پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

حكم سهم الإمام× فی زمان الغیبة

مسألة 94: فی حكم حصّة الخمس الّتی هی للإمام× ، ففی الجواهر: «قیل على ما حكاه غیر واحد من أجلّاء الأصحاب: بأنّه (یجب) عزله و(حفظه ثم یوصى به) إلى ثقة (عند ظهور أمارة الموت)، وهكذا حتى یصل إلى صاحب الأمر× روحی لروحه الفداء، إلّا أنّی لم أعرف قائله بالخصوص وإن نسبه بعضهم إلى المفید فی المقنعة».([1])

أقول: بطلان هذا القول كائناً من كان قائله واضح غنیّ عن البیان.

وفی الجواهر بعد كلام طویل فیه قال: على كلّ حالٍ، فهذا القول فی غایة السقوط، وأولى منه بذلك ما حكاه الشیخان والحلّی وغیرهم،([2]) بل أشار إلیه المصنف بقوله: قیل: إنّه یجب أن یدفن تمام الخمس؛([3]) إذ هو مع أنّه مجهول القائل منافٍ للاحتیاط والاعتبار والكتاب والسنّة وفتاوى الأصحاب

 

والاُصول العقلیة والشرعیة، لم نقف على دلیلٍ سوى ما اُرسل([4]) من ظهور الكنوز عند قیام القائم× ، وهو مع أنّه لیس بحجة فی نفسه فضلا عن أن یعارض تلك الحجّج، بل أقصاه ظهور الكنوز الّتی تصادف قیامه×، وإلّا فقد تتلف أو تُلتقط قبل ذلك، ولا دلالة فیه على الإذن بذلك فضلاً عن الأمر به...إلى آخره.([5])

أقول: إن كان مراده من قوله: «سوى ما اُرسل» أنّ الأخبار فی ذلك من المرسلات ففیه منع ذلك، لأنّ فیها الأخبار السنیدة بحیث إنّ الناظر فی هذا الأخبار یقطع بصدق مضمونها.

وفی نهج البلاغة قال× فی وصف مولانا المهدیّ×: «یعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ویعطف الرأی على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأی»... إلى أن قال: «وتُخرج له الأرض من أفالیذ كبدها، وتُلقی إلیه سلماً مقالیدها».([6])

 

فمثل هذه الأخبار حجّة فی نفسها لا ریب فی مضمونها، غیر أنّ الاستناد إلیه لقول هذا القائل المجهول ساقط وفی غیر محلّه.

والقول الآخر فی المسألة: ما قیل من أنّه یصرف النصف إلى مستحقّیه، ویحفظ ما یختصّ به× بالوصایة أو الدفن.

قال فی الجواهر: «هو جیّد جدّاً بالنسبة للشقّ الأوّل منه، موافق للمشهور بین الأصحاب قدیماً وحدیثاً وتحصیلاً إن لم یكن المجمع علیه، ولـلاُصول والكتاب والسنّة... إلى أن قال: ـ وأمّا الشقّ الثانی منه فهو وإن كان مال إلیه فی المقنعة واختاره فی النهایة؛ لما سمعته فی وجهَی القولین السابقین لكن فی الدفن الّذی هو أحد فردَی التخییر منه ما عرفت، ومن هذا اقتصر فی السرائر بعد اختیاره له على الفرد الأوّل منه، مصرّحاً بعدم جواز الثانی، كالمحكیّ من عبارة ابن البرّاج وأبی الصلاح، بل فی السرائر: أنّ هذا القول هو الّذی یقتضیه الدین واُصول المذهب وأدلة العقول وأدلّة الفقه وأدلّة الاحتیاط، وإلیه یذهب وعلیه یُعوِّل جمیع محقِّقی أصحابنا المصنّفین المحصّلین الباحثین عن مآخذ الشـریعة وجهابذة الأدلّة ونُقّاد الآثار بغیر خلاف بینهم».([7])

وناقش فی كلّ ذلك صاحب الجواهر([8]) بما لا نطوِّل الكلام بذكره، ونقول: كأنّهم لم تصل إلیهم ما ورد عن ساداتنا الأئمّة^ وعن النبیّ| فی طول زمان

 

الغیبة، أو یرون طول هذا الزمان على مقیاس یمكن به إیصال الأموال إلیه بوصیّة الآباء إلى الأبناء، وإلّا فهذا أمر سماویّ وسرّ كبیر من أسرار الله تعالى، كما یحتمل وقوعه فی زمان قریب ـ ونحن ندعو الله لیلا ونهاراً بأن یجعله الأقرب فالأقرب ویعجل فرجه ـ یمكن (والعیاذ بالله منه) أن یؤخِّر إلى اُلوف واُلوف والعشرات والمئات من الاُلوف من السنین، فقد قال أمیر المؤمنین×: «ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء».([9])

والمقطوع به الّذی نؤمن به ولا یشكّ فیه المؤمن بالله ورسوله: أنّ أمر الظهور یقع یقیناً، كما أنّ الساعة تقع كذلك لا ریب فیهما، إذن فلا  ریب فی بطلان هذا الوجه، وأنّه لا یمكن عادةً إیصال السهم المبارك× بحفظه بالوصایة.

قال فی الجواهر: «ومن هنا قیل: لا یوصى به ولا یدفن، بل یجب أن تُصـرف حصّته× إلى الأصناف الموجودین أیضاً؛ لأنّ علیه الإتمام عند عدم الكفایة، وكما یجب ذلك مع وجوده (حضوره) فهو واجب علیه عند غیبته؛ لأنّ الحقّ الواجب لا یسقط بغیبة من یثبت علیه مؤبّداً. بل اختاره المصنّف، فقال: وهو الأشبه، وفاقاً للتحریر وظاهر المحكیّ من عبارة غریة المفید وزاد المعاد للمجلسی وكشف الاُستاذ والمنقول فی الریاض عن الدیلمی وجمع من متأخّری المتأخّرین، وإن كنّا لم نتحقّقه خصوصاً الأوّل؛ إذ المحكیّ عنه فی المختلف الإباحة لسائر الخمس، ومع التسلیم فلم یبلغوا حدّ الشهرة الجابرة للمرسَلَین

 

بالنسبة إلى ذلك كی یصحّ العمل بهما فیه».([10])

ثم إنّه قد أطال النقاش والكلام فی ردّ هذا الاحتمال، وفی طیّ كلامه قال: «وبالجملة: فدعوى وجوب دفع حقّ الإمام× للأصناف الآن من حیث وجوب الإتمام علیه حتى فی هذا الزمان للمرسَلَین السابقین ممّا لا تستأهل أن یسوّد بهما قرطاس أو یستعمل فیهما یراع».([11])

كما أشار فی طیّ ما أفاد بأقوال أو احتمالات اُخرى فی المسألة لا فائدة فی نقلها فلنُتِمّ ذلك بما أفاد فی آخر ذلك، فقال: «قد عرفت ـ بحمد الله تعالى ـ وضوح السبیل فی مصرف حقّ غیر الإمام وإن اضطرب فیه من عرفت، وأمّا حقّه× فالّذی یجول فی الذهن أنّ حسن الظنّ برأفة مولانا صاحب الزمان× ـ روحی لروحه الفداء ـ یقضی بعدم مؤاخذتنا فی صرفه على المهمّ من مصارف الأصناف الثلاثة الّذین هم عیاله فی الحقیقة، بل ولا فی صرفه فی غیر ذلك من مصارف غیرهم ممّا یرجّح على بعضها وإن كان هم أولى وأولى عند التساوی أو عدم وضوح الرجحان، بل لا یبعد فی النظر تعیّن صرفه فیما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه؛ إذ غیره من الوصیّة به أو دفنه أو نحوهما تعریض لتلفه وإذهابه من غیر فائدة قطعاً، بل هو إتلاف له.

وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذّر الوصول

 

إلیه ـ روحی له الفداء -، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدی، بل لعلّ حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذّر الوصول إلیه للجهل به، فیتصدّق به حینئذ نائب الغیبة عنه، ویكون ذلك وصولاً إلیه على حسب غیره من الأموال الّتی یمتنع إیصالها إلى أصحابها، والله أعلم بحقائق أحكامه».

أقول: إلحاق ماله× بمجهول المالك فی كون التصدّق به وصولاً إلیه محلّ نظر؛ لأنّ ذلك إنّما یكون إذا لم یكن فی البین ما نعلم أنه الأولى عند صاحب المال من غیره، أمّا إذا كان هنا بعض الجهات الّذی نقطع برضاه فی صرفه فیه وطیب نفسه به فالمتعیَّن صرفه فیه، ولا یكون الصرف فی غیره إیصالاً إلیه، ولا ریب فی أنّ أهمّ الاُمور عند الإمام× حفظ كیان الدین وشوكة المسلمین، وعزّ شیعتهم الفائزین ودفع الملحدین وإبطال المبطلین وحفظ الآثار من الإندراس.

وبالجملة: فلا  تطیب نفسه الشریفة ـ روح مَن فی عالمنا فداه ـ بدفن ماله أو الإیصاء بحفظه أو دفعه إلى أقربائه، إذا صارت تلك الاُمور المهمّة معطّلة والمذهب فی معرض الاضمحلال والانطماس، فالمهمّ عنده إحیاء معالم الدین، وإدارة الحوزات العلمیة، وإعانة طلبة العلوم الدینیة، وفی المجموع صرفه فیما به قوام الدین ونصرة الإسلام والمسلمین حسب الموارد والمناسبات والمقتضیات، وحسب الإمكانات ورعایة جمیع الجوانب والمصالح العامّة المهمّة، سیّما فی مثل عصرنا الّذی وقع الإسلام والمذهب وأهله قبال هجوم الكفّار والمستعمرین والثقافات المنحرفة والعلمانیین، والله هو العاصم والهادی إلى الصواب.

 

 

([1]) جواهر الكلام، ج16، ص165؛ المقنعة ، ص286.

([2]) انظر النهایة ، ص201؛ والمقنعة، ص286، والكافی فی الفقه، ص173؛ والمهذب، ج1، ص181؛ والسرائر، ج1، ص498 ـ 499؛ ومختلف الشیعة، ج3، ص347.

([3]) شرائع الإسلام، ج1، ص138.

([4]) بحار الأنوار، ج13، ص177، باب خروجه× وما یدل علیّه.

([5]) جواهر الكلام، ج16، ص167 ـ 168.

([6]) نهج البلاغة، خطبه 138(ج2، ص21 ـ 22)؛ صرّح محمد عبده وابن أبی الحدید بأنّ المراد منه القائم الموعود×...، وقال ابن أبی الحدید: والأفالیذ: جمع أفلا ذ، وأفلا ذ: جمع فلذ، وهی القطعة من الكبد، وهذا كنایة عن الكنوز الّتی تظهر للقائم بالأمر، وقد جاء ذكر ذلك فی خبر مرفوع فی لفظة: وقاءت له الأرض أفلا ذ كبدها، وقد فسّـر قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالهَا﴾ (الزلزلة،2) بذلك فی بعض التفاسیر». شرح نهج البلاغه، ج9، ص46؛ راجع فصل 37 من باب 3 من كتابنا «منتخب الأثر فی الإمام الثانی عشر×».

([7]) جواهر الکلام، ج16، ص168 ـ 170؛ السرائر، ج1، ص499.

([8]) جواهر الکلام، ج16، ص168 ـ 170.

([9]) نهج البلاغة، خطبة 187 (ج2، ص126).

([10]) جواهر الكلام، ج16، ص170.

([11]) جواهر الكلام، ج16، ص173.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: