پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

المراد من الملكیّة لله وللرسول وللإمام×

ثم إنّ الظاهر أنّ ملكیّته لله وللرسول| وللإمام× هنا ملكیّة اعتباریة تقبل الانتقال من مالكه إلى غیره. وینبغی التنبیه هنا بأنّ الملكیة على معنیین:

أحدهما: الملكیّة الحقیقیّة، وهی الّتی تكون قائمة بمالكها لا تنفكّ عنه، ولا تقبل الانتقال إلى الغیر، ولا یجوز اغتصابها من مالكها، بل لا تعزب عن علم مالكها، وهذه ملكیّة السماوات والأرض وجمیع ما سوى الله تعالى لله تعالى، وهی الّتی أخبر عنها فی موارد كثیرة من كتابه الكریم، مثل قوله تعالى:
﴿لِلّٰهِ  مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾،([1]) ونحوها فی العمومیّة والاختصاصیّة بصاحبها ملكیّة حجّة الله وخلیفته الرسول والإمام÷، فهما بوصف كونهما الحجّة والخلیفة یملكان كلّ الأرض بما فیها من الجبال والبحار والأراضی بل والناس ملكیّة عامّة لا تقبل الانتقال عنهم، فهم العلّة الغائیّة للخلق، بل لهم

 

ملكیة الجنّة والنار وإن كانت بالنسبة إلى ملكیّة الله تعالى الّذی هو مالكهم ومالك الجمیع لذاته وبذاته ضعیفة ومتقوّمة به تعالى وبمالكـیّته، نحو مالكیّة كلّ شخص لنفسه وسلطنته علیها الّتی هی متقوّمة بسلطنة الله تعالى على الجمیع، فلا  حول ولا قوّة إلّا بالله.

وأحسن التعابیر عن ملكیّتهم: كلام مولانا أمیر المؤمنین× فی كتاب كتبه إلى معاویة، قال: «فإنّا صنائع ربّنا، والناس بعدُ صنائع لنا».([2])

والمناسب للمقام نقل روایة أخرجها فی الكافی (فی باب: أنّ الأرض كلّها للإمام×) عن علیّ بن إبراهیم، عن السریّ بن الربیع، قال: «لم یكن ابن أبی عمیر یعدل بهشام بن الحكم شیئاً، وكان لا یغب إتیانه، ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك: أنّ أبا مالك الحضرمی كان أحد رجال هشام ووقع بینه وبین ابن أبی عمیر ملاحاة([3]) فی شیء من الإمامة، قال ابن أبی عمیر: الدنیا كلّها للإمام× على جهة الملك، وأنّه أولى بها من الّذین هی فی أیدیهم، وقال أبو مالك: لیس كذلك، أملاك (أموال) لناس لهم إلّا ما حكم الله به للإمام من

 

الفیء والخمس والمغنم فذلك له، وذلك أیضاً قد بیّن الله للإمام أین یضعه وكیف یصنع به، فتراضیا بهشام بن الحكم وصارا إلیه، فحكم هشام لأبی مالك على ابن أبی عمیر، فغضب ابن أبی عمیر وهجر هشاماً بعد ذلك».([4])

وبالجملة: فالملكیة الحقیقیة من الاُمور التكوینیة الحقیقیة الموجودة فی الخارج بنفسها وحقیقتها، مختصّة بالله تعالى لا شریك له فیها، ودونها ملكیة كل فرد لنفسه، وملكیة الإمام العامّة بإذن الله تعالى لما سواه.

 

([1]) المائدة ، 120؛ الشورى، 49.

([2]) نهج البلاغة، كتاب 28. ویظهر من شرح ابن أبی الحدید كون الكلام الشـریف: «والناس بعد صنائع لنا» قال: الصنائع جمع صنیعة، وصنیعة الملك من یصطنعه الملك، ویرفع قدره: یقول: لیس لأحد من البشر علینا نعمة، بل الله تعالی هو الذی أنعم علینا، فلیس بیننا وبینه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بینهم وبین الله تعالى. وهذا مقام جلیل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنّهم عبید الله وأنّ الناس عبیدهم. انتهى. شرح نهج البلاغة، ج15، ص194. ورد هذا التعبیر من مولانا ـ عجل الله تعالى فرجه ـ أیضاً، راجع الاحتجاج للطبرسی، ج2، ص535.

([3]) لاحاه ملاحاة ولحاء: نازعه.

([4]) الكافی، ج1، ص 409 ـ 410، ح 9؛ مستدرك الوسائل، ج7، ص304 ـ 305.

موضوع: 
نويسنده: