پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

الأمر السادس:
فی علائم الحقیقة والمجاز

اعلم: أنّ مختار المشهور([1]) فی الفرق بین الحقیقة والمجاز: أنّ الحقیقة استعمال اللفظ فی المعنى الموضوع له ـ أی المعنى الّذی جعل اللفظ مرآة له ومختصاً به ـ تعییناً أو تعیّناً. وأمّا المجاز فاستعماله فی غیر ذلك المعنى؛ لوجود علاقة بینه وبین المعنى الحقیقی ـ الموضوع له ـ .

والمختار عندنا:([2]) أنّ المستعمل‏ فیه فی الاستعمالین هو المعنى الحقیقی، إلّا أنّ المستعمِل فی الأوّل یجعل اللفظ بحذاء المعنى بما هو هو، وفی الثانی یستعمل فیه أیضاً بادّعاء كون مراده الجدّی عین المعنى الموضوع له (أو من أفراده ومصادیقه).

وأمّا إذا تردّد الأمر فی أنّه استعمل على النحو الأوّل أو الثانی؟ فالظاهر أنّ ذلك یفهم من ملاحظة كیفیة المحاورة ومن تعابیرهم فی بیان المقاصد والمرادات.

ویمكن أن یقال: إنّ الأصل بعد ما علم المعنى الموضوع له حمله على الاستعمال فی المعنى الحقیقی، إلّا إذا ثبت خلافه بوجه من الوجوه، وإن كان ذلك لصیرورة المعنى

 

المجازی أشهر أو مساویاً فی الاستعمالات مع المعنى الحقیقی، فحینئذٍ یستفاد ذلك من التامّل فی المحاورات.

وأمّا إن كان الشكّ فی المعنى المراد من جهة الشكّ فی المعنى المجازی والحقیقی، لا من جهة أنّ المتکلّم استعمله فی المعنى المجازی أو الحقیقی المعلومَین عند الطرفین، حتى یقال: الأصل أو الظاهر استعماله فی المعنى لحقیقی، بل الشكّ فی أنّه أیّ واحد من المعنیین حقیقیٌّ لكی یحمل اللفظ علیه، وأىّ واحد منهما مجازی حتى لا یحمل علیه؟ فهنا یرجع إلى علائم الحقیقة والمجاز.

فمنها: التبادر

والمعروف أنّه علامة اختصاص اللفظ بالمعنى ـ تعییناً أو تعیّناً ـ. وبعبارة اُخرى: تبادر المعنى من اللفظ ودلالته علیه وانسباقه إلى الذهن علامة الحقیقة واختصاص اللفظ بالمعنى.

لكنّ الظاهر أنّ التبادر عین الوضع، لا أنّه علامة علیه؛ إذ هو نفس دلالة اللفظ على المعنى، لأنّ المراد من الوضع لیس خصوص التعیینی بل هو أعمّ منه ومن التعیّنی، ومعنى الوضع فیهما صیرورة اللفظ دالّا على المعنى بوضع الواضع أو كثرة الاستعمال.([3])

ومنها: عدم صحّة السلب وصحّته، وصحّة الحمل وعدمه عدم صحّة سلب اللفظ بما له من المعنى المرتكز فی الذهن عن المعنى المشكوك فیه علامة الحقیقة، كما أنّ صحّة سلبه عنه كذلك علامة كون اللفظ فیه مجازاً.

 

وبعبارة اُخرى: صحّة سلبه عن المعنى علامة المجاز، وصحّة حمله علیه علامة الحقیقة. ولا فرق فی ذلك بین أن یكون المحمول والمسلوب فی القضیّة اللفظ بما له من المعنى أو نفس المعنى، وأمّا الموضوع والمسلوب عنه فلا یكون إلّا المعنى المشكوك فیه.

لا یقال:([4]) إنّ سلب المعنى الحقیقی الواحد أو بعض المعانی الحقیقیة أو اللفظ بما له من المعنى الواحد أو الأكثر عن المعنى المشكوك لا یدلّ على عدم كونه المعنى الحقیقی، لاحتمال الاشتراك. كما أنّ سلب جمیع المعانی الحقیقیة عن المعنى المشكوك لا ینهض دلیلاً على مجازیّته، أی لا حاجة إلى هذا الدلیل؛ لأنّه مع العلم بجمیع المعانی الحقیقیة لا یبقى مجال للشكّ.

فإنّه یقال أوّلاً: إنّ ذلك یتمّ فی سلب المعانی عنه بالمفهوم، ولكن السلب أعمّ من المفهوم أو المصداق، فتكون صحّته دلیلاً على المجازیة.

وثانیاً: المعنى المسلوب لیس المعلوم كونه حقیقیاً حتى یقال: مع هذا العلم لا یبقى مجال للشكّ، بل هو مفهوم مّا للّفظ فی ارتكاز أهل المحاورة، فلا علم لنا بجمیع المعانی الحقیقیة قبل هذا السلب حتى یرد علینا الإشكال المذكور.

ومنها: الاطّراد وعدمه

ولا یخفى أنّ المراد من علامیة عدم الاطّراد إن كان بملاحظة نوع العلائق المجازیة، فلا ریب فی عدم اطّراده، وإن كان بملاحظة صنفها، فلا ریب فی اطّراده،([5]) نعم بناءً على مختارنا فی الفرق بین الحقیقة والمجاز ـ

 

وأنّ اللفظ فی كلیهما یستعمل فی معناه الموضوع له، إلّا أنّه فی المجاز یجعل المعنى عین المعنى الموضوع له (أو فرده ادّعاءاً) ـ تصحّ العلامیة؛ إذ لا یطّرد هذا الادّعاء ولا یستحسنه الذوق ولا یستملحه الطبع دائماً، مثلاً استعمال الأسد فی الرجل الشجاع یستملح ویوافق الذوق فی مقام حكایة رمیه ودفعه العدوّ، ولا یستملح فی مقام أكله أو غیره من أفعاله العادیة، وهذا بخلاف استعمال اللفظ فی معناه الحقیقی، فإنّه مستحسن ومقبول لدى الذوق والطبع فی جمیع المقامات، فیحسن استعمال زید مثلاً فی معناه فی مقام الإخبار عن عمله ومدحه وفی مقام الإخبار عن جسمه وكلّ فعل وحال من أفعاله وأحواله، وهذا المعنى للاطّراد یصحّ أن یكون من علائم الحقیقة وعكسه ـ عدم الاطّراد ـ من علائم المجاز.([6])

 

 

 

([1]) راجع: التفتازانی، المطوّل، ص278؛ العلّامة الحلّی، مبادئ الوصول إلی علم الاُصول، ص77؛ القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص13؛ الأصفهانی، الفصول الغرویّة، ص14.

([2]) کما ذهب إلیه السکّاکی فی الإستعارة، وأمّا فی غیر مجاز الإستعارة فهو یقول بمقالة المشهور بأنّه استعمال اللفظ فی غیر ما وضع له. راجع: السکّاکی، مفتاح العلوم، ص156 158.

([3]) أقول: دلالة اللفظ علی المعنی وتبادره منه یدلّ علی حصول اختصاص اللفظ بالمعنی بدلالة الإنّ ودلالة المعلول علی علّته. ولیس أحدهما عین الآخر، بل أحدهما علّة للآخر والثانی معلول له، فالتبادر دلیل علی فعل الواضع، وعلی کثرة استعمال اللفظ فی المعنی. [منه دام ظلّه العالی].

([4]) والقائل هو المحقّق القمّی& فی قوانینه، ج1، ص18.

([5]) کما قال فی القوانین (القمّی، ج1، ص28 29، مبحث الحقیقة والمجاز)؛ والکفایة (الخراسانی، ج1، ص28 29).

([6]) وتفصیل ذلك یطلب من کتاب: الحجّة فی الفقه (الحائری الیزدی، ج1، ص53 ـ 56).

موضوع: 
نويسنده: