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس، و لا یزید یومهم فیها على ما كان بالامس بل هى مواهب من مولاهم من انكرها و اراد سترها كان كمن اراد ستر وجه الشمس فما سألهم فى العلوم مستفید و وقفوا و لك جرى معهم فى مضمار الفضل قوم الاعجزوا و تخلفوا، و كم عاینوا فى الجلاد و الجدال امورا فتلقوها بالصبر الجمیل و ما استكانوا و ما ضعفوا؛ تقرّ الشقاشق اذا هدرت شقاشقهم، و تصغى الاسماع اذا قال قائلهم، و نطق ناطقهم سجایا خصهم بها خالقهم، و قال فى (ص 69) : «و قد اشرق نور هذه السلسلة الهاشمیة، و البیضة الطاهرة النبویة، و العصابة العلویة، و هم اثنا عشر اماما مناقبهم علیّة، و صفاتهم سنیة، و نفوسهم شریفة أبیّة، و أرومتهم كریمة محمّدیة. ثم ذكر اسمائهم الشریفة علیهم الصلوة و السلام‏».

علینا التعرّف على مكانة أهل البیت علیهم السلام ومعارفهم و إرشاداتهم وكلامهم الواصل الى أیدینا، و أن نوصله الى مسامع أهل العالم أجمع؛ لینتهل الجمیع ــ وهم العطاشى الى عذب هذا المنهل الثرّ الصافی ـ  من نمیر علومهم و بحر معارفهم وفكرهم الأصیل.

 

 

الأربعاء / 11 يوليو / 2018