پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

یا أعضاء جمعیة الرابطة، ووفدها!

هذه المصائب لم تُصب إیران وحدها، بل تعانی منها جمیع البلاد الإسلامیة، وأنتم غافلون أو متغافلون عنها، وتصبّون اهتمامكم فی المآخذ الّتی تورث الشحناء والبغضاء والضعف والتفرقة، لماذا لا تحملون هذه الخلافات على المحامل الصحیحة وعلى اجتهاد من یقول به؟

ذروا المسلمین واجتهاداتهم فی هذه الاُمور، واتركوهم ومذاهبَهم واجتهادَهم فی الكتاب والسنّة، وكونوا على یقین أنّ أحداً من المسلمین الّذین یتلون سورة التوحید فی صلاتهم ویتلون آیة: ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ([1]) ویتلون آیة: ﴿وَلَا یُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً([2]) لا یعبد القبور، ولا یشرك أولیاء الله تعالى فی شؤونه، فالأمر كلّه لله، وبیده ناصیة كلّ شیء، لا یملكون لنفسهم نفعاً ولا ضرّاً، ولا موتاً ولا حیاةً ولا نشوراً، نعبده ونستعین به وندعوه ونبتهل إلیه، وأنكروا علیهم ما اتّفق الكلّ

 

على خطره وتحریمه، وكونوا أشدّاء على الكفّار رحماء بینكم.

فكّروا فیما یهمّ المسلمین، وفی الاُمور الّتی تورث التودّد وتوحید الكلمة، وتوثیق عُرى الاُخوَّة الإسلامیة، ولا تشغلوا أنفسكم وأوقاتكم بمباحث أَكَلَ علیها الدهر وشرب، وأدّى التعصّب فیها إلى فتن كبیرة وإلى إتلاف النفوس. فقد جرّب المسلمون أضرار أمثال هذا الجدل والنقاش وأخطارها، وعرفوها، فاعرفوها أنتم واعتبروا بها، ولنذكر نموذجاً منها: تلك الفتنة الّتی وقعت بین الحنابلة والشافعیة، وكان السبب فی إثارتها أسلافكم الحنابلة وأصحاب أبی محمد البربهاری، كما یُحدّثنا ابن الأثیر بما نصّه: «فخرج توقیع الراضی بما یقرأ على الحنابلة ینكر علیهم فعلهم، ویوبّخهم باعتقاد التشبیه وغیره، فمنه: تارةً أنّكم تزعمون أنّ صورة وجوهكم القبیحة السمجة على مثال ربّ العالمین، وهیئتكم الرذلة على هیئته، وتذكرون الكفّ والأصابع والرجلین والنعلین المذهَّبین والشعر القَطِط، والصعود إلى السماء والنزول إلى الدنیا، تعالی الله عمّا یقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبیراً، ثمّ طعنكم على خیار الأئمّة، ونسبتكم شیعة آل محمد’ إلى الكفر والضلال، ثمّ استدعاؤكم المسلمین إلى الدین بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة الّتی لا یشهد بها القرآن، وإنكاركم زیارة قبـور الأئمّة،

 

وتشنیعكم على زوّارها بالابتداع، وأنتم مع ذلك تجتمعون على زیارة قبر رجل من العوامّ لیس بذی شرف ولا نسب ولا سبب برسول الله’ وتأمرون بزیارته، وتدّعون له معجزات الأنبیاء وكرامات الأولیاء، فلعن الله شیطاناً زیّن لكم هذه المنكرات، وما أغواه!».([3])

والنموذج الجدید أفاعیل الوهّابیة والفتن الّتی أثارتها بریطانیا (الانکلیس) فی الحرمین الشریفین بید عملائها من آل سعود فی الإسلام فیها بخسارات عظیمة لعلّك لم تجد مثیلها فی تاریخ الإسلام وبعد بریطانیا جاء دور أمریكا والصهاینة فی التلاعب بالنظام السعودی، فجعلته تحت رعایتها وحضانتها فذهبت بثروات المسلمین الاقتصادیة والمادیّة والمعنویة.

اجتمعوا، وكونوا صفّاً واحداً، واسماً على مسمّىً، رابطةً بین المسلمین والعلماء الصالحین المصلحین وأصحاب الغیرة على النوامیس الإسلامیة، لا مع الحكومات وعملائهم، فإنّ أكثرهم كما تعلمون یهابون الوحدة الإسلامیة ویخشونها، إیماناً منهم بأنّ وحدة الاُمّة الإسلامیة تزیل سلطانهم وتزعزع أركان حكوماتهم، وتدكّ صروحهم، فترى بعض الحكومات فی المجتمعات السنّیة، تحارب فكرة الوحدة

 

السیاسیة والإقلیمیة، ولا تسمح لأحد أن یعمل لها أو یدعو إلیها.

فكّروا كیف ینبغی أن تعملوا لإعادة مجد الإسلام، وإعادة سلطان أحكام الله فی الدول الإسلامیة وفی مجتمعاتها؟ وكیف ینبغی أن نعمل لتحقیق الوحدة الإسلامیة ...؟ لا تبادروا إلى نشـر مقالات ورسائل مثل اسمعی یا إیران والخطوط العریضة، ولا تعاتبوا محبّی أهل البیت^ من الشیعة والسنّة، ومن یأخذ بمذهبهم فی الاُصول والفروع، ویرى أئمّتهم أعدال الكتاب بمقتضـى «حدیث الثقلین» المسلّم به بین الفریقین، وأحادیث كثیرة اُخرى، ولا تتَّهموهم بالغلوّ فیهم، ولا تقولوا: إنّ الشیعة جعلت الإمامة ـ العیاذ بالله ـ مشاركةً للنبوّة، فإنّ الشیعة بریئون من هذه التهم، وبعیدون عمّا تقذفونهم به، ولیس حبّهم لأهل البیت^ إلّا مظهراً من مظاهر حبّهم واحترامهم للنبیّ الأعظم’؛ فإنّه’ أمر بحبّهم ورغّب فیه ترغیبات أكیدة، تشهد بذلك روایات متواترة، أخرجها الحفّاظ وأرباب الجوامع والصحاح والمسانید فی كتبهم، ولا یلوم الشیعة على ذلك إلّا مَن فی قلبه مرض أو نفاق ...

الشیعیّ متأثّر بحبّ علیّ وفاطمة والحسنین وسائر الأئمّة^؛ لأنّ النبیّ’ كان یحبّهم، ویأمر بحبّهم، وكانوا أحبّ الناس إلیه
وأعزّهم علیه.

 

هُمُ العُروةُ الْوُثْقْىَ لِمُعْتَصِمٍ بِهاَ
مَنَاقِبُ فی شُورَى وَسُورَةِ هَلْ أَتَى
وَهُمْ آلُ بَیْتِ الْـمُصْطَفَى وَوِدَادُهُمْ

 

 

مَنَاقِبُهمْ جَاءَتْ بِوَحْیٍ وَإِنْزَالٍ
وَفِی سُورَةِ الْأَحْزَابِ یَعْرِفُهَا التَّالِی
عَلَى النَّاسِ مَفْروُضٌ بِحُكْمٍ وَإِسْجَالِ
([4])

 

فماذا تنقمون من الشیعة فی ذلك؟ ولماذا تؤاخذونهم على ما هو من علائم الإیمان وطهارة المولد؟

 

 

 

([1]) الكهف، 110؛ الأنبیاء، 108؛ فصّلت، 6.

([2]) الكهف، 110.

([3]) ابن الأثیر الجزری، الكامل فی التاریخ، ج8، ص308.

([4]) ابن طلحة الشافعی، مطالب السؤول، ص41؛ ابن الصبّاغ المالکی، الفصول المهمّة، ج1، ص161؛ الأمینی، الغدیر، ج3، ص109؛ ج5، ص416؛ المرعشـی النجفی، شرح إحقاق الحقّ، ج9، ص699.

موضوع: 
نويسنده: