سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

الأمر الخامس
النبیّ والاجتهاد

 

تقدّم أنّ الكاتب قال: إنّ أحكام الرسول| فی مثل هذه الاُمور الجزئیة.... إلى آخره، وهذا التصریح منه بأنّ النبیّ| كان فیما یأمر به وینهى عنه یعمل بالاجتهاد، وعلیه: یجوز وقوعه فی الخطأ كسائر المجتهدین، والمسألة خلافیة.

والّذی نذهب إلیه ونؤمن به تنزیه النبیّ| عن الخطأ فی الشـرعیات فیما هو فیه اُسوة للاُمّة وغیرها، وهذا واضح للمتدبّر بأدنى تدبّر وتأمّل؛ لأنّه إذا كانت سیرة الرسول وسنّته القولیة والفعلیة من مصادر اجتهاد المجتهدین وتفسیر الكتاب وبیان مراداته، وإذا کان هو العالم الأوّل بخصوصه وعمومه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومفاهیم ألفاظه ومعانیها الحقیقیة والمجازیة، وكان هو العالم ـ بتعلیم الله‏ ووحیه ـ بموضوعات أحكام الله‏ تعالى الکلّیة وتفاصیلها، ففی ماذا یجتهد وهو العارف بکلّ ذلك؟

 

ولو لم یكن عالماً بجمیع تفاصیل الأحكام بتعلیم الله‏ ووحیه یبقى الدین ناقصاً فاقداً للمصادر الكافیة لاستنباط جمیع الأحكام منها.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّه یجتهد عند اشتباه الموضوع بغیره مع أنّه مبیّن للمفهوم عنده، ولكن هذا غیر الاجتهاد المصطلح الّذی یقوم به الفقهاء والمجتهدون، وهو خارج عمّا نحن فیه، فالناس کلّهم یجتهدون فی تشخیص موضوع الحكم عند اشتباهه بغیره، مثل اشتباه مائع بأنّه دم أو ماء، مع أنّ مفهوم الدم الّذی هو موضوع الحرمة مبیّن لا سترة علیه، فتارة یقعون فی الخطأ واُخرى یصیبون الواقع، ولكنّه لیس من اجتهاد الفقیه المصطلح بشیء.

مضافاً إلی أنّ شأن النبیّ| أنبل وأجلّ من ذلك، فهو مصون عن ذلك الخطأ وغیره من الأخطاء، بل ربّما یحطّ مثل هذا الخطأ مع كونه فی الموضوع وتطبیقه الخارجی من كرامته|، وشخصیته‏ الرسولیة| أكثر من ‏خطئه فی تبلیغ أصل بعض الأحكام، فهو مصون عنه، وهو المؤیّد من عند الله‏ تعالى المحفوظ من الخطأ والزلل.

وبالجملة: المجتهد هو الّذی یفحص عن أدلّة الأحكام فی الكتاب والسنّة ویفتی بما ظفر به من الأدلّة بعد النظر فی عامّها وخاصّها و.... وتارةً لا یظفر بالدلیل الخاصّ مع وجوده فیفتی بعموم العامّ، أو یظفر

 

بسببٍ آخر. أمّا النبیّ| فهو العالم بالأحكام سواء کانت جزئیة أم کلّیة، فإطلاق المجتهد على النبیّ دون شأنه الجلیل، وكذا أهل بیته الّذین هم عِدْل القرآن، فهم معصومون عن الخطأ لأنّهم والقرآن لن یفترقا؛ ولأنّ التمسّك بهم أمان من الضلال، وهم سفینة النجاة، كما وردت بذلك صحاح الفریقین.

نعم لا بأس بأن یقال: إنّ النبیّ| بعدما نزلت علیه الأحكام الکلّیة کان یبیّن جزئیّاتها وتفاصیل ما أوحى الله‏ إلیه، إلّا أنّه فی هذا أیضاً مصون عن الخطأ والاشتباه، وإن قلنا: إنّ إخباره عن هذه الجزئیات بالخصوص لیس ممّا نزل به جبرئیل على قلبه الطاهر الأقدس، بل هو بیان لجزئیاته أو مصادیقه ولكنّه فی  کلّ ذلك تحت رعایة الله‏ الخاصّة، لا یخطئ ولا یقول إلّا بوحی من الله‏ تعالى: ﴿وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَى﴾.([1])

هذا ولا یخفى علیك أنّ الدلیل على أنّه لا یخطئ فی موضوعات الأحكام الّتی  تشتبه على غیره هو عین الدلیل على عصمته وعدم خطئه فی أصل الأحكام.

 

 

 

 

([1]) النجم، 3 ـ 4.

موضوع: 
نويسنده: