چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

 

قد علمت ممّا سبق اشتراك جمیع الفرق فی اُصول العقائد، یعنی بذلك الإیمان بالتوحید، والنبوّة والبعث، والصلوات الخمس إلى القبلة، والحجّ، وصوم شهر رمضان، والزكاة، وغیرها من الاُمور الّتی اتّفقت الاُمّة فی دخلها فی الإیمان، وعدم حصول النجاة بدون الإیمان بها، وقد أعلن ذلك الصحاح الستّة وغیرها من كتب أهل السنّة، فدلّت روایاتهم على نجاة مَن آمن بالله ورسوله والیوم الآخر، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وحجّ البیت، وصام شهر رمضان،([1]) بل فی صحاحهم روایات كثیرة دلّت على نجاة مطلق الموحِّدین.

ففی صحیح البخاری، فی كتاب الرقاق، عن أبی ذرّ قال: قال النبیّ(ص): «قَالَ ذَاكَ جِبْریلُ: أَتَانی فَقالَ: مَنْ مَاتَ مِن أُمَّتِكَ لَا یُشْـرِكُ

 

بِالله شَیْئًا دَخَلَ الْـجَنَّةَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ:  «وَإِنْ زَنَى ، وَإِنْ سَرَقَ».([2])

وفیه عن أبی هریرة: أنّ أعرابیّاً أتى النبیّ(ص)، فقال: دُلَّنی على عمل إذا عملته دخلت الجنّة، قال: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَیْئاً، وَتُقیمُ الصَّلَاةَ الْـمَكْتوُبَةَ، وَتُؤَدِّی الزَّكَاةَ الـْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ». قال: والّذی نفسـی بیده لا أزید على هذا، فلمّا ولّى قال النبیّ(ص): «مَنْ سَرَّهُ أَنْ یَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْـجَنَّةِ فَلْیَنْظُرْ إِلَى هَذَا».([3])

وفیه، فی كتاب الرقاق، عن عتبان قال: قال رسول الله(ص): «لَنْ یُوَافِیَ عَبْدٌ یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، یَبْتَغی بِهِ وَجْهَ الله، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِ النَّارَ».([4])

وأخرج فی اُسد الغابة، فی ترجمة أبی سلمى راعی رسول الله(ص)، قال: سمعت النبیّ(ص) یقول: «مَنْ لَقِیَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَآمَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، دَخَلَ الْـجَنَّةَ»، قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله(ص)؟ فأدخل إصبعیه فی اُذُنیه، فقال:

 

سمعت هذا منه غیر مرّة، ولا مرّتین ولا ثلاث، ولا أربع.([5])

وإن شئت أكثر من ذلك فراجع مصابیح السنّة للبغوی،([6]) وغیره من كتب الحدیث.([7])

وهذه الأحادیث دالّة على نجاة الشیعة، وأنّهم من أهل الجنّة؛ لأنّهم یشهدون بجمیع ما فیها من التوحید والنبوّة والبعث والحساب، ویؤمنون بها، لا یشركون بالله شیئاً، یقیمون الصلاة، ویؤدّون الزكاة، ویصومون شهر رمضان، وشاركوا أهل السنّة فیما هو عندهم من ملاك الإیمان والنجاة.

وقد أفتى بهذه النصوص وإیمان المعتقدین بالاُصول المذكورة جماعة من علماء أهل السنّة، فراجع الفصول المهمّة إن شئت تفصیلاً شافیاً فی ذلك كلّه؛ حتى تعلم أنّ التقریب بین المذاهب والتفاهم بین الفرق أمر ممكن، وأنّ ما علیه الشیعة من ولایة أهل البیت والقول بإمامتهم والتبرّی من أعدائهم لا یمنع ذلك، ولا یخالف الاُصول الّتی بنی علیها الإسلام، فإنّ غیر ما تلونا علیك ممّا ذهب إلیه أهل السنّة كلّهم أو

 

بعضهم، حتى تصویب ما صدر عن الشیخین وعدالة الصحابة لیس من اُصول الدین فی شیء، ولا دخل لهذه الاُمور فی الإیمان أو فی كماله، لاسیّما إذا كان مَن یرى خلاف ذلك مجتهداً.

فمَن یأوّل رزیّة یوم الخمیس ـ الّتی یقول عنها ابن عبّاس: یوم الخمیس، وما یوم الخمیس؟ ثمّ جعل تسیل دموعه على خدَّیه كأنّها نظام اللؤلؤ، ویعذر عمر بن الخطّاب وحزبه فیما قالوا لمّا قال رسول الله(ص): «اِئْتوُنی بِدَوَاةٍ وَصَحیفَةٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً». فقال عمر وهو أوّل من منعه عن ذلك: إنّ النبیّ غلبه الوجع، وفی بعض طرقه: فقالوا: هجر رسول الله(ص)، وفی بعضه الآخر: قالوا: إنّ رسول الله یهجر،([8])وعن أحمد بن عبد العزیز الجوهریّ فی كتاب السقیفة،([9]) فقال عمر كلمة معناها: أنّ الوجع قد غلب على رسول الله(ص) ـ كیف لا یأوّل قدح مَن یقدح فی عدالة صحابیّ اجتهاداً، ولا یقرّ خلافة الشیخین كما لم یقرّها فاطمة وعلیّ وغیرهما من بنی هاشم، والصحابة

 

الّذین امتنعوا عن البیعة؟!

ومن تأمّل فی ألفاظ هذا الخبر یعلم أنّ عمر بن الخطّاب هو أوّل من تكلّم بأنّه(ص) یهجر ـ نعوذ بالله ـ ، وإن قاله غیره أیضاً قاله متابعةً له، والتعبیر بأنّه قد غلبه الوجع من النقل بالمعنى لا باللفظ تأدّباً وتحرّزاً عن نقل تلك الكلمة، ولو سُلِّم أنّه لم یزد على قوله: إنّ النبیّ غلبه الوجع! أفلیس معناه أنّه(ص) یهجر أو یغلط؟!

ألیس هذا ردَّ أمر رسول الله(ص) ومعارضةً صریحة؟! أترى فی هذا الكلام دلالةً على غلبة الوجع وعدم الاعتداد بكلام المتكلّم به لو صدر مثله عن مریض یجوز أن یقال مثل هذا فیه؟

بالله یا أخی تأمَّل فی مغزى هذه الحادثة.

فلیس لأحد من الصحابة ـ كائناً من كان ـ ردّ قول النبیّ(ص)، لاسیّما وهو یرید كتابة وصیّة لن تضلّ الاُمّة بعدها أبداً.

وما معنى الاجتهاد قبال الأمر الصریح الصادر عن النبیّ الّذی قال الله تعالى فیه: ﴿مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَمَا غَوى * وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَى﴾.([10])

 

وقال: ﴿مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذوُهُ وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.([11])

فانظر بعین الإنصاف تأوّلات القوم فی هذه الرزیّة، فهذه حاشیة السندی على صحیح البخاری، باب كتابة العلم، فاقرأ فیها تأوّلاتهم فیها حتى تعرف أنّهم لم یأتوا فی هذا الباب بشیء تسكن عنده النفس، ویقبله المنصف.

فالّذی لا یعتریه الشكّ أنّ كلامه صریح فی ردّ رسول الله(ص) ومعارضته له، وأنّ الاُمّة حرمت بذلك عن الأمن من الضلال، ولم یُرِد ابن عبّاس بقوله: «الرزیّة كلّ الرزیّة ما حال بین رسول الله(ص) وبین كتابه» إلّا هذا؛ لأنّ حرمان الاُمّة من الأمن من الضلال رزیّة لیس فوقها رزیّة، تَرتَّبَ علیها جمیع المصائب والاختلافات، فلا إیراد على المسلم المنصف إن وقف عند هذه الواقعة العظیمة وتفكّر فی مغزاها، كما لا اعتراض علیه إن قال: إنّ الأمر الّذی أراد كتابته فمنعوه عنه كان توثیق عهده لأخیه وابن عمّه علیٍّ(ع) بالإمامة والخلافة بعده، ولكنّهم لمّا علموا من تنصیصاته المتكرّرة فی غدیر خمٍّ، وحدیث الثقلین الّذی حصر فیه الأمن من الضلال بالتمسّك بالكتاب والعترة، وحدیث المنزلة وغیرها صدّوه عن كتابته، وهذا هو الأمر الّذی أبكى ابن عبّاس

 

حتّى خضّب دمعه الحصباء، وقال: «الرزیّة كلّ الرزیّة ...».

ولو كان صاحب هذه الكلمة غیر عمر لكان موقفهم تجاهها غیر هذا، ولكنّ الّذی یهوّن الخطب عنده، ویسهّل له قبول التأوّلات المذكورة فی حاشیة السندی وغیرها أنّ المتكلّم بها عمر.

ولیعلم أنّه لیس غرضنا من هذا المقال الطعن على الخلیفة، ولا على غیره من المسلمین، ولا ردّ تأوّلاتهم فی ذلك، فحساب الخلق على الله، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى([12])، بل غرضنا النظر فی أمثال هذه الحوادث، من الناحیة العلمیة.

فمَن یتأوّل رزیة یوم الخمیس وأمثالها، ولا یرى فی ذلك بأساً، ویجتهد لأن یحملها على المحامل الصحیحة كیف لا یأوّل قول مَن قدح فی عدالة أحد من الصحابة اجتهاداً ونظراً إلى مثل هذا الحدیث الصـریح فی ردّه رسول الله(ص) ومعارضته معه وهو فی هذا الحال، حتّى اختصموا عنده وأكثروا اللغو والاختلاف؟ وكیف یقول بقدح ذلك فی الإیمان، ولا یقول بقدح ما هو أقبح وأفظع منه؟!

وإن شئت أن تعرف مبلغ أفاعیل السیاسة فقایس بین أنّهم منعوا النبیّ(ص) عن كتابة الوصیّة الّتی لو كتبها لن یضلّوا بعده أبداً، وقالوا ما

 

قالوا، ولم یردّوا على أبی بكر حین أراد الوصیّة فی مرض موته، ولم یقولوا: إنّه یهجر، وحسبنا كتاب الله، بل كتب أبو بكر وصیّته لعمر حین اُغمی علیه وقبل أن ینصّ على عمر، وأفاق بعد ذلك، وصوّب ما كتب، ودعا لعثمان.([13])

اللّهمّ أنت الحَكَم العَدل، فاحكم بین أهل بیت نبیّك وبین من عاداهم، وأنكر فضائلهم، وأراد إطفاء نورهم، وأظهر كلمتهم الحقّ، وأبطل بهم باطل أعدائهم، واحشرنا مع محمد وآله الطاهرین، صلواتك علیهم أجمعین.

 

حرّره لطف الله الصافی الگلپایگانی

 

 

 

([1]) أحمد بن حنبل، مسند، ج2، ص335 ـ 339؛ البخاری، صحیح،‌ ج3، ص202؛ البیهقی، السنن الکبری، ج9، ص159.

([2]) البخاری، صحیح، ج7، ص177 ـ 178.

([3]) البخاری، صحیح، ج2، ص109.

([4]) البخاری، صحیح، ج7، ص172.

([5]) ابن الأثیر الجزری، اُسد الغابة، ج5، ص219.

([6]) البغوی، مصابیح السنّة، كتاب الإیمان، ص3 ـ 7.

([7]) ابن ماجة القزوینی، سنن، ج1، ص299؛ أبو داود السجستانی، سنن،‌ ج1، ص105.

([8]) راجع: أحمد بن حنبل، مسند، ج1، ص325 ـ 326؛ البخاری، صحیح، ج4، ص31؛ ج5، ص137 ـ 138؛ ج7، ص9؛ ج8،‌ ص 161؛ مسلم النیسابوری، صحیح، ج5، ص 76.

([9]) الجوهری البصری، السقیفة وفدك، ص76؛ راجع: ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج6، ص51.

([10]) النجم، 2 ـ 4.

([11]) الحشر، 7.

([12]) الأنعام، 164؛ الإسراء، 15؛ فاطر، 18؛ الزمر، 7.

([13]) ابن سعد، الطبقات الکبری، ج3، ص199 ـ 200؛ الطبری، تاریخ، ج2، ص617 ـ 619؛ ابن‌ عساکر، تاریخ مدینة دمشق، ج30، ص410 ـ 412؛ ابن الأثیر الجزری، الکامل فی التاریخ، ج2، ص425 ـ ‌426.

نويسنده: