پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّد الأنبیاء والمرسلین، أبی القاسم محمد وعلى آله الطاهرین.

قال الله تعالى:

(وَأنْذِرْ عَشیرَتَكَ الأَقْرَبینَ) [1]

لا یزال یأتینا من الناصبة، وبقیّة الفئة الباغیة، والمرتزقة الّذین یعیشون فی أحضان الاستعمار - وهمّهم الوحید التفرقة بین المسلمین، وإشغالهم بخلافات مستحدثة؛ كیلا یلبّوا دعوة المصلحین وعباقرة الاُمّة إلى توحید الكلمة - ما یجرح العواطف، ویُثیر الفتنة والتباغض والتخالف، ممّا لا ربح فیه إلاّ للأعداء، ولا یزیدنا إلاّ الضعف والفشل.

وهذا إن دلّ على شیء، فإنَّما یدلّ على أنّهم جعلوا أصابعهم فی آذانهم؛ حتى لایسمعوا صرخات المصلحین؛ لأنّهم لایحبّون استیقاظ اُمّتنا الكبیرة، الّتی لو استیقظت من نومتها، وعرفت صلاحیاتها وطاقاتها وإمكانیّاتها لقامت بوجه كلّ استكبار واستضعاف وقضت علیه، ورفعت رایة التوحید، وأسَّست المدنیة على النظام الإلهیِّ الخالی من الظلم والانظلام، وسلب

 

الحریّات الّتی منحها الله تعالى الإنسان فی شرائع الأنبیاء، سیّما الشریعة الإسلامیة الخاتمة.

نعم، لو التفت الجیل الحاضر المسلم إلى مستقبله وإلى حاضره، وما یجری فی العالم، وما أحاط البشریةَ من المشاكل الّتی فرضتها علیها الصهاینة وأذناب الاستعمار، والتبشیر والإلحاد وعبدة لنین وماركس، أدرك ما یجب علیه من القیام بإبلاغ رسالة الإسلام لإنقاذ البشریة، والسعی للقضاء على كلّ سلطة وسیطرة إلاّ سلطة أحكام الله تعالى، ویدكّ بذلك عروش الجبابرة والمستكبرین ویهدّد كیانهم.

ولَعَمْرُ الحقّ، ما على البسیطة شیء أشدّ خطراً على الاستكبار العالمی من تیقّظ المسلمین من رقدتهم، واعتصامهم بحبل الله تعالى.

إذن فلا عجب من وقوفهم بوجه المصلحین وسعیهم فی تفرقة كلمة المسلمین وتجزئة بلادهم؛ لیكون كلّ إقلیم ومنطقة تحت أمر حاكم عمیل ونظام فی خدمة الشرق أو الغرب.

فانظر إلى بلاد المسلمین بعین البصیرة والعبرة؛ لتدرك محنتها من هؤلاء الحكّام والمهتمّین بتفرقة المسلمین، ثمّ انظر هل تجد لهذه الحكومات المتخالفة فی السیاسة والنظام والإدارة مفهوماً؟ غیر أنّ الاستعمار لم یقم ولن یدوم فی بلادنا إلاّ بها.

 

 واُوجّه السؤال إلى المسلمین المضطهدین تحت سیطرة هذه الحكومات الجائرة عن الحاكم الإسلامی الّذی قرن الله طاعته بطاعة رسوله (ص) من بینها:

فمن هو إذاً حاكم الاُردن، أو تركیا، أو الجزیرة العربیة المسمّاة باسم السعودیة، أو حاكم الكویت، أو البحرین، أو قطر، أو أبوظبی، أو سلطنة عمان، أو المغرب، أو تونس، أو الجزائر، أو باكستان، أو مالیزیا، أو أندونزیا، أو الصوُمال، أو لبنان، أو نیجیریا، أو الیمن الشمالیة، أو الیمن الجنوبیة الماركسیة، أو لیبیا الاشتراكیة، أو السودان، أو مصر، أو العراق، أو تانزانیا، أو سوریا، أو أفغانستان، أو اُوزبكستان، أو تاجیكستان، أو ألبانیا، أو بنگلادش، وأو... وأو...؟!

مَن الّذی یحكم من حكّام هذه البلاد بحكم الإسلام؟ وأیُّ هذه الحكومات حكومة شرعیة إسلامیة تمثّل وحدة الاُمّة وحكومتها العالمیة الّتی تسود العالم كلَّه؟

وهل تعرف منها من لایتحكّم فی مصیره الشرق الملحد أو الغرب المستعمر؟ ومن هی شبكات هؤلاء المستعمرین الّذین لایرقبون فی مؤمن إلّاً ولاذمّةً، یُنفقون الأموال الطائلة الّتی یحصلون علیها بامتصاص دماء الشعوب، من أجل اختلاق الخلافات وإنكار الحقائق الإسلامیة، وإیجاد الشكّ فی التاریخ الملیء بأمجادنا وبطولات أبطالنا؟ كما یحاولون أن تبقى اختلافات الفرق بحالها، فحینما یرون أنّ الشعور بالولاء لأهل البیت(علیهم‌السلام)

 

والتمسّك بهم سیشمل جمیع الاُمّة ویوحّدها، ویُذهب بالأحقاد الّتی أوجدتها السیاسة، ویقـضی على تفرقة الاُمّة بالفریقین الشیعة والسنّة، ویلفّ الجمیع حول الكتاب والعترة (الثقلین) ویوحّد المذاهب أجمع، یتوسّلون بأهل التعصّب والعناد والنصاب یخیفونهم من ظهور الحقّ ویقظة الشباب المثقّفین، وفهمهم ما وراء الوقائع الدامیة والخلافات الطائفیة من مؤامرات المنافقین ومبغضی أهل البیت(علیهم‌السلام)  فیستأجرون لذلك أقلام عبدة الدنیا، ومحبّی الجاه، والضعفاء الّذین لایفهمون ما وراء هذه الاُمور، ولایفكّرون فیما یریده الاستعمار من الاحتفاظ بتفرّق المسلمین.

إی والله، لقد أدرك الاستعمار أنّ جیلنا المسلم قد استیقظ عن نومته، وانتبه إلى ما حوله، وأدرك أنّ الخلافات المذهبیة والسیاسات العاملة لمنع الناس عن التمسّك بالثقلین وأخذ العلم عن أهل البیت(علیهم‌السلام)  الّذین هم وحدهم حملته وسَدَنته، تذوب بالإمعان الخالص من التعصّب فی الكتاب والسنّة والتاریخ، كما أدرك الكثیر من أبناء أهل السنّة، فلبّوَا دعوة المصلحین الأفذاذ؛ لترك العصبیات الطائفیة، وفهموا أنّ شیعة أهل البیت(علیهم‌السلام) لاذنب لهم إلاّ ولاء أهل البیت، وأخذ العلم عنهم فی ظروف لم تكن موافقةً لسیاسة أرباب السلطة المتغلّبین على المسلمین، فتحكّموا فی رقاب محبّیهم ورواة فضائلهم ومناقبهم وحملة العلم عنهم ونكّلوا بهم أشدّ التنكیل وساموهم سوء العذاب، حتى أصبح الرجوع إلى أهل البیت(علیهم‌السلام) ونقل الحدیث عنهم، وحتى إعانة الذرّیة الطاهرة النبویة من أعظم الجرائم السیاسیة.

 

وقد بقیت شرذمة ضئیلة من أبناء هؤلاء الّذین یقولون بشرعیة حكومات الطواغیت، الّذین عَلَوا وطغوا واستكبروا فی الأرض، أمثال معاویة ویزید والولید وهارون والمتوكّل وغیرهم، وكان استكبارهم أكثر من استكبار طواغیت الجاهلیة فی روما و إیران.

وهؤلآء لایزالون یصدّون المسلمین عن التجاوب والتفاهم، ویلبّون دعوة الاستعمار لإثارة الضغائن وإنكار الحقائق، ینظرون دائماً إلى الخلف، ولاینظرون إلى الأمام. لایقبلون من التاریخ والحدیث إلاّ ما یؤیّد آراءهم، ویجرحون –كأسلافهم - كلّ من یروی ما لایوافق أهواءهم، ویطعنون فی كلّ حدیث یخالف مذهبهم وإن بلغ فی الصّحة ما بلغ، أو یأوّلونه. قد أعمت العصبیة أبصارهم وبصائرهم. السنّة عندهم بدعة، والبدعة عندهم سنّة. یقتفون آثار السفیانیّین، ویدافعون عن سیرة الجبابرة، ویعملون على كتمان فضائل بطل الإسلام، ونفس الرسول وابن عمّه وأخیه، وباب مدینة علمه، ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبیّ بعده، ومن لایحبّه إلاّ مؤمن، ولایبغضه إلاّ منافق، أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب×. ینكرون مناقبه ومناقب أهل بیته، ویرمون من روى فضائله بالكذب ووضع الحدیث، ویعدّون ولاء أهل بیت النبیّ (ص) جریمةً لاتُغتفر، ولكن لو كانت هذه المناقب مرویّةً فی شأن أعداء آل النبیّ(ص) لایقابلونها بالإنكار، وسیّما إذا كان رجالها مطعونین بالنصب وقتل المسلمین وأقبح الظلم وأشنع الفسق. فإنّا لله وإنّا إلیه راجعون.

 

قرأنا فی بعض المجلاّت (حضارة الإسلام، العدد الخامس من السنة الثامنة عشرة برجب 1397 هـ ) نقداً من الكاتب محمد حسنین هیكل، على كتاب للجنرال ا. أكرم، ترجمة الركن صبحی الجابی، فیه موارد هامّة من الاشتباه، وقلب الحقائق، من أعظمها: الاستناد إلى المنقولات الضعیفة والحكایات الواهیة فی شأن بدء الوحی وكیفیة نزوله، ممّا لایناسب شأن الرسالة المحمدیة، فیتّهم الرسول (ص) بخشیته على نفسه عندما نزل علیه الوحی، وجاءه الملك الأمیـن جبرئیل (علیهالسلام) یرى كأنّه - والعیاذ بالله - لم یحصل له الیقین بما جعل الله على عاتقه وشرّفه به من النبوّة والرسالة، فانطلقت به السیّدة خدیجة(س) أتت به ورقة بن نوفل.

وهذه وإن كانت روایة البخاری ومسلم فی بدء الوحی وكیفیة نزوله[2] إلاّ أنّها مردودة علیهما وعلى شیوخهما؛ لأنّ شأن الرسول (ص) فی المعرفة والإدراك كان أنبل وأجلّ من الشكّ فیما أوحى الله تعالى به، وأمر الرسالة أیضاً أعلى وأنزه من ذلك. وكیف لایعرف الرسول (ص) ما تعرفه وتؤمن به السیّدة خدیجة (س) وقد كان تحت رعایة الله تعالى قبل البعثة، وخلق الله نوره قبل أن یخلق العالم، مضافاً إلى أنّه یجب أن یكون إلقاء الوحی والتعیین لهذا المنصب العظیم سیّما الرسالة المحمدیة العظمى على نحو یحصل للمبعوث

 

بها بنفسها الیقین والإیمان على أنّه بعث إلهیٌّ ووحی سماویٌّ. وبالجملـة شأن الرسالة وشأن الرسول بریء من خشیته (ص) على نفسه.

اللهمّ إلاّ أن یكون المراد خشیته من الله تعالى لعظم ما أمره به وجعله على عاتقه، ولاریب أنّه (ص) كان أخشى الناس وأخوفهم من الله تعالى، وكان أعبدهم وأزهدهم، وأعرفهم بالله. ولاریب أنّ من كان أعرف الناس بالله یكون أخوفهم منه وأرجى به منهم، أمّا الشكّ والخشیة على نفسه فلم یعرضه حتى لحظةً واحدةً، وهذا أمر یعرفه من سبر تاریخ حیاته وأخلاقه الكریمة، وقد قال الله تعالى:

(آمَنَ الرَّسُولُ بِما اُنزِلَ إلَیهِ مِنْ رَبّه) [3]

فهو مِن أوّل مانزل به الوحی آمن بما اُنزل إلیه وخرج من غار حراء وقلبه ملیء بالإیمان بما نزل به.

 

[1]. الشعراء، 214.

[2]. أحمد بن حنبل،‌مسند، ج1، ص312؛ ج6، ص223؛ البخاری، صحیح، ج1، ص3 - 4؛ مسلم النیسابوری، صحیح، ج1، ص 97 - 98.

[3]. البقرة، 285.

نويسنده: