جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
بمناسبه ولاده سیدنا عبدالعظیم الحسنی علیه السلام
عَرْض الدّين في العصر الراهن
(سماحه المرجع آیت الله العظمی الصافی الکلبیکانی دام ظله)

بسم الله الرحمن الرحیم

فی عصرنا الحاضر، على الجمیع وخاصّة جیل الشباب والمثقّفین والجامعیّین المؤمنین الأعزّاء، أن یهتمّوا بمسألة عرض الدّین على علماء الدّین الّذین عرفوا الدّین من القرآن الكریم وأحادیث أهل البیت علیهم السلام فقط، إذ أنّ ید التحریف والتأویل والتصـرّف واتّباع الاستحسان والسلیقة الشخصیة، قد امتدّت إلی العقائد والتعالیم الإسلامیة من قبل بعض الأشخاص، ولأسباب عدیدة منها: التأثّر بالحضارة الغربیة، وأنَّ بعض فاقدی الأهلیة والصلاحیة قد نصبوا أنفسهم خطباء للدّین، فتراهم یعقدون جلسات الحوار والمناقشة، ویخطبون ویكتبون المقالات الدینیة الّتی تستهدف الإسلام والتزام الناس بالعقائد والأحكام الشرعیة، ویوحون للناس بأنّ التقیّد بالأحكام الشـرعیة ومدالیل الكتاب والسنّة، بعیدٌ عن الانفتاح الفكری والحضاری، ویحاولون تخطئة ما تلقّاه كبار العلماء والفقهاء على امتداد القرون المتمادیة، معتقدین بأنّ الكثیر من الأحكام الإلهیة لا تناسب المزاج العصـری الّذی أسّسه الغرب أو الشـرق، متوسّلین ببعض المصطلحات الرنّانة مثل «الفقه المنفتح» أو «انقباض وانبساط الشـریعة» لاتّهام بعض الأحكام وتعطیل خاتمیة وأبدیّة المنهج الشـرعی ونظام الجزاء والقوانین الاجتماعیة الإسلامیة وغیرها.

وقد تدخَّل هؤلاء حتى فی العقائد وعرّفوا الكتاب والسنّة باصطلاحات عرفانیة، وبذلك یكونوا قد سلكوا طریقاً إذا استمرّوا به لم یؤدّ إلّا إلی تضعیف الالتزام الدینی عند الكثیر من الناس.

لقد کان عمل الأنبیاء المهمّ والعظیم هو هدایة الناس إلی المنهج الّذی اُمروا بتبلیغه من قبل الله‏، وحثّهم على العمل بهذا المنهج والالتزام الوجدانی به، هذا العمل الجبّار الّذی عجز عن مثله کلُّ الفلاسفة وکلّ أدعیاء الفكر والثقافة الحدیثة، ولا زالوا عاجزین.

إنَّ هؤلاء الأشخاص الّذین یدّعون الثقافة والفكر،  أینما وجدوا، فإنّهم حاولوا إضعاف الإیمان ومواجهته، ویفتخرون بأنّهم یستطیعون أن یخدشوا المعتقدات والمسلَّمات الإسلامیة وأن یقلّلوا من تمسّك الناس والتزامهم بدینهم، ویفسّـرون الدین بما تشتهیه أذواقهم المتأثّرة بالثقافات الأجنبیة وأحوال وأوضاع الغرب، وینكرون أو یشكّكون فی الأصالة الفكریة الإسلامیة.

وللأسف الشدید، فإنّ بعض هذه الأحابیل قد أثّرت فی بعض طبقات المجتمع الإسلامی برجاله، ونسائه خاصّة، وأنّها منمَّقة ومطلیّة بطلاء التجدید الدینی والرجوع إلی الذات ممّا أدّى إلی إدخال الوسوسة فی بعض المسائل الدینیة المسلّمة، والالتزامات الإسلامیة عند البعض.

ولا یخفى أنّ مثل هذه المخالفات والمواجهات للشرع الحنیف یكون لها صدىً إعلامی، ومن هنا تجد أنّ أبطال مثل هذه الاتّجاهات هم من عشّاق الشهرة والصیت الذائع الّذین یحاولون الظهور على ساحة المجتمع بأیِّ ثمن حتّى لو کان إنکار المسلَّمات الدینیة والمقدّسة عند المسلمین، فهؤلاء عاجزون تماماً عن شقّ طریق الوجاهة والرفعة، لخوائهم وضعفهم وعدم أهلیّتهم، فیتشبّثون بمثل هذه الاُطروحات الهزیلة لكسب السمعة والشهرة، وهم یعرفون تماماً أنّهم کلّما ازدادوا فی هتك الحرمات وإثارة الشبهات وإهانة المقدّسات وإنكار القیم الاجتماعیة، ازدادت شهرتهم، وهذا ما یطمحون إلیه، ولا شكّ فی أنّ هؤلاء سیكون لهم أتباع ومروّجون ممّن تتعارض مصالحهم الشخصیة وأهواؤهم وأمزجتهم مع تلك المسلّمات العقائدیة والدینیة.

فالكثیر من المتأثّرین بالغرب ومن یتصوّرون أنّهم من المجدّدین، یعتبرون أنّ الكاتب والخطیب المتحرّر المثقّف هو الأكثر جرأةً على محاربة المقدّسات والمسلّمات الإسلامیة والاستهزاء بها.

ومن ثمَّ تجد بأنّ كتاب المرتدّ سلمان رشدی، والّذی کان عاریاً عن أیِّ استدلال منطقیّ وتوجیه معقول، والخالی من أیِّ ردٍّ فكریّ وجیه، قد عدَّته بعض المحافل الّتی لا ترى للحرّیّة حدّاً، من الكتب الفكریّة المتحرّرة المنفتحة،  کلّ ذلك لأنّ ما ورد فی الكتاب هو أعلى ما یمكن من درجات الإهانة والجرأة على الشخصیات المقدّسة عند المسلمین بل عند کلّ العالم، فصار رشدی وكتابه مشهوراً عن طریق هتك القداسة وإهانة العصمة والطهارة، ولذا فقد قامت القوى الاستعماریة الّتی رقصت على أنغام هذه السنفونیة، قامت بحمایة هذا المرتدّ والدفاع عنه، مع أنّ الكتاب فاقدٌ للمحتوى الفكریّ المنطقیّ المستدلّ.

ولذا، فإنّ شبابنا إذا ما أرادوا الأمان من شرِّ إضلال مثل هؤلاء المجدّدین الصوریّین، وأن یتعلّموا الدین الإسلامی الصحیح والمنزّه وكما اُنزل على قلب النبیّ الأكرم صلی الله علیه و آله  وأخذه من مصادره الأصیلة النقیّة، علیهم أن یراجعوا بأنفسهم تلك المصادر، وأن یعتبروا الكتاب والسنّة الخالیین من التأویل والتوجیه، حجّة دامغة، أو أن یرجعوا إلی حَملَة الإسلام، أی اُولئك الّذین أخذوا الدین من مكتب أهل البیت^، والّذین غاصوا بحار هذین المصدرین وسبروها، فإنّ هؤلاء معروفون عند الجمیع، أمثال أبی ذرّ والمقداد وسلمان وسُلیم ومحمد بن مسلم وابن أبی عُمیر والفضل بن شاذان وابن بابویه والکلینی والشیخ الطوسی وتلامذتهم وتلامذة تلامذتهم إلی یومنا هذا، من العلماء والفقهاء والمراجع الكرام.

فهذه الطبقة من العلماء هم الّذین تناقلوا الإسلام والدین الصحیح على مرِّ الأعصار والأدوار بعد أن تلقّوه من مصادره الأصلیة یداً بید وصدراً بصدر وروحاً بروح، ونقلوه إلی الخَلَف عن السلف، فلو لم یكن هؤلاء المخلصون لم یتمكّن الآخرون من الحفاظ على هذه الأمانة الغالیة، ولعمَّت غوغاء البحوث الفلسفیة وأفكار وآراء الصوفیة لهذا وذاك، ولم یكن لیبق شیء ثابت وخالص ولا لتسلم المبانی الاعتقادیة الإسلامیة من خطر الانحراف والتأویل.

فکلّ المطَّلعین المنصفین یعرفون تماماً أنّ أمثال هؤلاء الأفذاذ من العلماء هم المنفردون من سائر أقرانهم من أرباب العلوم العقلیة والمشهورین من المتبحّرین فی العلوم الإسلامیة، فی حفظ الإسلام وصیانته، فكان لهم الدور الأساسی فی تبلیغ الدین للأجیال اللاحقة، والمناهج الاُخری كالفلسفة والعرفان الاصطلاحی لم یكن لها مثل هذا الاهتمام وَلم تسْعَ لتحقیق هذا الهدف.

ولا شكّ فی أنّه لو خُلّی الأمر بین المسلمین وبین أمثال علاء الدولة السمنانی وبین بایزید وأبی سعید وصوفیة الهند وإیران والخانقاهات الكئیبة، كان الشـیء الوحید الّذی یفتقده المسلمون الیوم هو «الإسلام» وکلّ ما كان موجوداً حینها، یعجز عن إدارة الدین والدنیا.

فمثل «ابن الفارض والسهروردی وابن العربی»، لم یكن لهم دورٌ فی هذا المجال، وما قام به السیّد المیرداماد ـ علیه الرحمة ـ من خدمات فی حفظ الدین وصیانة آثار أهل البیت^، لا یمكن حسابه فی خانة تجرّه فی الفلسفة وما قال هو عنه فی مشاركته لفلاسفة الیونان فیه، ومع أنّه ـ رحمه الله ـ قد استعان بالفلسفة فی بعض آرائه ونظراته فی بعض المسائل الإسلامیة، لكن خدماته وخدمات أمثاله للإسلام، کانت نتیجة تخصُّصه فی مجالات العلوم الإسلامیة والمعارف القرآنیة وآثار أهل البیت علیهم السلام لا غیر.

وعلى أیِّ حال، فی مسألة «عرض الدّین» وتحصیل الاطمئنان بمطابقة دین الشخص مع الدین الّذی جاء عن النبیّ والأئمّة الأطهار علیهم السلام وأنّه دین الله، یكون المعیار والمناط الوحید هو الوحی الإلهی وکلمات أهل البیت علیهم السلام

وبمقتضى: «هَذَا الْعِلمُ دینٌ فَانظُروا عَمَّنْ تأخُذُونَ دینَكُمْ»،([1]) لابدّ من أخذ دین الله‏ وعلم الدین من أهله وفی کلّ المجالات.

([1]) الدارمی، سنن، ج1، ص113؛ مسلم النیسابوری، صحیح، ج1، ص11؛ ابن عبد البرّ، التمهید، ج1، ص45 ـ 47، 67؛ الخطیب البغدادی، الکفایة فی علم الروایة، ص150؛ السیوطی، الجامع الصغیر، ج1، ص384؛ الشهید الثانی، منیة المرید، ص239.

السبت / 21 نوفمبر / 2020