جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
بيعة الامام الرضا عليه السلام‏ بولاية العهد
من مدوّنات المرجع الكبير آية الله العظمى الشيخ الصافي

نبارك للإمام المنتظر عج ذكرى ولادة جدّه الامام الرضا علیه السلام

 

 

نقل الشیخ المفید[1] ، وغیره أن الامام على بن موسى الرّضا علیه السّلام قد بویع له بولایة العهد فی الأوّل من  شهر رمضان سنة 201 هجریة .

الحق ، لم تكن تلك البیعة بولایة عهد المأمون إلا مخططا سیاسیا من قبل المأمون العباسی. فالذی دعاه إلى ذلك هو محاولة امتصاص الأزمات السیاسیة التی كانت تهدد سلطانه من قبیل الثورات الداخلیة مضافا إلى محاولة التظاهر بحسن النیة تجاه أهل بیت النبی صلّى الله علیه وآله وسلّم و العلویین الذین لاقوا أشد المعاناة و المحن ، و ما عاشوه من الظروف القاسیة أیام ظلم حكومات بنی العباس و خلفاء العصر أمثال حكم المنصور و الهادی و هارون .

أجل لقد بالغ بنو العباس فی ظلم آل علی علیه السلام و هم ذریة النبی صلى الله علیه وآله وسلّم و أقرب الناس إلیه و أحبهم لدیه ، وحملة علمه .

لاقو من بنی العباس ألوان العذاب من الحبس فی أقسى السجون إلى الهجرة عن الأوطان و الحرمان من لقمة العیش , و الضرب و الاهانات و هتك الحرمات .

لم یكن لآل علی علیه السلام ذنب سوى أنهم یریدون للناس جمیعا الفوز و الخیر و السعادة ، و لأنهم دعاة للحق و الصدق ، و ینشدون تحقیق العدالة و الحریة بین البشر .    و یؤمنون بأنهم الأحق بقیادة المسلمین ، لأن النبی صلّى الله علیه وآله وسلّم قد أمر الأمة بالرجوع إلیهم ، لاخذ تعالیم الدین و احكامه ، و جمیع المسائل الشرعیة منهم . كما أن آل علی قد استحوذوا على قلوب الناس و یحبهم الناس جمیعا .

فی المقابل كان بنو العباس ظلمة مستبدّین ، غاصبین ، ناهبین لبیت مال المسلمین ، یتجاوزون على الناس؛ لاقت الخلافة الاسلامیة فی أیامهم ما لاقته فی ایام بنی امیة من الانحراف عن الصواب ، فارتكبوا ألوان الجنایات و الظلم فی حقّ الرعیة ، و أشعلوا نیران الاختلافات العرقیة و القومیة بین المسلمین ، و فرقوا بین العربی و الأعجمی .

و لكی یصلوا إلى أهدافهم الدنیئة و هی إبعاد المسلمین عن الأصول الاسلامیة و عن فهم حقائق القرآن الكریم ، و لكی یرجعونهم إلى أیام الجاهلیة و یجهّلونهم بحقوقهم ، عمدوا إلى محاربة اللغة العربیة ـ لغة الاسلام القرآن الكریم ـ فحاربوا انتشار اللغة العربیة فی الربوع الاسلامیة ، و روّجوا للّغات الأصلیة فی مختلف البلدان خارج الجزیرة العربیة ، . حتى قیل : أنهم أمروا أبا مسلم الخراسانی بالقضاء على كل من یتكلم العربیة فی خراسان . كل ذلك لكی یجهل الناس العربیة ، و لا یصلوا إلى فهم الحقائق القرآنیة بشكل مباشر. وبالنتیجة لا یرى الناس ما یراه المسلم المتحرر الواعی المتنور بالقرآن من إنكار وضع السلطة العباسیة الحافل بالسرف و البذخ ، و الترهل الفاحش فی جهاز الخلافة .

لذا عمد المأمون العیاسی إلى ترویج اللغة الفارسیة ، و كان  یقدم الهدایا و الجوائز لشعراء الفارسیة ؛ لا حبّا بالغة الفارسیة ، بل لكی یشعل الفتنة بین الفرس و العرب ، و یضعف المسلمین بخلافات قومیة باطلة ، لیصفو له الحكم فیحكم قبضته على المسلمین ، و كان مخططا مؤثرا فی هذا الاتجاه .

من الخیانات التی ارتكبها العباسیون بحق الاسلام هی تمزیق النسیج الاسلامی للمجتمع،  و اشعال النعرات العصبیة العرقیة بین المسلمین . و بث الاختلاف بینهم ، حتى أن الثورات التی قامت فی ایران و البلدان الأخرى ضد الجهاز الحاكم لم تكن إلا بتخطیط السلطة نفسها و تحریضها .

لهذه الأسباب لم یكن الناس یحبّون الحكومة العباسیة ، و ینقمون علیهم الظلم الذی ارتكبوه بحق العلویین .

و كان مردود ذلك أن زادت محبة الناس لأهل البیت علیهم السلام ، ما دعا السلطة العباسیة الى تشدید الظلم على العلویین ، فارتكبوا المجازر الجماعیة بعد المجازر بحق الشباب والشیوخ من العلویین و موالیهم انصار الحریة الاسلامیة ، و دفنوا العدید منهم و هم احیاء[2].

المأمون و كی یمتص غضب الأمة تجاه كل هذه المجازر و الجنایات بحق العلویین ، و كل هذا السرف و التضییع فی بیت المال ، ولكی یستتب له حال الحكم مذّ یده تجاه أهل البیت علیهم السلام فی مخطط ماكرو هو تعیین ولیا للعهد من بین خیر العلویین و أفضلهم  و أحبهم لدى المسلمین جمیعا ، ألآ و هو الامام علی بن موسى الرضا علیه السلام .

 

 وظیفة الامام‏

طبقا لعقائد الشیعة الحقة ؛ فإن أئمة الهدى علیهم السلام فی جمیع مواقفهم إنما یتحركون وفقا لمنهج واحد و هو إطاعة الله تعالى فیما أمرهم و عیّنه من وظیفة كل واحد منهم؛ فلا هدف لهم إن قاموا أو قعدوا، وإن سكتوا و جلسوا فی الدار أو نهضوا سوى رضا الله تعالى و امتثال أوامره وطاعته , و ترویج دینه ، وهدایة الخلق، وحفظ الاسلام.

و قد كان الامام الرضا علیه السلام مطلعا تماما على مخطط المأمون، و یعلم أ، ولایة العهد لیست سوى مكیدة ، بل كان یخبر علیه السلام أصحابه بمآل ولایة العهد الذی ستصیر إلیه ، و أنه سیتوفى قبل المأمون . وحینما هاجر من المدینة أخبر أهله بأنه لن یرجع من سفره هذا, وأمرهم بأن بنعوه ویقیموا علیه النیاحة.

و مع هذا كله فقد أجبر على إجابة المأمون و السفر إلى خراسان .

حكم و فوائد بیعة الامام علیه السلام‏

 

لیس لأمثالنا من قاصر الافكار الحدیث فی أسرار أعمال المعصومین علیهم السلام و حقائق شؤونهم ، هیهات و قد عجز مثل «موسى»  عن فهم ما صنه «الخضر» فكیف لمثلنا فهم حقائق اقدامات اولیاء اله العظام یعنى محمّد و آل محمّد- فهم كما قال تعالى: (عِبادٌ مكرَّمُونَ لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِامْرِهِ یَعْمَلُونَ‏)[3] .

لكن یمكننا ذكر ما تناله أذهاننا القاصرة من بعض الحكم والفوائد المختصرة التالیة:

1- الثورة الفكریة فی عصر المأمون‏

بعد عصر هارون عصر الاختناق الفكری و القمع الظائفی الذی واجهه شیعة أهل البیت علیهم السلام، أتاحة ولایة العهد فی عصر المأمون لأتباع الامام الرضا علیه السلام والمحدثین و السعراء و العلماء مجالا و فرصة لأداء الرسالة الاسلامیة و نشر فضائل وعلو م أهل البیت علیهم السلام.

2- اعتراف بنى‏العبّاس به بحقّانیّة اهل البیت (علیهم السلام)

أتاحت البیعة المجال لتصدیق فضائل أهل البیت علیهم السلام حتى من قبل الكثیر من خلفاء بنی العباس أنفسهم . و الاذعان بأنهم أحق الناس بخلافة المصطفى صلّى الله علیه و آله و سلّم.

فإن البیعة المذكورة ما هی الا اعتراف رسمی من قبل السلطة الحاكمة بأنهم قد غصبوا الخلافة من أصحابها الحقیقیین، وقد أعلن المأمون صراحة و أمام الملأ بأن الامام الرضا علیه السلام أفضل الناس و ألیقهم بالقیادة.

 

وَمَناقِبٌ شَهِدَ الْعَدُوُّ بِفَضْلِها

وَالْفَضْلُ ما شَهِدَتْ بِهِ الْاعْداءُ

 

3- اقبال الناس على الامام الرضا (علیه السلام)

لقد شهدت أیام الرحلة و الحركة الحرة للركب الرضوی من المدینة الى خراسان وقائع و سجلت نتائج مهمة ومفیدة؛ منها الاقبال الواسع لأهالی المدن والقرى التی مر بها طوال الطریق على و شوقهم لسماع حدیثه.

شوق لا مثیل له تترجمه اشعار «ابى نواس» اذ یقول:

مُطَهَرُّونَ نَقِیّاتٌ جُیُوبُهُم ت‏

تْلَى الصَّلوةُ عَلَیْهِمْ ایْنَما ذُكِروا

وَاللهِ كَما یُرى خَلْقاً وَ اتْقَنَه‏

صَفاكُمْ وَ اصْطَفاكُمْ ایُّهَا الْبَشَرُ

وَ انْتُمْ الْمَلَا الْاعْلى وَ عِنْدَكُم‏

عِلْمُ الْكِتابِ وَ ما جائَتْ بِهِ السُّورُ

مَنْ لَمْ یَكُنْ عَلَویّاً حینَ تَنْسِبُه‏

فَمالَهُ مِنْ قَدیم الدَّهْرِ مُفْتَخَرُ

 

4- مناظرات الامام الرضا (علیه السلام) فی موضوع الادیان المختلفة

كانت رحلة الامام الرضا الى خراسان فرصة ثمینة لتصدی الامام للجواب عن شبهات الادیان المختلفة التی یثرونها فی حق الدین الاسلامی . وما المناظرات العلمیة التی فاق فیها علم الامام علم جمیع العلماء الا خیر شاهد على ذلك.

 

 

[1] ( 1) مسارالشیعه، ص 27.

[2] ( 1) یتحدّث عن ذلك مفصلا « ابوالفرج اصفهانى» فی كتاب« مقاتل الطالبیین» .

[3] ( 1) سوره الانبیاء، آیه 26.

 

 


المصدر : رمضان در تاریخ: ص 4 ـ ص 19

الأحد / 14 يوليو / 2019