جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

بسم الله‏ الرّحمن الرّحیم

الحمد لله‏ ربّ العالمین والصلاة والسلام على سیّد الأنبیاء والمرسلین أبی القاسم محمّد وآله الطاهرین(ع).

لا ریب فی أنّ للاعتقاد الصحیح أو الفاسد تأثیراً كبیراً فی تقدّم الإنسان ورقیّه وكماله وسعادته، وبناء شخصیته فی الدنیا والآخرة، أو انحطاطه وتأخّره فیهما، فالعقیدة هی الّتی تدفع الإنسان إلی العمل والنشاط والتضحیة والإیثار، والعقیدة هی الّتی تسوق إلی النهضة والثورة والمقاومة والثبات فی الجهاد والحرب، وهی من وراء السلام والإعمار أو الدمار.

وأنّ مظاهر التمدّن والحضارة الّتی تبدو فی صور مختلفة کلّها ناشئة عن العقیدة...

فالمسجد تبنیه العقیدة، ومعبد الأصنام ترعاه العقیدة أیضاً، ومراحل النموّ السیاسی والفكری والاجتماعی والاقتصادی فی کلّ اُمّة أو قوم إنّما ترتبط بعقیدتهم.

 

والأنبیاء والرسل أساس هدایتهم العقیدة، العقیدة بالتوحید وسائر الاعتقادات النزیهة عن الخرافات.

وقد أوضح نبیّنا الأكرم محمد(ص) للبشریة بکلمة طیّبة وهی: «لا إله إلّا الله» عقیدة التوحید، ونفی الشرك، وجعلها أساس دعوته وتبلیغه، وإنّ قسماً مهمّاً من آیات القرآن المجید یدعو إلی الاعتقاد الصحیح والعقائد الحقّة.

والمسائل الأخلاقیة والعبادیة والعملیة تعدّ فی المرحلة الثانیة والثالثة من مراحل هدایة الأنبیاء وتعالیمهم للبشر بعد مرحلة التوحید، والفقه الأكبر الّذی هو حسن المعرفة بالله، الشامل لجمیع المسائل الاعتقادیة كالتوحید والنبوّة والإمامة والمعاد، إنّما هو الإیمان والاعتقاد بهذه الحقائق...

وجمیع المواجهات والتصدّیات الّتی کان یقوم بها المشـركون بوجه خاتم الأنبیاء(ص) إنّما کانت مواجهات وتصدّیات لما کان یبدیه من اعتقاده!...

وعلى کلّ حال؛ فإنّه ما لم تصحَّ عقیدة الإنسان والمجتمع وتخلص من الخرافات وتتنزّه عن الأوهام، فلا سبیل للمجتمع إلی الرقیّ الحقیقی والرشد والتقدّم، بل حتى لو قدّر له أن یتقدّم فی المظاهر المادّیّة أو

 

الظواهر الاقتصادیّة، فإنّ ذلك سیحدث له صعوبات ومشاکل، وسیبتلی بالظلم والاستكبار والاستعلاء، ولذا فانحراف العقیدة وتلوّن الاعتقاد أشدّ خطراً من أیّ سقم ومرض...

لذا فثمّة تعالیم مهمّة یطبّقها الإسلام صوناً للأنام عن الانحراف العقائدی والفساد الفكری، لئلّا یختطف المدلّسون وسرّاق العقیدة هذه الثروة الإنسانیة النفیسة الّتی لا نظیر لها، فكان من هذه التعالیم والفرائض المهمّة وجوب كشف البدع والبراءة من أهل البدع، والردّ على شبهاتهم، وتحریم نشـر عقائدهم الفاسدة، والحظر على انتشار كتب الضلال، ووجوب إبطال الباطل وإظهار الحقّ، ونظائر هذه الاُمور وذلك من أجل صیانة العقائد عن الانحراف، وحمایة ثغور المسلمین الفكریة والعقائدیة.

فمثل هذا التحذیر «من أصغى إلی ناطق فقد عَبدَه»،([1]) والتأكید على مجالسة العلماء،([2]) والاجتناب عن مجالسة أهل البدع،([3]) إنّما کان ذلك لهذا الغرض.

 

وما یأمر به القرآن الكریم فی قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فی‏ آیَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى یَخُوضُوا فِی‏ حَدِیثٍ غَیْرِه‏ِ﴾؛([4])

وفی قوله تعالى: ﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آیَاتِ اللّٰهِ یُكْفَرُ بِهَا وَیُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى یَخُوضُوا فِی‏ حَدیثٍ غَیْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾؛([5]) کلّ ذلك للحفاظ على العقائد والأخلاق وصونها...

وإنّ على کلّ مسلم أن ینظر فی عقائده لیطمئنّ إلی مطابقتها لتعالیم القرآن المجید وإرشاداته، وتعالیم النبیّ الأكرم(ص) وسیرته. ولیخلّص نفسه من خطر الضلال.

والمرجع الأوّل أو الأساس لبلوغ الإنسان هذا الهدف هو القرآن المجید، والأحادیث المتواترة المقطوعة الصدور الّتی رواها رواة أحادیث علوم أهل البیت(ع) وحملة علومهم.

ثمّ علیه أن یعرض دینه فی الدرجة الثانیة على العلماء الّذین لهم تعمّق فی القرآن والحدیث، ولیس الغرض من ذلك التقلید طبعاً، بل من أجل أن یتعلّم منهم ویصل إلی الیقین والاعتقاد بالاستدلال المناسب فی کلّ باب.

 

ومن جملة السبل لتصحیح الاعتقاد من حیث مبانی الاعتقاد الإسلامی مطالعة الكتب الّتی ألّفها أساطین العلماء أمثال الصدوق، والمفید، والمجلسـی،([6]) والشیخ البهائی، والشهیدان ونصیر الدین الطوسی، وغیرهم من الأعاظم ممّن كتب فی الاعتقادات.

ولا یخفى أنّ كتب الاعتقادات والعقائد فی اُصول الدین وسائر عناوینه كثیرة جدّاً، یضاف إلیها ما كتب بكثرة فی بعض المسائل الاعتقادیة بوجه خاصّ، كالتوحید والنبوّة والإمامة.

والهدف من تألیف هذه الكتب هو: لئلّا یضیف ذوو الأهواء والأغراض والمبدعون شیئاً على العقائد والمعارف الإسلامیة، ولتُصان المسائل الاعتقادیة والمباحث الّتی استنبطت من مصدر إسلامی للردّ ثانیاً على اُولئك الّذین ینسبون إلى المسلمین وخاصّة شیعة أهل البیت(ع) منهم العقائد الفاسدة ردّاً قامعاً، والفائدة الثالثة: هی أن ینظر المسلمون فیها لیصحّحوا اعتقاداتهم ویعرفوا آراء علماء مذهبهم.

 

وممّا لا ینبغی أن یجهل أنّ بعض هذه الكتب لو اشتملت على مسائل لا یجب الاعتقاد بها فی حدّ نفسها، فهو لكی تحتضن الثقافة الإسلامیة جمیع المسائل الّتی تتعلّق بالمعارف الإسلامیة من تفسیر، وقصص الأنبیاء، وما یجری فی القیامة وعالم البرزخ، والملائكة والجنّة والنار، والاُمور الاُخری المستفادة من الكتاب العزیز والأحادیث الشـریفة، ولئلّا یؤوّل أحد القرآن أو الحدیث حسب ظنّه وسلیقته على خلاف ظواهره، والمعانی المقبولة فیعدّ ذلك عرفاناً أو فلسفة من‏ نفسه، ثم ینسبه إلی الإسلام وأولیاء الإسلام.

من أجل ذلك کانت مطالعة كتب العقائد مفیدةً جدّاً، نافعةً مانحة الوعی والمعرفة.

 

 

([1]) الکلینی، الکافی، ج6، ص434؛ ابن شعبة الحرّانی، تحف العقول، ص456؛ المجلسـی، بحار الأنوار، ج2، ص94، ح30.

([2]) الکلینی، الکافی، ج1، ص39؛ الحرّ العاملی، الفصول المهمّة، ج1، ص476 ـ 679.

([3]) الکلینی، الکافی، ج2، ص375؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج12، ص48.

([4]) الأنعام، 68.

([5]) النساء، 140.

([6]) من الطریف أن نذكر هنا أنّ هذه الاعتقادات الّتی جمعها العلّامة المجلسـی فی 750 بیتاً، وفقاً لما یرویه المحدّث النوری فی لیلة من اُخریات لیالی محرّم الحرام سنة 1086 ه‍ فی مشهد الرضا(ع)، هی حسب تصوّرنا دلیل على تأییده من عند الله لاستحضاره الذهنی وإحاطته الشاملة، وهی كسائر التوفیقات الّتی لا نظیر لها الّتی کانت من نصیب مفخرة الإسلام المجلسی(قدس سره).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: