شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

اعتبار الإذن فى أخذ الغنائم

مسألة 1: إذا كان الغزو بغیر إذن الإمام× فالغنیمة للإمام× على المشهور،([1]) بل لعلّ الإجماع([2]) قائم علیه، وللروایة المرسلة المنجبرة بعمل الأصحاب.

وهی ما رواه الشیخ بإسناده، عن محمد بن الحسین الصفّار،([3]) عن الحسن بن أحمد بن یسار (بشار)،([4]) عن یعقوب،([5]) عن العبّاس الورّاق،([6]) عن رجل سمّاه، عن أبی عبد الله× قال: «إذا غزا قوم بغیر إذن الإمام فغنموا كانت الغنیمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس».([7])

 

ودلالتها على أنّ القوم إذا غزوا بغیر أمر الإمام كانت الغنیمة كلها للإمام ظاهرة.

وصحیح معاویة بن وهب قال: قلت لأبی عبد الله×: السریة یبعثها الإمام فیصیبون غنائم كیف یقسّم؟ قال: «إن قاتلوا علیها مع أمیر أمّره الإمام علیهم، أُخرج منها الخمس لله ولرسوله وقسم بینهم ثلاثة (أربعة) أخماس، وإن لم یكونوا قاتلوا علیها المشركین كان كلّ ما غنموا للإمام یجعله حیث أحبّ».([8])

حیث إنّ مفهوم الشرطیة الأوّلی الدالة علی أنهّم إن قاتلوا مع أمیر أمّره الإمام یخرج من الغنیمة الخمس، أنّهم إن قاتلوا المشرکین بغیر أمیر من الإمام لا یخرج منها الخمس، وهذا هو المراد من الشرطیة الثانیة، والتقدیر هکذا: وإن لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین مع أمیر من الإمام ـ أی قاتلوا بغیر أمر منه ـ کان ما غنموا للإمام.

ولیس المراد من الثانیة أنّهم إن لم یكونوا قاتلوا أصلا وأصابوا الغنیمة فهی للإمام، فإنّه خارج عن مورد السؤال والجواب، وهو إصابة الغنیمة بالقتال مع الأمیر أو بدونه، لا بالقتال وبدونه.

ثم إنّه ربّما یقال بتعارض صحیح الحلبی، صحیح معاویة بن وهب وخبر الورّاق، وهو ما رواه الشیخ بإسناده عنه، عن أبی عبد الله×: فی الرجل من أصحابنا یكون فی أوانهم (لوائهم، دیوانهم) فیكون معهم فیصیب غنیمة؟ قال:

 

«یؤدّی خمسنا (خمسها) ویطیب له».([9])

ولكن یمكن أن یقال أوّلاً: إنّ الاستدلال به موقوف على كون لفظ الحدیث (خمسنا)، وأمّا إذا كان (خمسها) فیدلّ على إذن الإمام بتصـرفه فیما زاد على الخمس، وقوله×: «ویطیب له» لا یخلو من الإشعار بذلك.

وثانیاً: على كون لفظه الآخر (فی لوائهم)، وأمّا إذا كان ـ كما فی بعض النسخ ـ (أوانهم أو دیوانهم) فیمكن أن یكون المراد من الغنیمة سائر الغنائم الّتی فیها الخمس.

وثالثاً: بناءً على كون لفظ الحدیث (خمسنا) و(فی لوائهم) فلعلّ ذلك لأنهم: أذنوا لشیعتهم الغزو فی لوائهم مع الكفّار جهاداً ودفاعاً.([10]) ولعلّ بعض ذلك كان السبب لعدم أخذ الأصحاب بهذه الصحیحة.

وكیف كان فالظاهر أنّه على فرض التعارض بینه وبین خبر الورّاق وصحیح معاویة بن وهب الترجیح مع خبر الورّاق الّذی قال ابن البرّاج فیه: علیه عمل الأصحاب.([11])

ثم إنّه قد فصّل فی العروة فی حكم الغزو بغیر إذن الإمام بین زمان الحضور

 

وإمكان الاستئذان منه×، وزمن الغیبة، فقال فی الأوّل تكون الغنیمة للإمام×، وفی الثانی قال: الأحوط إخراج خمسها من حیث الغنیمة، خصوصاً إذا كان الدعاء للإسلام.([12])

ووجه التفصیل: إطلاق الغنیمة فی الآیة الكریمة والأخبار، وعدم إثبات تقییده إلّا بما إذا كان الغزو فی عصر الحضور وأمكن الاستئذان([13]) وأمّا إذا كان فی عصر الغیبة وعدم إمكان الاستئذان فإطلاق الآیة الكریمة والأخبار یشمل الغنیمة بمعناها العامّ. وعلیه فالصحیح وجوب الخمس لا الاحتیاط، ولعلّه لاحتمال كونها غنیمة بمعناها الأخصّ، خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام.

وعلیه یختصّ خبر الورّاق بكونها للإمام إذا لم یكن الغزو بإذنه بزمان الحضور، وهذا ما أفاده المحقّق القمّی، فقد قال فی الغنائم: ویمكن أن تخصّ روایة المشهور بزمان إمكان حصول الإذن، كما هو المتبادر من اللفظ، وعلى سبیل الجهاد والدعوة إلى الإسلام، فأمّا فی حال الغیبة أو الغزو لمجرّد النهب وجمع المال فیكون من باب سائر الفوائد والأرباح، لا من باب غنائم دار الحرب، ولا من باب الأنفال.([14])

ونضیف على ما أفاده: أنّ الظاهر من تعلیق الحكم بإذن الإمام وبغیر إذنه إمكان الاستئذان منه. وبعبارة اُخرى: معنى قوله: إذا غزا قوم بغیر إذن الإمام

 

الّذی یمكن تحصیله بالاستئذان منه وكان علیهم الاستئذان منه، فیتّجه ما أفاده المحقق القمی+، فالغنیمة المكتسبة بالغزو فی عصر الغیبة حكمها حكم سائر الفوائد، ویدخل تحت عموم مثل: فی كل فائدة الخمس.

فإن قلت: لماذا لا تدخل تحت الغنیمة المشار إلیها فی الآیة؟

قلت: الغنیمة فی الآیة تعمّ مطلق الفائدة، وبه تشمل ما یغتنمه الشخص فی عصر الغیبة من أموال الكفار، كما تشمل غنائم دار الحرب إذا كانت الحرب مع الكفار بإذنه، وأمّا إذا لم یكن بإذنه فإنّه للإمام×، وإطلاق الغنیمة بالنسبة إلیه مقیّد بمثل خبر الورّاق.

وبالجملة: فالآیة وإن تشمل بالإطلاق ما یغتنمه المقاتل مع الكفار فی عصر الغیبة إلّا أنّه لا یجری علیه حكم الغنیمة المأخوذة منهم فی عصر الحضور، ومثل روایة الورّاق مختصّة لبیان حكمها فی عصر الحضور، وعلى هذا لو لم یكن هنا إجماع أو شهرة على كون حكم الغنیمة فی عصر الغیبة مثل حكم عصر الحضور فالأظهر كون حكمها حكم سائر الفوائد، وإن كان الأحوط إخراج خمسها بعنوان الغنیمة بمعناها الأخصّ، كما اختاره صاحب العروة،([15]) والله هو العالم.

 

([1]) ادّعى الشهرة فی مسالك الأفهام، ج1، ص474؛ والروضة البهیّة، ج2، ص85؛ وریاض المسائل، ج1، ص298؛ ومستند الشیعة، ج10، ص160.

([2]) ادّعى الإجماع فی الخلاف، ج4، ص190، كتاب الفیء، المسألة 16؛ ج5، ص518، كتاب السیر، المسألة 3؛ غنائم الأیام، ج4، ص283.

([3]) الملّقب (مهوله)، قمّی له كتب، موثوق من الطبقة الثامنة.

([4]) وهو مجهول، وكأنّه من السابعة.

([5]) إنّه مشترك، وكأنّه من السادسة.

([6]) إبن موسى أبو الفضل، ثقة له، كتاب من الخامسة.

([7]) تهذیب الأحکام، ج4، ص135؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح16، ج6، ص369.

([8]) الکافی، ج5، ص43 ـ 44؛ وسائل الشیعة، أبواب الأنفال، ب1، ح3، ج6، ص365.

([9]) تفسیر العیاشی، ج2، ص64؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص124؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب2، ج6، ص340، ح8؛ مستدرﻙ الوسائل، ج7، ص281.

([10]) وهناك وجوه اُخر للحمل، انظرها فی مستند الشیعة للنراقی، ج10، ص16، 162؛ وجواهر الکلام، ج16، ص127.

([11]) المهذّب البارع، ج1، ص568؛ وقال به أیضاً القمی فی غنائم الأیام، ج4، ص285؛ والنراقی فی مستند الشیعة، ج10، ص160.

([12]) العروة الوثقى، ج4 ، ص231 ـ 232.

([13]) مثل ما تقدم فی مرسلة الورّاق وصحیحة معاویة بن وهب.

([14]) غنائم الأیام، ج4، ص285.

([15]) العروة الوثقی، ج4، ص231.

موضوع: 
نويسنده: