پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

إزالة وهم

ربّما یوهم الإشكال المتداول على ألسُن بعض الناس من عدم معهودیة أخذه فی عصر النبوّة، ولا فی عـصر سیّدنا أمیر المؤمنین×، ولم ینقل التاریخ عن النبی| ولا عن أمیر المؤمنین× أنّهما بعثا لجمع هذا الخمس أحداً كما كانا یبعثان لأخذ الزكاة. ویؤیّد هذا الوهم: ما نرى أنّ فی آیة الزكاة جعل سهماً خاصّاً للعاملین علیها، ولم یذكر ذلك فی آیة الخمس.

ویدفع هذا الوهم: قلّة هذه المنافع والفوائد فی تلك الأزمنة، وعدم كونها ممّا ابتُلی به الناس. مضافاً إلى أنّه لم یحفظ التاریخ جمیع هذه الاُمور. وفی عصر النبوّة كان إجراء الأحكام على سبیل التدریج لأجل كمال النفوس للقبول. هذا وقد ضعف التزام الناس بالأحكام بواسطة تغییر المسیر ووقوع الأمر فی یدِ غیر أهله، حتى آل الأمر إلى أنّهم لم یبقوا على ما كان فی عهد رسول الله|، ولم یحفظوا حتى الصلاة فغیّروها، وذلك مذكور ثابت فی كتب القوم. وأمّا أمیر المؤمنین× فهو الّذی قال: «لو قد استوت قدمای من هذه المداحض لغیّرت أشیاء».([1]) یرید× أنّه لو استكنّت الفتن الّتی أثارها الناكثون والقاسطون والمارقون لجعلتُ الناس فی الصراط السویّ.

 

هذا، وقد قیل فی الجواب عن هذه الشبهة:

أنّه فرق بین التشریع والتبلیغ، فالتشریع الّذی هو مختصّ بالنبی| یحصل بإبلاغه إلى الوصیّ وكتابه عنه. وأمّا إجراؤه وتبلیغه فیمكن أن یكون محوّلاً إلى الوصیّ، وأن یبلغه فی زمان خاصّ، فتأخّر تبلیغ بعض الأحكام إلى عصرالصادقین÷، كما ربّما یقال بتأخّر تبلیغ بعضها الآخر إلى عصـر خاتم الأولیاء ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فهو الّذی یحیی ما أماتوه من السنّة، ویمیت ویبطل ما أحدثوه من البدعة. قال أمیر المؤمنین×: «یعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ویعطف الرأی على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأی».([2])

مسألة 50: مَؤونة تحصیل الربح والفائدة مستثناة، وإلّا ربّما یلزم من عدم استثنائها أن یكون ما لصاحب الخمس من حاصل التجارة أو الصناعة أكثر ممّا یكون للتاجر والزارع. وبعبارة اُخرى: المتبادر من وجوب الخمس فی المقام تعلّقه بما یحصل للشخص بعد مؤونة تحصیله.

ویدلّ علیه: ما رواه الشیخ من كتاب سعد بن عبد الله، عن أبی جعفر (هو أحمد بن محمد بن عیسى)، عن علیّ بن مهزیار، عن محمد بن الحسن الأشعری قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبی جعفر الثانی×: أخبرنی عن الخمس أ على

 

جمیع ما یستفید الرجل من قلیل أو كثیر من جمیع الضـروب وعلى الصنّاع؟ وكیف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة».([3])

بناءً على أنّ المراد من السؤال: أنّ الخمس هل یكون على جمیع ما یحصل للرجل من تجارته مثلا أو زراعته فیبدأ بالخمس قبل إخراج مؤونته أو بعده؟ أو أنّ السائل سأل الإمام× عن متعلّق الخمس: هل هو كلّ ما یستفیده، أو بعض أنواعه؟ فجاء الجواب بأنّ الخمس بعد المؤونة أی على الجمیع، إلّا أنّه بعد المؤونة.

واحتمال أن یكون السؤال عن المقدار بعید. وكیف كان فهو یدلّ على استثناء المؤونة.

وأمّا الخدشة فی سنده بأنّ الأشعری المعروف بـ«شنبولة» لم یوثّق، فلا  یعتنى به بعد ما اعتمد علیه بعض الأكابر، كأبی جعفر أحمد بن محمد بن عیسى، وعلى بن سیف، وحسین بن سعید وغیرهم، فالحدیث حجّة یعتمد علیه، ولا یردّ مثله بمجرّد الاصطلاح الّذی لم یقررّه العرف والشرع.

ویدلّ علیه بالمنطوق أو الفحوى: صحیح ابن أبی نصر البزنطی، قال: «كتبت إلى أبی جعفر×  الخمس اُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب: بعد المؤونة».([4])

 

فإن كان المراد من المؤونة فیه مؤونة الاكتساب فیدلّ بالمنطوق، وإن كان المراد مؤونة السنة فیدلّ على استثناء مؤونة الاكتساب بالفحوى.

وكیف كان فالمسألة ظاهرة، فالأوّلى صرف عنان الكلام إلى تحقیق ما هو الموضوع هنا للخمس ومتعلّقه.

 

([1]) نهج البلاغة، ، حکمة 272 (ج4، ص66)؛ وبحار الأنوار، ج34 ، ص180، ح979.

([2]) نهج البلاغة ، خطبة 138 (ج2، ص21)؛ وبحار الأنوار، ج31 ، ص549، ح51؛ ج51 ، ص130، ح25.

([3]) تهذیب الأحکام، ج4، ص123؛ الاستبصار، ج2، ص55؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 8، ح 1، ج6، ص348.

([4]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب12، ح1، ج6، ص354.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: