پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

المسألة الرابعة: ما هی الدلائل العقلیة على عصمة الأنبیاء والأئمّة(ع)؟

الجواب:

أدلّتها كثیرة، نذكر نموذجاً منها ممّا یدلّ على معتقد الحقّ.

فمنها: أنّهم لو لم یكونوا معصومین عن المعاصی عمداً وسهواً، وعن الخطأ والنسیان والسهو فی كلّ ما یرجع إلى ما یجب اتّباعهم من أقوالهم وأفعالهم وسیرهم وسلوكهم لَیرفع الاطمئنان والاعتماد عن اتّباعهم والاقتداء والتأسّی بهم، وتبطل فائدة بعث الأنبیاء ونصب الأئمّة، ویُنقَض الغرض الباعث إلى إرسال الرسل، بل خطأهم ونسیانهم فی الاُمور العادیّة أیضاً یضعف ذلك الاعتماد، وتنزّههم عنه یقوّی ذلك ویؤكّده غایة التأكید، فاللطف والحكمة یقتضـی اختصاصهم بعنایات وألطاف تدفـع عنهم السهو والنسیان.

لا یقال: إنّ ذلك غلوّ فیهم، وإنّهم ما فوق الإنسان وأعلى منه.

لأنّه یقال: اختصاصهم بتلك العنایات، وكون ذكرهم وتوجّههم دائمیاً لیس فوق حدّ الإنسان، ولا یقول ذلك إلّا من قصـر عن معرفة الإنسان ومراتب كماله، وما یصل إلیه فی سیره إلى الله تعالى.

 

قال الإمام أبو عبد الله الصادق­(ع) على ما روی عنه: «الصُّورَةُ الْإِنْسَانِیَةُ هِیَ أَكْبَرُ حَجَجِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، ... وَهِیَ الْهـَیْكَلُ الَّذِی بَنَاهُ بِحِكْمَتِهِ، وَهِیَ مَجْمُوعُ صُوَرِ الْعَالَمینَ، وَهِیَ الْـمُخْتَصَرُ مِنَ الْعُلُومِ فِی اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ».([1])

ویُنسب إلى أمیر المؤمنین(ع):

وَأَنْتَ الْكِتَابُ المْـُبینُ الَّذِی              بِأَحْرُفِهِ یَظْهَرُ الْـمُضْمَرُ([2])

الغلوّ إنّما یحصل برفعهم من مرتبة العبودیة والمخلوقیة، والفقر الذاتیّ إلى مرتبة المعبودیة والخالقیة والغنى الذاتیّ.

والفضائل وكثیر من الصفات وما یتقرّب به العبد إلى المولى ویتخلّق بأخلاقه مشتركة بین الإنسان والملائكة، فلم یدلّ دلیل على امتناع اتّصاف البشـر بها وإن لم تحصل إلّا للأوحدیّ من الناس، وإثباتها لهم لیس غلوّاً فیهم، وغایة ما یقال فیهم: إنّ هذه الصفات فی الملائكة فعلیة، ولیست بالاستعداد وبالقوّة، والإنسان لا بشـرط فی ذلك عن الفعلیة والاستعداد، فبعض أفراد الإنسان فیه هذا بالقوّة، وبعضهم حاصل فیه بالفعلیة.

 

هذا، مضافاً إلى أنّ القول بأنّهم ما فوق الإنسان إن اُرید به رفعهم إلى مرتبة الملائكة وإثبات هویّتهم لهم فلیس هذا رفعاً لهم من مرتبتهم إن لم یكن إثباتاً لقصر لهم؛ إذ الأنبیاء والأئمّة أفضل من الملائكة؛ لأنّ عصمتهم عن المعاصی لیس معناها عدم تمكّنهم منها، أو نفی ما كان یمكن أن یكون داعیاً لهم، وكم فرق بین من لا یتحقّق له الداعی إلى الأكل لعدم إمكان ذلك له، فلا یسند إلیه ترك الأكل حقیقة، وإن اُسند إلیه فلا یكون إلّا مجازاً، كقول القائل: إنّ الحجر لا یأكل، فامتناعه عن الأكل لیس عن إرادة واختیار، بل لا یصحّ أن یسند إلیه الامتناع عن ترك الأكل، وبین من یمتنع عنه بالاختیار، ویسند إلیه كسائر أفعاله وتروكه الاختیاریة؛ ولأجل هذا یقول المحقّق الطوسی القدّوسی(قدس سرّه) فی أفضلیة الأنبیاء على الملائكة: والأنبیاء أفضل؛ لوجود المضادّ.([3])

وأمّا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا   بَشَـرٌ مِثْلُكُمْ یُوحَى إِلَیَّ([4])، وقوله تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّی هَلْ كُنتُ إلَّا بَشَراً رَسُولاً([5]) فلیس مفادهما أنّ

 

إثبات صفات الملائكة لهم غلوّ ورفع عن درجة الإنسان إلى درجة أعلى، بل المراد نفی الغلوّ بإثبات صفات الله المختصّة لهم وإثبات الاستقلال لهم فی عرض إرادة الله ومشیئته، فهم ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ([6])، لیس لهم الإتیان بآیة إلّا بإذن الله تعالى، فمثل النبیّ الخاتم’ الّذی:

فَاقَ النَّبیّینَ فی خَلْقٍ وَفِی خُلُقٍ       وَلَمْ یُـدَانُــوهُ فِی عِلْــمٍ وَلَا كَـرَمِ

وَكُلُّهُمْ مِنْ رَسوُلِ اللهِ مُلْتَمِسٌ    غُرْفاً مِنَ الْیَمِّ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِیَمِ([7])

﴿وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَى﴾.([8])

وأیضاً مثل هاتین الآیتین ردّ على من یطلب من النبیّ’ ترك ما هو ضرورة وجود الإنسان، كالأكل والشرب والمشی فی الأسواق؛ زعماً منه أنّ ترك ذلك كمال للنبیّ’؛ ولهذا قالوا:

﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ یَأْكُلُ الطَّعَامَ وَیَمْشِی فِی الْأَسْوَاقِ﴾([9]

 

 وقال سبحانه وتعالى:

﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُواْ أَبَعَثَ اللّٰهُ بَشَراً رَسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِی الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنَا عَلَیْهِم مِنَ السَّمَاء مَلَكاً رَسُولاً﴾.([10])

ومن الأدلّة الّتی اُقیمت على عصمة الأنبیاء والأئمّة^: أنّه یجب فی النبیّ والإمام قوّة الرأی والبصیرة وعدم السهو، وكلّ ما یُنفَر عنه، ومن المعلوم أنّ المعصیة ـ كبیرةً كانت أو صغیرةً ـ من أعظم ما یُنفَر عنه، ومن أقوى الشواهد على ضعف الرأی، والسهو أیضاً یذهب بمكانته الاجتماعیة، وربّما یصیر سبباً لاستهزاء الناس به، وإنكارهم ما علیه وقدحهم بما لیس له، وكلّ ذلك ینافی مصلحة النبوّات.

ومنها: أنّه یجب متابعتهم وإطاعتهم، ولو لم یكونوا معصومین جاز أن یأمروا بالمعصیة وما فیه المفسدة، وینهوا عن الطاعة وما فیه المصلحة، وذلك یؤدّی إلى إغواء الناس وإضلالهم، وهذا ضدّ المقصود من بعث الرسل؛ لأنّ الغرض منه هدایة العباد والبشارة والإنذار.

 

ومنها: غیر ذلك من الأدلّة الّتی تُعدّ بالمئات، ذكرها العلاّمة الحلّی فی الألفین وفی سائر كتبه فی الكلام والإمامة، وذكر طائفةً منها غیره أیضاً، من شاء أكثر من ذلك فلیراجع هذه الكتب.

 

 

([1]) السبزواری، شرح الأسماء الحسنى، ج1، ص12.

([2]) الفیض الکاشانی، تفسیر الصافی، ج1، ص92؛ السبزواری، شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص12.

([3]) الخواجة نصیر الدین الطوسی، تجرید الإعتقاد، ص217؛ راجع ایضاً: ‌العلّامة الحلّی، کشف المراد، ص360.

([4]) الكهف، 110؛ فصّلت، 6.

([5]) الإسراء، 93.

([6]) الأنبیاء، 26-27.

([7]) الأعرجی، تخمیس قصیدة البردة، ص180؛ الأمین العاملی، أعیان الشیعة، ج9،‌ ص305؛ المحدّث القمّی، الأنوار البهیّة، ص35.

([8]) النجم، 3 ـ 4.

([9]) الفرقان، 7.

([10]) الإسراء، 94 ـ 95.

موضوع: 
نويسنده: