جمعه: 1403/01/31
نسخة للطباعةSend by email
وقفات عقدية و أخلاقية

 

السیّد عبد العظیم علیه السلام یَعرضُ دینَه‏ على الامام علی الهادی علیه السلام

 من كتاب: لمحات فى الكتاب و الحدیث و المذهب للشیخ المرجع الصافی؛ ج‏3 ؛ صــ 169- ص 175

من جملة الشخصیات المرموقة الكبیرة التی عرضت دینها على‏ إمام زمانها هو السید أبو القاسم عبد العظیم بن عبد اللَّه بن علیّ بن الحسن بن زید بن السبط الأكبر الإمام أبی محمد الحسن المجتبى‏، ابن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام.

هذا السید الجلیل من أعاظم ذرّیة رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و أولاد المرتضى و البتول علیهم السلام، و من أجلَّة معارف علماء أهل البیت و من كبار أصحاب الإمامین الجواد و الهادی علیهما السلام، و من محارم أسرار الأئمة علیهم السلام، و یظهر أنَّه كان من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام-/ كما یقول بعض علماء الرجال-/ بمقتضى‏ كونه من نفس الطبقة فی سلسلة النسب إلى‏ حضرة أمیر المؤمنین و سیدة نساء العالمین الزهراء البتول علیهما السلام.

و السید عبد العظیم الحسنی و إن لم یدرك عصر إمامة الإمام الحسن العسكری علیه السلام، كما سیاتی فی الروایة، و لكن یقوى‏ الاحتمال بدرك خدمته علیه السلام قبل إمامته.

و أمّا الروایة الدالة على‏ فضل زیارة السید عبد العظیم، و وفاته فی عصر إمامة الهادی علیه السلام فهی الروایة التی نقلها الصدوق فی ثواب الأعمال بسندٍ عن شخص تشرَّف بحضرة الإمام‏ الهادی‏ علیه السلام فسأله الإمام علیه السلام قائلًا:

« أین كُنْت؟ » قال: « زُرتُ الحسین علیه السلام » فقال الإمام الهادی علیه السلام: « أما إنَّكَ لَوْ زُرتَ قَبرَ عبد العظیم عنْدَكُم لكُنتَ كَمَنْ زارَ الحُسَین بنَ علی علیه السلام »[1].

و من جملة الروایات الدالة على‏ فضل و علم هذا الشریف الجلیل، الروایة المرویة عن الإمام الهادی علیه السلام حیث یقول لأحد شیعة الرّی:

« إذا أشْكلَ علیك شی‏ءٌ من أمرِ دینك بناصیتك فَسَلْ عَنهُ عبدَ العظیم بن عبد اللَّه الحَسَنی و إقرأهُ منّی السّلام »[2].

و یُعلم من قضیة عرض دین مثل هذه الشخصیة الجلیلة، أهمیَّة تصحیح العقائد، أعم من ما یجب الاعتقاد به أو أكثر من ذلك و أبعد.

و ما یجب الاعتقاد به أُمور یجب الاعتقاد بها-/ بحسب إرشادات الكتاب و السنَّة-/ بمفهومها و تعریفها الوارد فی الكتاب و السنة لیصح إطلاق لفظ المسلم و المؤمن على‏ المعتقد بها.

و ما هو أبعد من الواجب، و هو ما لا یضر عدم الالتفات و الاعتقاد به، بإسلام و إیمان الإنسان، و لكن الاعتقاد بها بعنوان الامور الدینیة، أیضاً یجب أن یكون‏ بدلیل معتبر من الكتاب و السنة، كما إنَّ عدم الاعتقاد بها مع وجود الدلیل علیها من الكتاب و السنّة و الالتفات إلى‏ ذلك الدلیل، یُعدُّ من عدم الإیمان بالنبوّة.

و على‏ هذا، یجب على‏ كل مسلم أن یُحرز مطابقة عقائده مع الكتاب و السنّة، و بهذا الترتیب:

أوّلًا: أن یعرف ما وجب شرعاً الاعتقاد سلباً أو إیجاباً به.

ثانیاً: أن یحرز مطابقة معتقداته مع ما عرفه.

ثالثاً: أن یعرض معتقداته فی المسائل الاخرى‏ بالمعنى‏ الذی ذكرنا من عدم لزوم الاعتقاد بها، على‏ الكتاب و السُنَّة.

رابعاً: أن لا یحمل الكتاب و السنة على‏ ما یعتقده بدون قرینة عقلیة أو شرعیة واضحة للعُرف بلا إشكال و لا خلاف فی قرینیَّتها، فمن أراد التحصُّن من التعرّض للضلالة و الانحراف علیه أن یطبّق هذا الترتیب لیطمئن من رضى اللَّه تعالى‏ عن معتقداته، و لا طریق سوى‏ القرآن و السنة لضمان السلامة من الوقوع فی خطر الضلالة و البدعة و الانحراف.

فإذا كان مثل السید الجلیل عبد العظیم الحسنی علیه السلام مع ما أُوتی من علم وإطلاع بالكتاب و السنَّة، و تألیف كتاب خطب أمیر المؤمنین علیه السلام، و أنّه كان یحمل من المعتقدات الجزمیة القطعیة، یرى‏ ضرورة عرض عقائده على‏ حضرة الإمام علیه السلام لیحصل على‏ تصدیق الإمام علیه السلام لتلك المعتقدات و ذلك الدین.

فالآخرون- و خاصة أمثالی أنا- ینبغی علیهم بالأولویّة المبادرة إلى‏ عرض دینهم لكسب الإطمئنان بالموافقة، بل علیهم تكرار العرض على‏ أكثر من طرف‏ من علماء القرآن و الحدیث و معارف أهل البیت علیهم السلام والذین استقوا علومهم من الأئمة علیهم السلام.

فلابدَّ إذن، و بكل تواضع و خضوع، أن نعرض معتقداتنا على‏ الخبراء المعتمدین و العلماء بالصحیح و السقیم و الكامل و الناقص منها.

أدب و أخلاق كریمة

 

فی قضیة عَرض الدین للسید الشریف الجلیل عبد العظیم الحسنی علیه السلام، نكتةٌ أدبیّة أخلاقیة مهمة ینبغی تعلّمها، ألا و هی عدم الاغترار بالعلم و المقام العلمی، و التواضع فی سبیل نیل المكارم. فالغرور آفة خطیرة تهدّد شجرة الإنسانیة و تمنع من رُقیّ الإنسان و نیل الكمالات، و من أخطر أنواع الغرور هو الاغترار بالعلم و العقل و الفهم، فلابدَّ من الحذر منه و تهذیب النفس و تخلیتها من هذا المرض.

و لذا، فإنّ الأعاظم و تلامذة مدرسة أهل بیت الوحی و النبوّة الذین وصلوا إلى‏ مقام الإنسانیة، كلَّما إزدادوا علماً و دركاً للحقائق، إزدادوا خضوعاً و تواضعاً قِبال أساتذتهم و مربّیهم، و ابتعدوا عن العناد و التعنّت، و باصطلاح الفقهاء، لا یتسرّعون فی الفتوى‏، فهؤلاء یعرفون تماماً أنَّ رفع أیِّ جَهل یوجبُ الالتفات إلى‏ جهلٍ بمجهولاتٍ و مجهولات، و إنَّ كلَّ جوابٍ یحصلون علیه سیكون مصدراً لأسئلةٍ و أسئلة.

 

و لذا، فإنّك لو سألت من شخص قلیل المعرفة عمّا یعرفه عن الإنسان أو الحیوان أو الشجرة أو الشمس و القمر و حقیقة الحیاة و أُمور اخرى‏، فإنّه و بلا تأمل و تفكیر سیدّعی أنَّه یعرف كل شی‏ء عنها، لكنّك لو سألت عالماً قضى‏ عمره فی الفنون المختلفة للمعرفة و مجالات العلم، عن هذه الامور التی هی مظاهر لقدرة اللَّه تعالى‏، فإنّه سیجیب قائلًا: للأسف إنَّ أكثر هذه الأشیاء لازالت مجهولة لدینا. فنفس هذه الإدراك دلیل على‏ وصول هذا العالم إلى‏ أوج معرفته و إلى‏ سعة أفق علمه و فكره، تلك المعرفة التی یفتقدها الشخص المسؤول الأوَّل، و السید عبد العظیم الحسنی علیه السلام، مع كثرة دركه للحقائق و العلوم و المعرفة، نجده یتقدم بكل تواضع و یجلس متأدّباً بین یدی إمام زمانه و یعرض علیه دینه بلا تكبّر و لا غرور.

نقطة أُخرى‏:

و هنا صفة ممتازة أُخرى‏ و أدبٌ یضاف إلى‏ أدب هذا السیّد الجلیل فی هذه القضیة، و هی صفة التسلیم و القبول من الإمام علیه السلام بلا أیِّ إعتراض أو تشكیك، و هذا درسٌ لابدَّ أن نتعلّمه جیداً فی مقابل مقام الولایة و الإمامة و بین یَدی حجة اللَّه، فعلى‏ المؤمن أنْ یُذعن للحق و یقبله بلا تغطرس و عناد، و هذا شعبة من «إنصافُ النّاسِ مِنْ نَفسِك»[3] و هو أحد أصعب الأعمال الجلیلة و الفضائل‏

الممتازة الثلاث التی وردت فی الحدیث، و التی لا یقوى‏ كل واحدٍ على‏ الاستمرار فی میدان السبق عندها.

إنَّ السید عبد العظیم الحسنی علیه السلام ینتسب إلى‏ الإمامین الهُمامین الحسنین علیهما السلام و هو أقرب فی سلسلة النسب إلیهما من الإمام الهادی علیه السلام بواسطتین، إذ أنَّ الإمام علی الهادی ینتهی نسبه إلى‏ الإمام سید الشهداء الحسین علیه السلام بستة وسائط، فهو فی عمود النسب، السابع من ولد الحسین علیه السلام و الثامن من ولد أمیر المؤمنین علیه السلام و فاطمة الزهراء علیها السلام، و أمّا السید عبد العظیم فهو ینتهی إلى‏ الإمام الحسن المجتبى‏ بأربعة وسائل فقط.

ففی عمود النسب: یعتبر الخامس من ولد الإمام الحسن المجتبى‏ علیه السلام والسادس من ولد أمیر المؤمنین و فاطمة الزهراء علیهما السلام، و مع هذا نجده متأدّباً بین یدی حجة اللَّه و صاحب الولایة، متواضعاً فی أخذ المعارف و العلوم من أهل البیت علیهم السلام، فنفس هذا الأدب و عرض دینه على‏ الإمام الهادی علیه السلام دلیل باهر على‏ كمال معرفته و جلالة قدره و إحكام اعتقاده بولایة و إمامة علی الهادی علیه السلام، مع أنّه الأقرب فی سلسلة النسب إلى‏ رسول اللَّه و أمیر المؤمنین و فاطمة الزهراء علیهم السلام من الإمام الهادی علیه السلام، و لكنه و لعمق معرفته، كان یعی تماماً أنَّ الوقوف فی وجه مقام الولایة و الإمامة و الحجّة هو محوٌ وفناء، و أنَّ الإیمان بالولایة یقتضی رعایة أعلى‏ درجات التواضع و الأدب و التسلیم و الإطاعة، فهو لا یعتبر نفسه رقماً فی قبال وجود الإمام الهادی علیه السلام و هو حجّة اللَّه على‏ الناس.

و قد عُرفَ مثل هذا التواضع و الأدب عن السید الجلیل علیِّ بن جعفر علیه السلام و هو من مشاهیر و أعاظم علماء و محدّثی أهل البیت علیهم السلام و صاحب تألیفات و

آثار مهمة، فلقد كان تام الانقیاد و التسلیم للإمام أبی جعفر الجواد علیه السلام، مع أنَّ علی بن جعفر هو عمُّ أب الإمام الجواد علیه السلام و أنَّهُ ینتسب إلى‏ الإمام الحسین علیه السلام بثلاث وسائط، بینما ینتسب الإمام الجواد علیه السلام بخمس وسائط إلى‏ الإمام الحسین علیه السلام، و كان علیّ بن جعفر شیخاً كبیراً و لم یكن الإمام الجواد علیه السلام قد تجاوز مرحلة الصبى و الشباب، و مع ذلك كان هذا السید الجلیل یظهر كمال الأدب و الاحترام و یقبِّل یَد الإمام الجواد علیه السلام.

 

 

 

[1] ( 1) ثواب الأعمال للصدوق: 99، كامل الزیارات: باب 107، ص 537.

[2] ( 2) مستدرك الوسائل، كتاب القاضی-/ باب حكم التوقّف و الاحتیاط فی القضاء و الفتوى‏ و العلم ج 17 ص 321 ح 32 الرقم 21470.

[3] ( 1) وسائل الشیعة، كتاب الجهاد، باب وجوب اجتناب المحارم: ج 11 ص 20 ح 4387 و ج 15 ص 255.

السبت / 16 مارس / 2019