جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الأمر الأوّل: بساطة المشتقّ

لا یخفى علیك: أنّ مفهوم المشتقّ بسیطٌ. ومعناه أنّه عند الإطلاق لا یجیء إلى الذهن من الضارب والعالم مثلاً إلّا الضرب والعلم مبهماً ولا بـشرط. نعم، فی بعض المشتقّات یكون مفهومه مركباً لأجل تركّب مفهوم مبدئه.

ولا یخفى علیك أیضاً: أنّ مفهوم الذات والشیء غیر معتبرٍ فی مفهوم المشتقّ على کلّ حالٍ. ومن قال باعتبار أحدهما فی مفهوم المشتق إنّما أراد من ذلك اعتبار مصداق الشیء أو الذات فی مفهومه، هذا. وقد وقع النزاع فی بساطة مفهومه وعدمها بین صاحب الكفایة وصاحب الفصول.([1])

واستدلّ فی الكفایة على بساطته بما حقّقه المحقّق الشریف من أنّه لو اعتبرنا مفهوم الشیء فی مفهوم الناطق مثلاً، یلزم دخول العرض العامّ فی الفصل؛ ولو اعتبرنا ما هو مصداق الشیء، كالإنسان مثلاً، فی قولنا: الإنسان ضاحك یلزم انقلاب القضیّة

 

الممكنة إلى الضروریة؛ لأنّ الشیء الّذی له الضحك هو الإنسان وثبوته لما جعل فی القضیّة موضوعاً ـ وهو الإنسان ـ ضروریّ.([2])

أقول: لا یخفى عدم لزوم المحال من ذلك أصلاً. غایة الأمر أنّه یلزم من صحّة الشقّ الأوّل عدم كون الناطق ـ مجرّداً ـ فصلاً، خلافاً لما ذهب إلیه المنطقیّون من جعله فصلاً مجرّداً عن الذات.

وأمّا صحّة الشقّ الثانی فغیر ملازمة للانقلاب، بل لا یلزم منها إلّا كون القضیّة الّتی زعمها المنطقیّون ممكنةً ضروریةً من أوّل الأمر، لا أنّها كانت ممكنةً ثم انقلبت إلى الضروریّة.

وقال فی الكفایة بعد الجواب عمّا أجاب به الفصول باختیاره الشقّ الأوّل لدفع الإشكال: «والتحقیق أنّ مثل الناطق لیس بفصل حقیقیّ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصّه، وإنّما یكون فصلاً مشهوریاً منطقیاً یوضع مكانه إذا لم یعلم نفسه بل لا یكاد یعلم... إلخ».

وفیه: أنّه كان من الممكن أن یجعلوا الفصل «النطق»، فافهم.

وأجاب عمّا ذكر فی الفصول (من اختیاره الشقّ الثانی ودفع الإشكال بأنّ المحمول لیس مصداق الـشیء مطلقاً بل مقیداً بالوصف، ولیس ثبوته للموضوع حینئذٍ ضروریاً): «بأنّ عدم كون ثبوت القید ضروریاً لا یضرّ بدعوى الانقلاب... إلخ».

وفیه: أنّ المحمول فی القضیّة بناءً على اعتبار مصداق الشیء فی مفهوم المشتقّ یكون مجموع قولنا: «إنسان له النطق» فالمقیّد بما أنّه مقیّد ومع قیده یكون محمولاً لا مطلقاً، فتأمّل جیّداً.

 

ثم لا یذهب علیك: أنّ المحقّق الخراسانی+ ذهب إلى خلاف ما یستفاد من كلامه فی أوّل الأمر من بساطة مفهوم المشتقّ، فاختار فی آخر هذا المبحث تركّب مفهومه. ومحصّل ما أفاده فی المقام بعد هذه المناقشات مع الفصول: أنّ مفهوم المشتقّ إنّما یكون بسیطاً بالنظر البدویّ، ولكنّه بعد التأمّل یظهر كونه مركّباً.

وهذا كلام غریبٌ منه؛ لأنّ غالب المفاهیم بل كلّها تجیء إلى الذهن بنحو البساطة، ولا یظهر بعد التامّل كونه مركّباً إلّا أن یكون مفهوم مبدئه كذلك.

 

([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص78 وما بعدها؛ الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص61.

([2]) قطب الدین الرازی، شرح المطالع، ص11.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: