إنتهازة لمعرفة عصارة الوجود
بمناسبة میلاد الرّسول الأكرم صلّیالله علیه و آله
یمكن تقسیم حیاة الرسول الأعظم صلیالله علیه و آله إلی أربعة مراحل (نقتصر علی ذكر ثلاث مراحل منها).
المرحلة الأولی: مرحلة الرّضاعة، الصبا و الطفولة:
و تُلاحظ فی هذه المرحلة حوادث تُنبئ عن مستقبل عظیم و مشرق له صلیالله علیه و آله و ما یدلّل علی بركته و خیره أثناء وجوده عند مرضعته حلیمة السعدیة، و قد تولّی جده عبدالمطلب كفالته و رعایته حتی الثامنه من عمره الشریف، ثمّ تولّی ذلك عمه أبوطالب بوصیة من عبدالمطلب و إستمرّ أبوطالب برعایته و حمایته و بذل غایة المستطاع فی ذلك حتی وافاه الأجل رضوان الله علیه.
المرحلة الثانیة: مرحلة ما بعد الطفولیة حتی البعثة:
و قد عُرف و اشتهر فی هذه المرحلة بأخلاقه الكریمة والعفّة، التّواضع، الجود والسّماحة والعفو، والعظمة و علی الخصوص فی أمانته حتی لُقّب بمحمّد الأمین. فعندما استعر النزاع بین القبائل العربیة علی من یكون له شرف نصب الحجرالأسود حتی اقترب الأمر من الحرب؛ رضخ الجمیع و قبلوا به صلیالله علیه و آله حكماً فیما بینهم فقام بحل الخلاف فیما بینهم بتدبیره و حكمته.
و لم یصدر منه صلیالله علیه و آله فی هذه المرحلة أی عمل لغوی أو أن یشترك فی لهوٍ مطلقاً و إشتهر بالضیافة، و كفالة الیتامی و خدمتهم و كان یُعین الضّریر والمریض والعاجز، و ینصر المظلوم.
و شارك مشاركة فعّالة فی حلف الفضول؛ ذلك الحلف المقدّس الذی دعی إلیه بنوهاشم و عمه الزبیر علی الخصوص للحیلولة دون الظّلم والإعتداء، و قد ثمّن ذلك الحلف بعد بعثه الرسالة؛ و تزوّج خدیجة و هو فی سن الخامسة والعشرین، و كانت من النّساء الثریات المشهورات بالعقل والدرایة، مع أنّ عمرها كان قد تجاوز الأربعین، و قد وضعت جمیع ثروتها تحت تصرفه صلیالله علیه و آله، و قد قام بإنقاضها فی الترفیه عن الناس و إعانة الضعفاء والفقراء، و لم تغره تلك الثروة الطائلة إلی الانجرار إلی التجمّل و اللهو.
المرحلة الثالثة: مرحلة البعثة حتی هجرته إلی المدینة:
و بُعث فیها من قبل الله سبحانه إلی البشریة جمعاء و اصطفی للرسالة، و تحمل أعظم و أثقل المسؤولیات، و ابتدء دعوته الإلهیة بنداء (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، و أعلن برائته من كل أشكال الشرك و عبادة الأوثان والعادات الباطلة والتفرقة والتمییز بكافة ألوانه والاستغلان والاستعباد والاستضعاف.
واستمر فی دعوته فی أجواء والاستهزاء والأذی والسخریة التی كانت تمارسها قریش معه، و لم یؤمن به حینهما سوی علی بن أبی طالب علیه السلام الذی لم یكن له من العُمر عند ابتداء البعثة سوی عشرة أعوام، و زوجته الوفیة الحكیمة بماكانت تعهده من سوابقه المشرقة و أخلاقه الكریمة، فأدركت حقیقة دعوته السماویة و شدّت علی مساعدیه فیها، و لم تكن له أمة و لكنه صلیالله علیه و آله جدّ و ثابر بشكل فرید علی متابعة دعوته بمساعدة علی و خدیجة، علی خارج بیته و خدیجة فی داخله.
(مقتطفات من كتاب «نداء الإسلام من أوروبا» لسماحة آیة الله العظمی الصافی الکلبایکانی)