جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

ثانیهما: الملكیّة الاعتباریّة البنائیّة

وهی البناء على كون الشیء للشخص وملكاً له وكونه مالكاً له لیترتّب علیه جواز تصرّفاته وبیعه وهبته، وینتقل من هذا إلى ذلك.

والاعتبار والبناء تكون الصدقات للفقراء، والخمس للستّة المذكورة فی الآیة الكریمة،([1]) وهذا الاعتبار یكون فی داخل الملكیة الحقیقیة، وفی عالم القانون والتتشریع دون الملكیّة الحقیقیة، فإنّها تكون فی عالم الواقع ونفس الأمر، فلا  ینافی جعلها للمالك الحقیقی وكونه مالكاً فی عرض غیره.

فیمكن أن یقال: إنّ ما كان مورداً لإثبات هشام بن الحكم هو هذه الملكیة الاعتباریة القانونیة والتشریعیة، ولعلّه لم یرد منه نفی الملكیة الحقیقیة والولائیة الواقعیة، وأنّ ما كان مورداً لإثبات ابن أبی عمیر لهم^ ونفیه عن غیرهم هو

 

هذه الملكیة العامّة المختصة بهم، ولم یُرد هو أیضاً مالكیة الناس التشریعیة، فكأنّه لم یُرد نفیهما وإثباتهما فی مورد واحد، إذن فلا  خلاف فی البین، وبه یرتفع وجه الهجر.

هذا، وقد أفاد نحو ما ذكرناه السیّد الاُستاذ الأعظم+، وقال: لو كنّا فی عصرهما لصالحنا بینهما بالقول بصحّة قول ابن أبی عمیر من حیث الملكیّة الحقیقیة، وصحّة قول هشام من حیث الملكیّة التشریعیّة الاعتباریّة، ولا تمانع بین الصحّتین، فتأمّل.

ثمّ إنّ هنا روایةً لعلّه یُستظهر منها إسقاط ما للرسول| ، وهو المحكیّ عن شاذٍّ من أصحابنا، وإن حكی عن المسالك([2]) أنّ القائل به غیر معروف، جعلها حجّة لما حكی عن ابن الجنید من حذف سهم الله تعالى خلاف ظاهرها بل صریحها، مضافاً إلى أنّ المحكیّ عنه فی المختلف([3]) كما حكى عنه الشیخ الأنصاری([4]) موافقته للمشایخ الثلاثة وباقی علمائنا. والروایة صحیحة اُسندت إلى ربعی بن عبد الله عن أبی عبد الله× قال: «كان رسول الله| إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم یقسّم ما بقی خمسة أخماس ویأخذ خمسه، ثم یقسّم أربعة أخماس بین الناس الّذین قاتلوا علیه، ثم قسّم الخمس الّذی أخذه خمسة أخماس، یأخذ خمس الله عزّ وجلّ لنفسه، ثم یقسّم الأربعة أخماس بین ذوی

 

القربى والیتامى والمساكین وأبناء السبیل، یُعطی كل واحد منهم حقاً، وكذلك الإمام× یأخذ كما أخذ الرسول|».([5])

وأجاب عنه فی المختلف([6]) على ما حكى عنه الشیخ([7]) وعن جماعة ممّن تبعه:([8]) أنّه حكایة فعل، فلعلّه أخذ دون حقّه توفیراً للباقی على باقی المستحقّین.

ثم حكى استبعاده من جماعة، منهم صاحب المدارك([9]) بمنافاة ذلك لقوله× فی ذیل الروایة: «والإمام× یأخذه كما یأخذ الرسول|».

وأجاب الشیخ الأنصاری عن ذلك: بأنّه كذلك إن حملنا الجملة على الوجوب والتعیین، وأمّا إذا حملناها على حكایة فعل الإمام× أیضاً أو على أنّ المراد التسلّط على أخذ صفو المغنم واستحقاق ذلك، فلا  منافاة.([10])

أقول: ظاهر الجملة الوجوب والتعیین، وتأسّی الإمام× بالنبیّ| ، وتأسّیه به فی جمیع ما صنعه.

وكیف كان، استظهار خلاف ما علیه المشهور بل المتّفق علیه من الروایة

 

مشكل، ولم یأخذ منه أحد حتى ابن الجنید. وعلى فرض ظهوره فی خلاف المشهور فهو محمول على التقیّة، لأنّ القول بإسقاط سهم النبیّ| ینسب إلى العامّة، وإن كان فیه: أنّ ما همّ علیه العامّة إسقاط سهم الرسول| بعد ارتحاله إلى الرفیق الأعلى، لا فی حیاته، وعلیه تطرح الروایة قبال سائر الروایات بموافقة غیرها للكتاب ومخالفتها له، والله هو العالم بالصواب.

 

([1]) الأنفال، 41.

([2]) مسالك الأفهام، ج1، ص470.

([3]) مختلف الشیعة، ج3، ص326.

([4]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص288.

([5]) تهذیب الأحکام، ج4، ص128؛ وسائل الشیعة، أبواب قسمة الخمس، ب1، ح3، ج6، ص356.

([6]) مختلف الشیعة، ج3 ، ص326 ـ 327.

([7]) کتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص289.

([8]) منهم المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان، ج4، ص327؛ والمحقق النجفی فی جواهر الکلام، ج16، ص89.

([9]) مدارك الأحکام، ج5، ص397؛ ومنهم ابن فهد الحلی فی المهذب البارع، ج1، ص561؛ والبحرانی فی الحدائق الناضرة، ج12، ص373.

([10]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص289.

موضوع: 
نويسنده: