جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

أقسام الكنز

مسألة 11: قد عرفت أنّ الخمس إنّما یجب فی كنز لولا تعلّق الخمس به یكون كلّه ملكاً لواجده، إلّا أنّه قد ذكروا هنا استطراداً تفاصیل ما یكون منه ملكاً للشخص، وما لیس كذلك باعتبار كونه فی دار الحرب أو فی دار الإسلام، ووجود أثر الإسلام علیه وعدمه. فنذكر مقتفین بسیّدنا الاُستاذ+ كلام شیخنا الأجّل الأعظم الطوسی+ فی المبسوط، قال فی فصل ذكر ما یجب فیه الخمس:

«و یجب أیضاً فی الكنوز الّتی توجد فی دار الحرب من الذهب والفضّة والدراهم والدنانیر، سواء كان علیه أثر الإسلام، أو لم یكن علیها أثر الإسلام. فأمّا الكنوز الّتی توجد فی بلاد الإسلام فإن وجدت فی ملك الإنسان وجب أن یعرِّف أهله، فإن عرفه كان له، وإن لم یعرفه، أو وجدت فی أرض لا مالك لها،

 

فهی على ضربین: فإن كان علیها أثر الإسلام مثل أن یكون علیها سكّة الإسلام فهی بمنزلة اللقطة سواء، وسنذكر حكمها فی كتاب اللقطة. وإن لم یكن علیها أثر الإسلام، أو كانت علیها أثر الجاهلیّة من الصور المجسّمة وغیر ذلك فإنّه یخرج منها الخمس، وكان الباقی لمن وجدها».([1])

والمستفاد من كلامه فروع:

الأوّل: اختصاص وجوب الخمس فی الكنز بكنوز الذهب والفضّة والدراهم والدنانیر، وقد عرفت الكلام فیه.

الثانی: أنّ ما یوجد فی دار الحرب فهو لواجده وفیه الخمس، سواء كان علیه أثر الإسلام([1]) أو لم یكن علیه أثر الإسلام. وإطلاقه یشمله وإن كان ملكاً لشخص خاصٍّ غیر محترم المال. وهذا أیضاً ثابت بإطلاق الروایات، وعلیه الإجماع.([2])

الثالث: أنّ ما یوجد فی بلاد الإسلام: إن وجد فی ملك شخص وجب علیه أن یعرِّف أهله، فإن عرفه ـ أی عرف أهله ما وجد ـ فهو له، وإن لم یعرفه أو

 

وجد فی أرض لا مالك لها: فإن كان علیه أثر الإسلام مثل أن یكون علیه سكّة الإسلام فهی بمنزلة اللقطة([3]) وإن لم یكن علیه أثر الإسلام، أو كان علیه أثر الجاهلیة من الصور المجسّمة وغیر ذلك فیجب فیه إخراج خمسه والباقی لواجده. وتفصیل ذلك: أنّه یتفرّع على ما إذا وجد الكنز فی دار الإسلام فروع:

الأوّل: أنّه إذا لم یكن علیه أثر الإسلام، أو كان علیه أثر الجاهلیة ولم یكن فی ملك شخص، كما إذا كان فی أراضی الموات ففیه یجب إخراج خمسه، والباقی لواجده.([4])

 

الثانی: إذا وجد ما لیس علیه أثر الإسلام فی ملك شخص، ولا یحتمل كونه له أو لمسلم قبله، فهذا والأوّل فی الحكم سواء.

الثالث: إن وجد ما لیس علیه أثر الإسلام فی ملك شخصٍ معلومٍ واحتمل كونه له وهو ادّعى كونه منه فهو له، لأنّه كان تحت یده، ولأنّ أدلّة الكنز منصرفة عن مثل هذه الصورة.

الرابع: إذا علم أنّ الكنز ملك لمالكٍ مجهولٍ، فهو محكوم بحكم مجهول المالك.

الخامس: إذا علم أنّه كان ملكاً لشخص فی السابق، ولكن شكّ فی وجود المالك له فعلاً لاحتمال انقراض ورثته، فالظاهر أنّه تشمله أدلّة الكنز، فیؤدّی خمسه ویتملّك الباقی.

السادس: ما وجد فی دار الإسلام وعلیه أثر الإسلام فإذا علم بشهادة الحال انقراض أهله، فالظاهر أنّه أیضاً من الكنز الّذی هو لواجده وفیه الخمس. وكذا إذا كان الحال مشكوكاً فیه لا یعلم له مالك بالفعل فلا  یجری علیه حكم اللقطة ولا مجهول المالك. وأمّا إن وجد فی ملك شخص واحتمل كونه له یعرفه فإن عرفه فهو له.

ویمكن أن یقال: تملّك الكنوز والمعادن كان ممّا جرت علیه سیرة العرف والناس خلفاً عن سلف، وكان من وجوه كسب المنافع والمعائش ولم یردع عنه الشارع، بل أمضاه بجعل الخمس علیه فیحكم بملكیّته لواجده.

 

نعم، إذا كان الكنز فی ملك شخص یحتمل كونه له، لا یجوز لواجده تملّكه قبل أن یعرفه. وكذا إن كان له مالك معلوم أو مجهول، ففی ذلك أیضاً لم تستقرّ سیرة العرف على تملّكه. والله هو العالم.

ثمّ إنّ هنا روایاتٍ ذكروها فی طیّ البحث نذكرها لننظر ما یُستفاد منها.

فمنها: موثّق محمد بن قیس،([5]) عن أبی جعفر× قال: «قضـى علیّ× فی رجل وجد ورقاً فی خربة أن یعرّفها، فإن وجد من یعرفها وإلّا تمـتّع بها».([6])

وهل المراد منه اللقطة أو الكنز؟ ظاهر البعض([7]) الأوّل، والآخر الثانی، وربما یقال بدلالته على حكم كلٍّ منهما.

وجه القول: بأنّه وارد فی اللقطة، وهو مختار السید الاُستاذ+:

إنّ الظاهر منه أنّ الورق الّتی وجدت فی الخربة كانت على وجه الأرض، لا أنّها كانت مدفونة تحت الأرض حتى تندرج تحت عنوان الكنز المحتاج العثور علیه إلى حفر الأرض والفحص غالباً.

ووجه القول الثانی: أنّ الورق الموجودة فی الخربة إن كانت على ظهر الأرض غیر مدفونة فیها، فلا  یمكن تعریفها إذ لا علامة لها، فهی من نقد البلد الرائج

 

بین الناس من درهم أو دینار، ومثله لا یكون تعریفه، فبقرینة الجواب یعلم أنّ المراد منها الكنز.

ووجه القول الثالث: إطلاق الخبر وشموله لحكم الكنز واللقطة.

فعلى القول الثانی والثالث لا یجوز استملاك ما فی دار الإسلام وعلیه أثر الإسلام من غیر تعریف. والقول الثانی مرجّح على القول الأوّل لما قلنا من عدم إمكان تعریفها إن كانت على وجه الأرض ومن مصادیق اللقطة.

ولكن یمكن أن یقال: یمكن تعریفها بوجوه اُخرى، مثلاً بجنسها، أو بمقدارها، أو غیر ذلك، فالأظهر أنّه وارد فی اللقطة. إذن فلا  حاجة إلى التمّسك بصحیح محمد بن مسلم، عن أبی جعفر× قال: «سألته عن الدار یوجد فیها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فیها أهلها فهی لهم، وإن كانت خربةً قد جلا عنها أهلها فالّذی وجد المال فهو أحقّ به».([8]) لتقیید موثّق ابن قیس بصورة عدم جلاء أهلها؛ لتوجیه حمله على الكنز، وأنّ وجوب التعریف فیه مختصّ بصورة عدم جلائهم، ولازم ذلك التقیید حمل الصحیح أیضاً على الكنز. وهكذا صحیحه الآخر، عن أحدهما فی حدیث قال: «وسألته عن الورق یوجد فی دار؟ فقال: إن كانت الدار معمورةً فهی لأهلها، وإن كانت خربةً فأنت أحقّ بما وجدت».([9])

 

هذا مضافاً إلى أنّ تقیید الموثّق بالصحیح ـ على القول بوروده فی الكنز ـ أیضاً یتوقّف على ورود الصحیح فیه، وإلّا فلا  وجه لتقییده بالصحیح كما لا یخفى، ودعوى ورود الصحیح أیضاً فی الكنز أوّل الكلام بل خلاف الظاهر، فالأظهر ما بنى علیه السید الاُستاذ ـ أعلى الله درجته ـ فتدّبر جیدا. والله هو العالم.

 

([1]) والمراد من أثر الإسلام أن تكون علیه آیة من قرآن أو اسم النبی| أو أحد ولاة الإسلام أو غیر ذلك من علامة الإسلام.

([2]) غنیة النزوع، ج1، ص129 ـ 130؛ وغنائم الأیّام، ج4، ص299؛ ومجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص303.

([3]) ذهبوا إلیه فی الكتب التالیه: المهذّب، باب الخمس وأحكامه، ج1، ص178؛ والمبسوط، ج1، ص236؛ والشافعی كما فی المجموع، ج6، ص98؛ وفتح العزیز، ج6، ص105؛ وشرائع الإسلام، بدایة كتاب الخمس؛ والجامع للشرائع، كتاب الزكاة، باب الخمس، ص149؛ ومختلف الشیعة، ج3، ص321؛ وقواعد الأحکام، ج1، ص362؛ والبیان، الشرط الثانی فی الكنوز، ص215؛ ومسالك الأفهام، ج1، ص463؛ومدارك الأحکام، ج5، ص374، نسب فیه إلى أكثر المتأخرین؛ والحدائق الناضرة، ج12، ص334؛ والتنقیح الرائع، ج1، ص337 ـ 338.

وقالوا فی غیرها: إنّه ملك لواجده وعلیه الخمس، كما فی الخلاف، ج2، ص122؛ والسـرائر، كتاب الزكاة، ج1، ص487؛ والمؤتلف من المختلف، ج1، ص306، مسألة 120؛ وجواهر الکلام، ج16، ص28 ـ 29. واستدلّ فی الخلاف، ج2، ص122، مسألة 149؛ بعموم ظاهر القرآن والأخبار الواردة فی هذا المعنى، وأنّ تخصیصها یحتاج إلى دلیل. والظاهر أنّ المحقّق فی كتاب اللقطة یوافق قول الشیخ فی الخلاف، فراجع شرائع الإسلام، كتاب اللقطة، ج3، ص293.

([4]) ادّعى علیه الإجماع فی غنیة النزوع، ص129 ـ 130؛ وغنائم الأیّام، ج4، ص299؛ وعدم الخلاف فی الحدائق الناضرة، ج12، ص233 ـ 334؛ وقال به فی المهذب، ج1، ص178، باب الخمس واحکامه؛ والمؤتلف من المختلف، ج1، ص306، مسألة 119؛ والبیان، الشـرط الثانی فی الكنوز، ص215.

([5]) من الرابعة، وهو صاحب كتاب قضایا أمیر المؤمنین×، روى عن الباقرین ÷، والظاهر أنّه صحیح المذهب وإن كان مختصّاً بعمر بن عبد العزیز ثم یزید بن عبد الملك وكان أحدهما أنفذه إلى بلاد الروم فی فداء المسلمین، وعلى أیّ حالٍ فهو ثقة.

([6]) تهذیب الأحکام، ج6، ص398؛ وسائل الشیعة، کتاب اللقطه، ب5، ح 5، ج17، ص355.

([7]) انظر الاستدال به فی غنائم الأیّام، ج4، ص229؛ومدارك الأحکام، ج5، ص371؛ والحدائق الناضرة، ج12، ص336؛ ومصباح الفقیه، ج 14، ص58.

([8]) الکافی، ج5، ص138؛ تهذیب الأحکام، ج6، ص390؛ وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب5، ح1، ج17، ص354.

([9]) تهذیب الأحکام، ج6، ص390؛ وسائل الشیعة، كتاب اللقطة، ب 5، ح2، ج17، ص354 ـ 355.

 

([1]) المبسوط، كتاب الزكاة، فصل فی ذكر ما یجب فیه الخمس، ج1، ص236.

انظر أیضاً الخلاف، ج2، ص122، مسألة، 148و149؛ والمهذّب، باب الخمس وأحكامه، باب فی ذكر ما یجب الخمس فیه، ج1، ص177 ـ 178.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: