پنجشنبه: 1403/01/30
نسخة للطباعةSend by email
ظلامة البقيع‏
من مدوّنات سماحة آية الله العظمى لطف الله الصافي دام ظله

 

یا رَبّ صَلّ عَلَى النَّبى وَ آلِهِ‏

ازْكَى الصَّلاة وَ خَیرَها وَ الاطْیبا

یا رَبّ صَلّ عَلَى النَّبِى وَ آلِهِ‏

ما لاحَ بَرْق فِى اْلَاباطِحَ اوْخَبا

یا رَبّ صَلّ عَلَى النَّبِى وَ آلِهِ‏

ما قال ذُو كَرَم لِضَیفِ مَرحَباً

یا رَبّ صَلّ عَلَى النَّبِى وَ آلِهِ‏

ما امَّتِ الزُّوّار طیبَةَ یثْرُبا

یا رَبّ صَلّ عَلَى النَّبِى وَ آلِهِ‏

سُفُنَ النَّجاةِ الْغُرّ اصْحاب الْعبا

وَاجْعَلَهُمْ شُفَعاءَنا یوْمَ اللّقاءِ

فِى الْحَشْرِ اذْ یتَسائَلُونَ عَنِ النَّبَأ

البقیع إحدى المقبرتین المعروفتین لدى المسلمین ؛ و المقبرة الأخرى هی مقبرة الحجون المعروفة بمكة المكرمة ، و التی سوف نتكلم حولها فی موضع آخر لاحقا. فلقد كان المسلمون منذ صدر الإسلام و عصر الرسالة و إلى الآن یدفنون موتاهم فیهما ، نظرا لمكانتیهما و فضیلتیهما و المكانة التاریخیة لهما التی یعتقد بها جمیع المسلمین.

قبل هجرة النبی محمد صلى ‏الله علیه وآله إلى المدینة المنورة لم تكن البقیع مقبرة ، بل كان أسعد بن زرارة ـ و هو أحد الأنصار ـ أول من دفن فیها حسب بعض المرویات ، ثم دفن فیها عثمان بن مظعون ، وهو أول المدفونین فیها من المهاجرین بأمر النبی الأكرم و كلاهما من خیار الصحابة . ثم أمر النبی صلى‏الله علیه وآله أن یتم إعداد هذه البقعة لتكون مقبرة. و بعد رحلة إبراهیم ابن النبی محمد صلى ‏الله علیه وآله دفن فیها أیضا بأمر النبی صلى ‏الله علیه وآله  إلى جنب عثمان بن مظعون  ، لتكون البقیع المقبرة الرسمیة للمسلمین بعد ذلك.

تقع هذه المقبرة فی جهة الشرق من المدینة . و حسب تحدید البعض فإن طولها 150 مترا و عرضها 100متر ، و یبدو أن هذا التحدید هو للبقیع الحالیة ، وإلا فإنها كانت أقل طولا و عرضا منه فی السابق ؛ فإن مكان قبر عثمان بن غفان المسمى (حش كوكب) كان خارج البقیع فی السابق ، حبث امتنع المسلمون من دفنه فب مقبرة المسلمین وقتئذ . بل عارض الناقمین علیه من دفنه أساسا، وإنما قام بعض بنی أمیة بوضع جنازته على باب و دفنوه سرا فی (حش كوكب) و كانت مقبرة للیهود آنذاك ، ثم لما ملك بنو أمیة قاموا بضمها للبقیع.

و على كل حال مضى على تأسیس هذه المقبرة أربعة عشر قرنا و لازالت موضعا یزوره المسلمون و یتذاكرون فیه أمجاد رجال و شخصیات عظیمة فی الاسلام ، و یستذكرون الأحداث البارزة الحلوة والمرة التی شهدتها هذه المقبرة .

تعدّ هذه المقبرة بعد الروضة النبویة الشریفة المعلم الاسلامی الأبرز و أحد أهم المراجع للتاریخ الاسلامی ؛ حیث تمثل سندا وحجة لاثبات وجود العدید من الشخصیات الاسلامیة والتاریخیة.

دفن فی هذه المقبرة ما یقارب عشرة آلاف من الصحابة . من المشاهیر المعروفین المدفونین فیها من النساء لابد أن نذكر أولا الصدّیقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام ؛ فمن المحتمل أن تكون دفنت فیها حسب بعض الروایات . و الشخص الآخر جزما هی فاطمة بنت أسد  أم الوصی علی علیه السلام و أم الائمة من ولده الطاهرین علیهم السلام .  تلك السیدة الشریفة التی احتضنت النبی صلى ‏الله علیه وآله وسلم و قامت بكفالته و تفانت فی ذلك . وكانت بمنزلة الأم له صلى ‏الله علیه وآله وسلم .

و حسب الأحادیث المنقولة عن النبی أنه صلى ‏الله علیه وآله وسلم اغتم لفقدها و كان یقول: أنها أمی.

فعن أبی عبد الله علیه السلام قال : إن فاطمة بنت أسد علیها السلام - أم أمیر المؤمنین - علیه السلام - كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله - صلى الله علیه - من مكة إلى المدینة على قدمیها ، وكانت من أبر الناس عند رسول الله صلى الله علیه وآله فسمعت رسول الله صلى الله علیه وآله یقول : إن الناس یحشرون یوم القیامة عراة كما ولدوا ، فقالت : وا سوأتاه . فقال لها رسول الله صلى الله علیه وآله فإنی أسأل الله أن یبعثك كاسیة . وسمعته یذكر ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فقال لها رسول الله صلى الله علیه : فإنی أسأل الله أن یكفیك ذلك . وقالت لرسول الله ، صلى الله علیه ، یوما : إنی أرید أن أعتق جاریتی هذه فقال لها : إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار ، فلما مرضت أوصت إلى رسول الله صلى الله علیه وآله ، وأعتقت الجاریة المقدم ذكرها . واعتقل لسانها فجعلت تومی إلى رسول الله - علیه السلام - إیماء فقبل علیه السلام وصیتها . فبینا هو - صلى الله علیه وآله - ذات یوم قاعدا إذ أتاه أمیر المؤمنین علیه السلام وهو یبكی فقال له رسول الله صلى الله علیه وآله : ما یبكیك ؟ قال إن أمی فاطمة قد قضت فقال رسول الله - صلى الله علیه وآله : وأمی والله . وقام صلى الله علیه وآله مسرعا ، حتى دخل فنظر إلیها ، وبكى ، ثم أمر النساء أن یغسلنها . وقال علیه السلام : إذا فرغتن فلا تحدثن شیئا حتى تعلمننی ، فلما فرغن أعلمنه ذلك فأعطاهن أحد قمیصیه ، وهو الذی یلی جسده وأمرهن أن یكفنها فیه ، وقال للمسلمین : إذا رأیتمونی قد فعلت شیئا لم أفعله قبل ذلك فاسألونی لم فعلته ؟ فلما فرغن من تغسیلها ، وتكفینها دخل - صلى الله علیه وآله - فحمل جنازتها حتى أوردها قبرها ثم وضعها ، ودخل القبر فاضطجع فیه ، ثم قام فأخذها على یدیه حتى وضعها فی القبر ثم انكب علیها طویلا یناجیها ، ویقول لها: ابنك ابنك . ثم خرج وسوى علیها التراب ، ثم انكب على قبرها فسمعوه یقول : لا إله إلا الله اللهم إنی أستودعها إیاك ، ثم انصرف . فقال المسلمون : یا رسول الله إنا رأیناك فعلت أشیاء لم تفعلها قبل الیوم ، فقال : الیوم فقدت أبا طالب ، إن كانت لیكون عندها الشئ فتؤثرنی به على نفسها ، وولدها ، وإنی ذكرت القیامة وأن الناس یحشرون عراة ، فقالت : وا سوأتاه فضمنت لها أن یبعثها الله كاسیة ، وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه فضمنت لها أن یكفیها الله ذلك ، فكفنتها بقمیصی ، واضطجعت فی قبرها لذلك ، وانكببت علیها فلقنتها ما تسأل عنه ، فإنها سئلت عن ربها فقالت : وسئلت عن رسولها فأجابت ، وسئلت عن ولیها وإمامها فارتج علیها فقلت لها : ابنك ابنك».

ومن القبور المحترمة فی البقیع قبر أم البنین زوجة أمیر المؤمنین علیه السلام أم العباس و أخوته علیهم السلام الشهداء فی كربلاء.

و قبور زوجات النبی كلها فی البقیع ،  إلا السیدة خدیجة علیها السلام المدفونة فی مكة المكرمة و میمونة  المدفونة  فی سرف ، وكذلك قبور سائر بنات النبی صلى‏الله علیه وآله وسلم ، و صفیة عمة النبی ، وجمع من نساء أهل البیت من بنات الأئمة علیهم‏ السلام بلا واسطة أو مع الواسطة.

ومن الرجال ایضا هناك الكثیر من الشخصیات الاسلامیة والتاریخیة البارزة مدفونة فی البقیع ؛ و من أعزّهم  و أكرمهم السبط الأكر للنبی الامام الحسن المجتبى علیه السلام سید شباب أهل الجنة و هو الامام الثانی من أئمة أهل البیت المعصومین علیهم السلام  ، و الامام  زین العابدین على بن الحسین علیهما السلام رابع أئمة أهل البیت، و الامام محمد الباقر و الامام جعفر الصادق علیهما السلام الامامین الخامس و السادس من ائمة أهل البیت علیهم السلام. الأئمة الكرام البررة الذین حفل التاریخ بنقل سیرهم العطرة و مأثرهم الكریمة و فضائلهم و مناقبهم العظیمة التی تصدّت لنقلها العدید من مصادر السیر والتورایخ.

مضافا إلى قبر العباس عم النبی صلى‏الله علیه وآله وسلم. و قبر عقیل ابن عمه،  و عبد الله بن جعفر مضافا الى قبر ابراهیم ابن صلى‏الله علیه وآله وسلم است الذی یزار بالخصوص فی البقیع.

الوضع الحالی للبقیع‏

إن وضع مقبرة البقیع فی الوقت الحاضر مزر و موهن جدا؛ فما أفظعها من إهانة تعرض لها الرجال و الشخصیات‏ الكریمة المدفونة فی هذه المقبرة؟! فلا أحد من المسلمین راض عن هذه الاهانة و الاستخفاف، بل الأكثریة ساخطون ناقمون لما حلّ بهذه المقبرة ، لا یرضى عن ذلك سوى الأقلیة الشرذمة التی تدعى الوهابیة المدعومة من قبل الانجلیز سابقا و امریكا حالیا ، ومن تبعهم من الذیول الجهلة الغافلین عن الحق .

لا تجد فی أی مكان فی العالم من یسمح بإساءة الأدب و قلة الاحترام لقبور العظماء ، بل یحترم الناس مقابر موتاهم فی كل أنحاء العالم.

إنه لمخطط دنیئ ماكر هدفه طمس المعالم و الاثار و الأبنیة الاسلامیة ، من أجل محو المستندات التاریخیة و الشواهد العینیة على تاریخ الاسلام . أجل انه مخطط دنیئ یقوم على بثّ التفرقة بین المسلمین لغرض السیطرة على البلدان الاسلامیة ، لذا جنّدوا أمثال على محمد شیرازى و حسینعلى نورى فی ایران بإدعاء  البابیة و المهدویة و النبوة ، بل الألوهیة ، وفی الهند غلام احمد القادیانی رئیس  الفرقة  الاحمدیة العمیلة ، و محمد بن عبدالوهاب فی شبه الجزیرة العربیة رئیس  الفرقة الوهابیة ، لیتسلطوا من خلالها على الآثار و المعالم الاسلامیة بل كادت تطول حتى الروضة النبویة الشریفة الى جانب ثروات المسلمین و ذخائرهم المعدنیة و النفطیة .  

 


 

المصدر: كتاب "سفرنامه حج" للمرجع الصافی دام ظله ؛ ص155ـص159

الأربعاء / 12 يونيو / 2019