چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

بسم الله الرّحمن الرّحیم

إنّ رسالة «إیران تسمع فتجیب» ردّ على مزاعم كاتب وهّابیّ مغرض، كان هذا الكاتب الّذی یدعى «أبو الحسن ندویّ هندیّ» قد زار إیران فی عهد حكومة الطاغوت على رأس وفد من عربستان، حیث اجتمع الکاتب المذكور بعدد من الطاغوتیّین وبشخصیّات علمیّة ودینیّة، كما زار بعضاً من المساجد والمدارس الّتی ارتأى له رجال الأمن زیارتها. وعندما رجع ندویّ هذا إلى بلاده، كتب رسالة تحت عنوان «اسمعی یا إیران» راح فیها یأخذ بعض المآخذ غیر الصحیحة ویورد الاتّهامات الفاسدة على الشعب المسلم فی إیران.

وكتاب إیران تسمع فتجیب ردّ على التساؤلات والاعتراضات الّتی یشیر إلیها هذا الوهّابی، ممّا یكشف بوضوح سیاسة الوهّابیّین الاستعماریة، وجواب عالم الإسلام علیها.

إنّ من المسائل المؤسّفة الّتی یذكرها هذا الكاتب الوهّابی هو: لماذا یجهل الناس فی إیران موضع قبر طاغوت كبیر مثل هارون الرشید

 

بحیث إنّ أحداً لم یستطع أن یدلّنا علیه.

إنّنا بإعادة نشـر هذه الرسالة نستهدف القضاء على جذور أمثال هذه الاعتراضات والافتراءات الّتی لا تستند إلّا على التعرّض وسوء النیّة.

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحیم

الحمد لله ربّ العالمین، وأفضل صلواته وأزكى تحیّاته على خیر خلقه، محمد وعترته الأطهار، ما تعاقب اللیل والنهار.

وبعد، فقد قال عزّ من قائل فی محكم كتابه الكریم ومبرم خطابه العظیم: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِیعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا([1])، و ﴿إِن تَنصُرُوا اللّٰهَ یَنصُرْكُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.([2])

لا ریب أنّ الشعوب الإسلامیة بحاجة ملحّة إلى استعادة شخصیّتها الإسلامیة، وتنمیة الإحساس بالإسلام، وبتوجیهاته السیاسیة والاجتماعیة والتربویة والاقتصادیة، وإلى أن تقف موقفاً حاسماً أمام التّیارات المدمّرة الملحدة الوافدة من خارج العالم الإسلامی؛ كی لا یجد المستعمر مجالاً لزرع الأفكار الإلحادیة الهدّامة كالصهیونیة والشیوعیة.

فالمسلمون یواجهون فی عقر دورهم، وفی بلادهم، وفی نوادیهم ومجتمعاتهم وجامعاتهم وشوارعهم وأسواقهم ومجلّاتهم وجرائدهم

 

جاهلیات كثیرة: جاهلیة العصـر الحاضر، جاهلیة القرن، جاهلیة الشـرق، جاهلیة الغرب، جاهلیة الرأسمالیة والإمبریالیة، جاهلیة الشیوعیة والماركسیة ...، وجاهلیات هی لیست أقلّ خطراً من الجاهلیة الاُولى إن لم تكن أخطر.

فحاضر المسلمین فی مظاهرهم وظواهرهم، وفی ملابسهم، وفی مطبوعاتهم، وفی إذاعاتهم، وفی أفلام سینماءاتهم یدلّ على أنّهم أصبحوا بعیدین كلّ البعد عن الإسلام شكلاً ومضموناً.

أمّا شكلاً فیلاحظ ذلك فی عاداتهم، وآدابهم، وأزیائهم، ومخالطاتهم، ومعاشراتهم.

وأمّا مضموناً فیلاحظ ذلك فی قوانینهم وبرامجهم وأنظمتهم؛ إذ أنّ أكثر الجماعات الإسلامیة اتّخذت العلمانیة مبدأً رسمیاً وعملیاً لها، فمن لم یتّخذها رسمیاً اتّخذها عملیاً، فنبذوا الإسلام واُصوله ومبانیه وتعالیمه السامیة، وعزلوه عن إدارة المجتمع، وأصبح المثل الأعلى للمسلمین والهمّ الأكبر لهم رجالا ونساءً، هو مسایرة ركب الحضارة الغربیة أو الشـرقیة ومتابعتها ...، وأكثر ما یتجلّى ذلك فی نداءات الكثیر من قادتهم ومثقّفیهم وكُتّابهم بضرورة الأخذ بتلك الحضارات الملیئة بالمضارّ والمفاسد والشرور واتّباعها.

 

ومن المحزن والمخزی أنّ العامّة من الناس تستجیب لهذه النداءات المغریة، والدعوات الخلّابة، وهی لا تعلم خلفیاتها وحقیقتها وما تنطوی علیه، معتقدة بكلّ صدق وإخلاص وبراءة أنّ هؤلاء الجهلة المأجورین یعالجون أدواءهم، فأصبحت لذلك مناهج التربیة والتعلیم، ووسائل الثقافة والإعلام، متأثّرة بهذا الدواء (السُمّ المعسول).

وبذلك تحقّقت اُمنیّة أعداء الدین الإسلامی والاُمّة الإسلامیة، حیث كتب أحد المبشّرین «لقد قضینا على برامج التعلیم فی الأفكار الإسلامیة منذ خمسین عاماً، فأخرجنا منها القرآن وتاریخ الإسلام، ومن ثمّ أخرجنا الشُبّان المسلمین من الوسائط الّتی تخلق فیهم العقیدة الوطنیة والإخلاص والرجولة والدفاع عن الحقّ. والواقع أنّ القضاء على الإسلام فی مدارس المسلمین هو أكبر واسطة للتبشیر، وقد جئنا بأعظم الثمرات المرجوّة منه».([3])

ففی سبیل إجهاض تلك الحملات الإلحادیة الهدّامة ـ الّتی إن لم تهدّد كیان الإسلام عقیدة ونظاماً، فإنّها تهدّد كیان الفرد المسلم ـ یتحتّم على كلّ مسلم أن یضطلع بالمسؤولیة الكبرى الملقاة على عاتقه، والّتی لا یرضى الله تعالى بالاستخفاف والاستهانة بها.

 

وإذا لم تُجابَه أسالیب الاستعمار لدفعها عن وطننا الإسلامی وإبعادها عن أراضینا، ومحو آثارها من اقتصادیاتنا، وتعطیل انعكاساتها على حكوماتنا ومدارسنا وكلّیاتنا وجامعاتنا ومعاهدنا العلمیة الاُخرى فلا یمكننا بأیّ شكل أو سبیل بناء صرحٍ إسلامیّ جدید.

لذلك فإنّنا نقول: إنّ حجر الأساس فی تحقیق هذه الأهداف هو التمسّك بحبل الله، والاعتصام به وبأحكامه وشرعه ومنهاجه القویم، والعمل لتحكیم النظام الإسلامی فی جمیع نواحی حیاتنا المادیة والمعنویة، واجتماع المسلمین على صعید واحد، تحت لواء واحد، وفی وطن واحد، وفی ظلّ سلطان الله وسلطان حكمه، وتطبیق الكتاب والسنّة، فی جمیع المظاهر والظواهر.

وهذا یتطلّب تیقّظاً أكثر، ووعیاً أوفر، واتّحاداً أوثق، واتّفاقاً أضمن، ومجالاً أوسع، وأفراداً صلحاء أنور ضمیراً، وأوضح تفكیراً.

ونكاد لا نجد مسلماً ـ شیعیاً أو سنّیاً ـ لا یرى ضرورة اتّحاد الكلمة وتحقیق الوحدة الإسلامیة، وحدة تشمل الجماهیر المفترقة، والجماعات المتفرّقة فی ظلّ حكومات مسمّاة بأسماء لیست من الإسلام فی شیء، وحدةٍ تعمّ جمیع الفرق والمذاهب، لیعیشوا فی ظلّها إخواناً یشدّ بعضهم أزر بعض، ویكونوا كالجسد الواحد، إذا شكا منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمّى والسهر.

 


([1]) آل عمران، 103.

([2]) محمّد، 7.

([3]) حضارة الإسلام، العدد 14، السنة 15، ص103.

 

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: