چهارشنبه: 1403/01/29
نسخة للطباعةSend by email
شرح حديث عرض الدّين / القسم الاول

 

 لمحات فى الكتاب و الحدیث و المذهب ؛ ج‏3 ؛ ص177 وما بعدها

البحث فی جهتین‏

الاولى: الحدیث سنداً

الثانیة: الحدیث لفظاً و دلالةً

سند الحدیث‏

إنَّ سندَ الحدیث و بحسب ما جاء فی كتاب «كمال الدین» للصدوق هو:

«حدثنا علیّ بن أحمَد بن موسى‏ الدّقاق و علیُّ بن عبد اللَّه الورّاق-/ رضی اللَّه عنهما-/ قالا: حدثنا محمَّد بن هارون الصّوفی قال: حدَّثنا أبو تُرابٍ عَبد اللَّه بن موسى الرَّویانیُّ عن عَبد العظیم الحسنی»[1]

و سند الحدیث فی كتاب التوحید للصدوق أیضاً هو:

حدثنا علیّ بن محمّد بنُ عمران الدّقاق-/ رحمه اللَّه-/ و علیُ بن عبد اللَّه الورّاق قالا: حدَّثنا محمّد بن هارون الصوفی قال: حدَّثنا أبو تراب عُبید اللَّه بن موسى‏ الرویانی عَن عبد العظیم بن عبد اللَّه الحسنیّ»[2]

و ما نراه هو إنَّ هذا السند و إنْ لم یُعدُّ صحیحاً أو حسناً بحسب الاصطلاح الحدیثی، ولكن إذا اعتبرنا أنَّ الصحیح هو ما یمكن الإطمئنان له، كان هذا الحدیث صحیحاً، فانَّ مثل الصدوق قد ذكره فی عدَّة كتب فی مقام الإحتجاج به على‏ صحة المذهب، مضافاً إلى‏ إنَّه ترضّى‏ على‏ راویین من رواة السند و هم من مشایخه یعنی علیّ بن أحمد و علیّ بن عبد اللَّه أو عبید اللَّه.

و الظاهر أنَّ محمد بن هارون و عبد اللَّه أو عُبید اللَّه بن موسى‏ و هما من مشایخ الصدوق بواسطة، كانا معروفین عنده أیضاً و من رواة الأحادیث.

أضف إلى‏ ذلك إحتمال كون محمد بن هارون هو محمد بن هارون بن عمرانّ و الذی یُعلم جلالةُ قدره من كتاب الارشاد و الكافی و كمال الدین.

و أمّا عبد اللَّه بن موسى‏ الرویانیّ، فالظاهر أیضاً أنَّ الصدوق قد إعتمد على‏ روایته فی مثل «كمال الدین» و «التوحید»، هذا و قد صرّح صاحب «روح و ریحان» و «جنّة النعیم» بحسن حاله.

و فوق هذا كلّه، فإنَّ جمعاً من الأعاظم قد احتجّ فی مؤلفاته بهذا الحدیث و إستند علیه، كما فی الكتب التالیة:

 

1-/ صفات الشیعة.

2-/ كمال الدّین.

3-/ التوحید.

4-/ كفایة الأثر.

5-/ أعلام الورى‏.

6-/ كشف الغُمَّة.

7-/ روضة الواعظین.

8-/ كفایة المهتدی (ألأربعین).

9-/ العوالم.

10-/ بحار الأنوار.

11-/ الإنصاف.

12-/ إثبات الهداة.

و غیرها من الكتب.

و على‏ هذا، و بالأخذ بنظر الإعتبار أنَّ هناك شواهد كثیرة فی سائر الروایات على‏ مضمون هذا الحدیث، و عدم وجود شاهدٍ على‏ ضعفه و وضعه و جعله، یكون هذا الحدیث معتبراً سنداً و متناً، و یمكن الاعتماد علیه.

 

نكتةٌ روائیّة

 

و أود أن أشیر إلى‏ نقطة هنا، و هی: أنَّ نظری القاصر فی الروایات التی لم یذكر بعض الرجال أسانیدها فی كتب الرجال المتداولة و التی تختص بذكر رجال الاسانید مثل «الكافی» و «من لا یحضره الفقیه» و «التهذیب» هو إنَّ مثل هذه الروایات إذا ذكرت فی كتب مثل مؤلفی تلك الكتب المختصة أو من طرازهم و المقاربین لزمانهم أو السابقین على‏ عصرهم، و لم تكن متونها مشتملةً على‏ مطالب ضعیفة و مستغربة، و خاصة إذا كان فی سائر الروایات ما یتضمن مثل تلك المدالیل، كان بالإمكان الإعتماد على‏ مثل هذه الروایات، فانَّ ظاهر روایة هؤلاء الأعاظم لها دلیل، على‏ إعتمادهم علیها و قبولها.

أجل: إذا كان هناك قرینة فی البین على‏ إنَّ المؤلف كان فی مقام جمع مطلق الأخبار، دون الإعتماد علیها، لم یكن نقل الروایة مع جهالة الراوی موجباً للإعتماد علیها و قبولها.

و لذا، فانَّ مثل كتاب «التوحید» للصدوق أو «كمال الدین» أو «غیبة الشیخ‏

لمحات فى الكتاب و الحدیث و المذهب، ج‏3، ص: 183

الطوسی» أو «غیبة النعمانی» لا یمكن ترك الروایات الواردة فیها إذا لم یرد قدحٌ ظاهرٌ ثابتٌ لسندها أو متنها و عدم الاعتناء بقبولها من قبل مؤلفی تلك الكتب لمجرَّد أنَّ واحداً أو أكثر من رواتها مجهول، فی حین أنَّ السیرة العقلائیة قائمة على‏ الأخذ بالاخبار المرسلة التأریخیة إذا لم تقم الشواهد الثابتة على‏ ردِّ مضمونها فضلًا عن دلالة الشواهد على‏ مضمونها.

و على‏ أیِّ حال، و بالإلتفات إلى‏ الروایات الكثیرة الأخرى‏، یكون مضمون هذه الروایات مقطوع الصّدور عن الائمَّة علیهم السلام و خاصة هذه الرّوایة فإنّها لیست بأقلَّ من سائر أخبار الآحاد المعتبرة، و لذا فانَّ العلماء اعتمدوها، و إنَّ الأفاضل شرحوها، حیث نقل إنَّ من جملة من تناولها هو المرحوم القاضی سعید القمی حیث كتب فیها شرحَیْن مفصلین.

 

متن الحدیث و شرحه‏

 

روى‏ الصدوق فی كمال الدین الحدیث بهذا اللفظ:

«قال: دَخَلتُ على‏ سَیِّدی علیَّ بن محمَّدٍ علیهما السلام»

إنَّ شرح الحقائق الدقیقة التی یتضمنها هذا الحدیث الشریف بشكل وافٍ و إن كان مستعصیاً على‏ أمثالی، بل قد یكون خارجاً عن قدرة الكثیر من الأعاظم وشرحه بالشكل المتعارف یحتاج إلى‏ فرصة كافیة و مجالٍ واسع، و لكن انطلاقاً من «ما لا یُدركُ كُلّه لا یُترك كلّه» سنحاول و بنحو الإختصار تفسیر و بیان معنى‏ ألفاظه جملةً فجملة، مستمدّین العون من اللَّه تعالى‏ و مستجدین عنایة الإمام الهادی علیه السلام على‏ ذلك.

«1-/ قال: دَخَلتُ على‏ سیِّدی علیِّ بن محمَّد-/ علیهما السلام-/ فَلَمّا بَصَرَ بی قال لی: مَرحباً یا أبا القاسم، أنتَ ولیُّنا حقّاً»

و هنا أمور مهمة لابدُّ من الإشارة الیها:

أوّلًا: تكریم و تعظیم السید عبد العظیم الحسنی للامام الهادی علیه السلام و وصفه‏

بسیِّدی.

ثانیاً: تلطف الإمام الهادی علیه السلام و عنایته بالسید عبد العظیم و ترحیبه به و مخاطبته بكنیته (أبو القاسم)، مما یدلُّ على‏ إحترامه.

ثالثاً: وصف الإمام علیه السلام للسید عبد العظیم بالولیّ الحقیقی، و هذا تصدیق مهمٌّ من قبل الإمام مع الأخذ بنظر الإعتبار ما فی الروایات و الأحادیث من مدحٍ لتولّی أولیاء اللَّه، و هو دلیل على‏ عظمة مقام السید عبد العظیم، و من أهمّ ثمار هذا التولی هو حشر الولی مع إمامه یوم القیامة بمقتضى‏ «یُحشَرُ المرءُ معَ مَنْ أحبّ».[3] «2-/ قال: فَقُلتُ لهُ: یابْنَ رسولِ اللَّه إنّی أُریدُ أنْ أعْرِضَ علیكَ دینی فإنْ كانَ مرضِیاً ثَبَتُّ علَیه حتّى‏ القى‏ اللَّه عزّوجل»

«3-/ فقال: هاتِ یا أبا القاسِم»

«4-/ فقلتُ: إنّی أقولُ إنَّ اللّهَ تبارك و تعالى‏ واحدٌ لَیسَ كَمثلِهِ شی‏ءٌ»

إنَّ لفظ الجلالة «اللَّه» هو أشهر أسماء اللَّه الحُسنى‏ و الیه تنسب الأسماء الاخرى‏ كالرّحیم و الرّحمن و الغفّار و التوّاب و الخالق، فیقال: أنَّها من أسماء اللَّه، و لا یقال: إنَّ اللَّه اسمٌ من أسماء الرّحیم أو الخالق أو الرزاق أو الواحد أو الأحد، و السِّرُ فی ذلك هو إنَّ «اللَّه» اسمٌ للذات المقدسة للباری تعالى‏، و أمّا الباری، و الخالق، و العلیم، و العلّام، و القدیر، و الاسماء الاخرى‏ هی أسماء لصفات الذات أو صفات الأفعال له عزوجل.

و الحاصل، إنَّ هذا الإسم الجلیل یطلق على‏ الذات الإلهیة الجامعة لكل صفات الكمال، و مقدَّمٌ على‏ سائر الأسماء، و حاوٍ لمعانی كل الاسماء الحسنى‏، و أمّا الأسماء الاخرى‏، فانَّ كلَّ واحدٍ منها یدلُّ على‏ أحد تلك المعانی لا كلِّها.

فمثلًا إسم «القادر» الشریف، یدلُّ فقط على‏ قدرة الحق تعالى‏ و لا یدلّ على‏ علمه، و إن دلَّ على‏ بعض الأسماء الاخرى‏ كالحیِّ فعلًا، فانَّ ذلك من باب الإلتزام، لا أنَّ مفهوم ذلك الإسم هو المعنى‏ المطابقی للقادر.

و الأمر الآخر هنا: هو إنَّ المشار الیه و مرجع الضمیر فی مثل قوله تعالى‏: «إنَّهُ حمیدٌ مجیدٌ» أو «إنَّهُ على‏ كلِّ شی‏ءٍ قدیر» هو لفظ الجلالة، و أمّا فی مثل قوله تعالى‏: «هو اللَّه لا إله إلّا هو» فقد یكون الضمیر الأول هو ضمیر الشأن، أو انَّه إشارة إلى‏ الذات و مسمّى‏ «اللَّه»، كما إنَّ الضمیر الثانی قد یكون إشارة إلى‏ الذات الإلهیة المقدسة، و قد یكون راجعاً إلى‏ «اللَّه».

و على‏ أیِّ حالٍ، فإن كتب شروح الأسماء الحسنى‏ و كتب الأدعیة الشریفة، تناولت هذا اللفظ الذی هو أجلَّ الألفاظ و اشرف الكلمات، باسهاب و تفصیل، كما انَّ الروایات الواردة فی فضیلة هذا الاسم الشریف كثیرة و من جملتها ما ورد عن الصادق علیه السلام من أنَّ من قال عشر مرات «یا اللَّه» فسیقال له:

«لبَّیكَ عَبْدی، سَل حاجَتَكَ تعطَه»[4]

 

و أمّا «الواحد» فهو أحد الأسماء الحسنى‏، و لكن هناك عنایة خاصة بخصوص هذا الاسم و إسم «الاحد» من بین سائر الأسماء، و بالاقرار به من خلال كلمة التوحید التی لا یتحقق إسلام الشخص إلّا بها، و بالإعتقاد بمعناها و أنَّه لا یتحقق الإیمان الا بإدرك معنى‏ هذا الاسم الشریف و الإعتقاد به.

و بحسب ما جاء فی روایة الصدوق فی «التوحید» عن أمیر المؤمنین علیه السلام فانَّ إطلاق «الواحد» على‏ اللَّه تعالى‏ له معنیان:

أحدهما: أنَّه لا شبیه له و لا نظیر.

ثانیهما: أنّه لا یقبل الإنقسام لا فی عالم الوجود الخارجی و لا فی العقل و لا فی الوهم، بمعنى‏ أنه لا یتصور التركیب و التجزئة فیه.[5] و بعد هذه المقدمة القصیرة نقول:

إنَّ السید عبد العظیم قال: أقول إنَّ اللَّه تبارك و تعالى‏ واحد، أی لیس له عضوٌ و لا جزءٌ و لا عدیل و لا نظیر، و لا شریك له و لا شبیه و لا مماثل، «لیسَ كَمثلِهِ شی‏ءٌ» فالكلُّ مخلوق و هو خالق، و الكلُّ فقیر و هو الغنیّ، و الكلُّ عاجز و هو القادر المقتدر، و الكلُّ مسبوق بالغیر و هو السابق على‏ الكلّ، فلا شی‏ء مثله.

سواءً كان ذلك الشی‏ء خارجیاً أو ذهنیاً، و سواء كان شیئاً أو جزء الشی‏ء، و سواء كان ذلك الجزء مما به الامتیاز عن الاشیاء الاخرى، أو كان مما به الاشتراك الحقیقی معها.

لمحات فى الكتاب و الحدیث و المذهب، ج‏3، ص: 189

إذن، فهو شی‏ءٌ و لا شی‏ءَ هوَ، و بهذا یُعرَف بأنَّ كلَّ ما نقوله أو نراه أو نتصوره فی أذهاننا، فهو غیر اللَّه، لان معنى عدم المثلیة هو أنّه غیرُ أیِّ شی‏ء على‏ الاطلاق و إلّا لزم أن یكون له مثل.

«5-/ خارجٌ عن الحَدَّین حدِّ الإبطال و حدِّ التَشبیه»

 

 

 

[1] ( 1) كمال الدین، الباب 37، ما أضربه الهادی علیه السلام من وقوع الغیبة: ص 379 ح 1.

[2] ( 1) التوحید: ص 81، باب 2، ح 37.

[3] ( 1) بحار الأنوار: ج 66 ص 81.

[4] ( 1) وسائل الشیعة، باب أنَّه یستحب أن یقال فی الدعاء...: ج 7 ص 88 ح 8807.

[5] ( 1) التوحید، باب معنى‏ الواحد و التوحید و الموحد: ح 3 ص 83.

السبت / 16 مارس / 2019