شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

المبحث الثالث
فی اختلاف مستویات الأئمّة
(ع)
فی الإیمان والعلم والأخلاق

 

قال السائل المحترم ـ زاد الله فی سداده ورشاده ـ: كیف یمكننا درء الشبهة القائلة باختلاف مستویات الأئمّة^ إیماناً وعلماً وخُلُقاً؟ وذلك باعتبار ما یرویه لنا التاریخ من سیرهم.

أقول: إن كان المراد من المستویات مقوّمات الأهلیة للإمامة، وتولّی الزعامة والقیادة، فكلّ واحد منهم(ع) واجد لتلك المرتبة، وإن كان المراد اختلاف مستویاتهم فی الزائد على هذه المرتبة فالّذی دلّ علیه الدلیل هو أفضلیة الإمام أمیر المؤمنین­(ع) من سائر الأئمّة ومن الأنبیاء السلف على نبیّنا وآله وعلیهم السلام.

ویستفاد من بعض الأحادیث أنّ مولانا المهدیّ(ع) ـ وهو تاسع الأئمّة من ذرّیّة الحسین­(ع) ـ أفضل التسعة(ع) كما أنّ الأحادیث

 

الكثیرة الّتی دلّت على أنّه­(ع) یؤمّ عیسى بن مریم وعیسى یقتدی به صریحةٌ فی أفضلیّته من عیسى على نبیّنا وآله وعلیه السلام.

وإن كان المراد أنّ سیرهم التاریخیة دلّت على اختلاف مستویاتهم، فنقول:

أوّلا: إنّ سیرهم التاریخیة إنّما دلّت على علوِّ مستوى أرباب هذه السیرة، ولم نجد فیها ما یدلّ على اختلاف مستویاتهم، ومجرّد عدم حفظ التاریخ سیرة بعضهم، وما صدر عنه من العلوم لا یدلّ على أنّ مستوى غیره ممّن حفظ عنه التاریخ ذلك كان أرفع وأعلى منه، لاسیّما مع ما نعلم بأنّ السبب الوحیـد فی عدم حفظ ما صدر عن بعض الأئمّة(ع) مثل الإمامین السبطین(ع) إلّا النزر الیسیر، هو السیاسات الغاشمة الجبّارة الحاكمة على المسلمین.

وإن شئت أن تعرف أفاعیل السیاسة فی ذلك، والخسارات العلمیة الّتی منیت بها هذه الاُمّة من أرباب هذه السیاسات، الّتی حرمت الناس حرّیّاتهم فی أخذ العلوم الإسلامیة من منابعها الأصلیة ومصادرها الأوّلیة راجع كتب التاریخ، وكتاب النصائح الكافیة، وكتابنا أمان الاُمّة من الضلال والاختلاف.

 

نعم، مرّت على هذه الاُمّة أزمنة كان أخذ العلم عن أهل البیت(ع) وروایته من أعظم الجرائم السیاسیة، یُعذَّب مُحِبُّوهم وشیعتهم شرَّ تعذیب، ویُنكَّل بهم أشدّ التنكیل، یُقطِّعون أیدیهم وألسنتهم، ویقتلونهم شرّ قتلة، ویسبّون بطل الإسلام ونفس الرسول وباب علمه وخلیفته ووصیّه على المنابر الّتی لم تقم فی الإسلام إلّا بمجاهداته وتضحیاته وبطولاته.

ففی هذه الظروف والأحوال لم تسمح الفرص لبعض الأئمّة­(ع) القیام ببثِّ العلم كما سمحت للبعض الآخر مثل الإمام الباقر والإمام جعفر الصادق(ع)، ومع ذلك فما فی أیدینا منهم یكفی فی الدلالة على علومهم اللدُنِّیة، وأنّ مستوى كلّ واحد منهم فی الإیمان والعلم والأخلاق أعلى المستویات، وأنّهم خُزّان العلم، ومعادن الإیمان، وینابیع الحكم، وكنوز الرحمن، إلیهم یفیء الغالی، وبهم یلحق التالی، وعلم كلّ واحد منهم علم الجمیع.

فهذا الإمام جعفر الصادق­(ع) قد أخذ العلم منه جماعـة یربو عددهم على أربعة آلاف رجل، حتّى أنّ الحافظ الشهیر ابن عقدة (المتوفّى سنة 333 ه‍ ) صنّف كتاباً فی أسماء الرجال الّذین رووا عنه

 

أربعة آلاف رجل، وأخرج لكلّ رجل حدیثاً وعلماً رواه عن الصادق(ع)، وله أیضاً كتاب من روى عن أمیر المؤمنین(ع)، وكتاب من روى عن الحسن والحسین(ع)، وكتاب من روى عن علیّ بن الحسین(ع)، وكتاب من روى عن أبی جعفر محمد بن علیّ(ع)، وهو الّذی قال فی مجلس مناظرة له:

إنّه یجیب بثلاثمائة ألف حدیث من أحادیث أهل البیت(ع).

ومَن سَبر غور كتب الحدیث، واُصول الشیعة، وكتب التراجم والرجال، وما بقی ممّا صدر عنهم فی الأجواء المملوءة بالاضطهاد والضغط والقمع، فی جمیع حاجات الإنسان المعنویة والمادیّة یعرف أنّ مستواهم فی جمیع الكمالات أعلى وأنبل من أن یُقاس إلیهم أحد من الناس.

جعلنا الله تعالى من شیعتهم، ووفّقنا لمتابعتهم، والاقتداء بهم، والمنتظرین لفرج قائمهم، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرین.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین

لطف الله الصافی الگلپایگانی 

لیلة السابع عشر من رجب المرجّب، سنة 1403 ه‍.

 

موضوع: 
نويسنده: