جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الأمر الخامس:
فی أنّ الألفاظ موضوعة لمعانیها بما هی هی

إعلم: أنّه قد استقرّ بناء العرف والعقلاء على استخدام الألفاظ لإفهام مراداتهم ومقاصدهم؛ لأنّه لیس فیما یتوسّل به لذلك ما هو أسهل من الألفاظ الجاریة على اللسان. ولمّا لم یكن للألفاظ بالذات اختصاص بمعانیها الخاصّة وضعوا لکلّ معنى من المعانی لفظاً خصّ به حتى یكون دلیلاً علیه ومرآةً له. والغرض من الوضع وإن كان استخدام هذه الألفاظ عند إرادة تلك المعانی، إلّا أنّ هذا لیس من قیود المعنى، وإلّا یلزم أن لا یكون المعنى حاصلاً فی الخارج، ولا یكون اللفظ مرآة لما فی الخارج، مثلاً لفظ «إنسان» إذا كان موضوعاً للطبیعة الكلّیة الّتی تصدق على أفرادها الخارجیة یصدق علیها لا محالة، أمّا إذا كان موضوعاً لها إذا كانت مرادة، فالمعنى بهذا الاعتبار لا یوجد إلّا فی الذهن؛ لأنّ ما فی الخارج لیس إلّا المعنى وأفراد الإنسان، فلابدّ من استعمال اللفظ فی جزء معناه مجازاً حتى یتم به الغرض، أی إفهام المعنى وهو الإنسان الموجود خارجاً بأفراده.

ولا یصحّ أن یكون ذلك من باب الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ؛ إذ أنّ ذلك یصحّ إذا لوحظ معنىً كلیٌّ ووضع اللفظ بإزاء کلّ فرد من أفراده، بخلاف ما إذا لوحظ معنىً كلّی مقیّد بقید لا یتحقّق معه إلّا فی الذهن ووضع له اللفظ، فلا یصحّ

 

استعمال هذا اللفظ فی المعنى الخالص من القید إلّا مجازاً، بل لا یصحّ وضع اللفظ لأفراد ذلك الكلّی خالصاً من هذا القید، فإنّه من وضع اللفظ لغیر ما لوحظ من المعنى. اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ هذا لیس إلّا من ملاحظة المعنى الكلّی الخالص من قید كونه مراداً ووضع اللفظ للمعنى الكلّی أو لأفراده.

وبالجملة: لا یتصوّر لوضع اللفظ للمعنى بما هو مراد المتکلّم فائدة عقلائیة، بل إنّ ذلك ینافی حكمة الوضع. هذا مضافاً إلى غیر ذلك ممّا یترتّب علیه من المفاسد.

ومن ذلك یعلم: أنّ ما حكی عن المحقّق الطوسی وابن سینا([1]) من أ نّهما ذهبا إلى «كون الألفاظ موضوعة لمعانیها بما هی مرادة» لیس فی محلّه، ولا یصحّ أن ینسب إلى مثلهما.

 

 

([1]) راجع: ابن سینا، الشفاء، قسم المنطق، الفصل الثامن من المقالة الاُولی من الفنّ الأوّل، ص42؛ الخواجة نصیر الدین الطوسی، شرح الإشارات والتنبیهات، ج1، ص32.

والحاکی عنهما صاحب الفصول فی فصوله (الأصفهانی، ص17ـ 18). وحمل صاحب الکفایة (الخراسانی، ج1، ص22) کلامهما علی الدلالة التصدیقیّة، فراجع.

موضوع: 
نويسنده: