پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

الجهة الخامسة: فی التعبّدی والتوصّلی

إعلم: أنّ المحقّق الخراسانی& لم یجعل لبیان حقیقة الواجب التعبّدی والتوصّلی مبحثاً یخصّه، بل ذكر ذلك فی المبحث الخامس من الفصل الثانی. وجعل البحث عن بیان ماهیّتها من مقدّمات التحقیق فی أنّ إطلاق الصیغة هل یقتـضی كون الوجوب توصّلیاً فیجزی إتیانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة، أو لا؟ وأنّه لابدّ من الرجوع فیما شكّ فی تعبّدیّته وتوصّلیته إلى الأصل، والحال أنّ أصل البحث من مهمّات مباحث الأوامر، واللازم طرحه مستقلّا ثم طرح تفریعاته. وكیف كان، فالكلام ـ تبعاً لترتیب الكفایة ـ یقع فی اُمور:

الأمر الأوّل: تنقسم الواجبات بل مطلق ما كان مأموراً به إلى التعبّدی والتوصّلی، والأوّل كالصلاة والصوم والحجّ وغیرها، والثانی كغسل الثوب والبدن ودفن المیّت وما یكون من هذا القبیل.

الأمر الثانی: إنّ المأمور به التعبّدی عبارة عن: ما یعتبر فی حصول الغرض منه إتیانه لله تعالى. والتوصّلی ما لا یعتبر فیه ذلك، بل یحصل الغرض بمجرد تحقّقه وحصوله فی الخارج وبأیّ وجه اتّفق ولو لم یكن حصوله بقصد التقرّب إلى الله تعالى، بأن كان بقصد الرئاء مثلاً أو بأیّ داعٍ آخر، أو حصل من غیر قصد واختیار.

لا یقال: یلزم من ذلك تعلّق الأمر فی التوصّلیات بما هو أعم من كونه بالاختیار، ومحذوره لا یقلّ من محذور الأمر بما هو خارج عن الاختیار رأساً.

لأنّه یقال: إنّ الآمر تارة یأمر العبد ویصیر أمره سبباً لإیجاد الداعی وإرادة الفعل فی العبد من غیر أن یكون لإرادته دخل فی حصول غرض الآمر من تحقّق الفعل، واُخرى یأمره لإیجاد إرادة الفعل فی العبد وصدور الفعل عن تلك الإرادة بأن یكون الفعل معلولاً لإرادته فلا یحصل غرض الآمر إلّا بصدور الفعل عن إرادة العبد؛ والواجب

 

التوصّلی إنّما یكون من القسم الأوّل، حیث یكفی مجرّد تحقّقه من غیر دخل لإرادة العبد واختیاره فی حصول الغرض، ویسقط الأمر بتحقّق المأمور به ولو عن غیر قصد واختیار، ولا یلزم منه المحذور المذكور، لأنّ الأمر یتعلّق بما هو مختار العبد لا أعمّ منه ولكنّه یسقط ولو بوقوع الفعل من غیر اختیار، لأنّ غرضه قد حصل. فأثر الأمر فی التوصّلی إنّما هو إیجاد الداعی فی العبد من غیر أن یكون لهذا الداعی دخل فی الغرض.

الأمر الثالث: لا یعتبر فی حصول التعبّد إتیان الفعل بداعی الأمر، بل إذا أتى به بأیّ داعٍ كان مناسباً لشأن المولى اعتناءً بشأنه واحتراماً له یحصل التعبّد ولو لم یتعلّق به أمر المولى.

نعم، إذا شكّ فی أنّ هذا مناسبٌ لشأن المولى ومقامه أم لا؟ لابدّ لاستكشاف ذلك من الأمر به.

الأمر الرابع: لا یخفى علیك: أنّنا لم نعثر فی كلمات السابقین على الشیخ الأنصاری& القول بعدم إمكان أخذ قصد التقرّب والامتثال فی متعلّق الأمر، بل الظاهر أنّ مذهبهم كون قصد الامتثال من ضمن كیفیّات المأمور به. والشیخ+ أوّل من ذهب إلى عدم إمكانه، وفرّع علیه عدم جواز التمسّك بالإطلاق فی صورة الشكّ لإثبات توصّلیة المأمور به.([1])

وقد قرّر وجه هذا الكلام ـ الّذی أرسله تلامذة الشیخ ومن تأخّر عنهم إرسال المسلّمات ـ فی التقریرات بما حاصله راجع إلى أنّ تخصّص الفعل بخصوصیة إتیانه بقصد الامتثال واتّصافه بتلك الخصوصیة إنّما یكون من الاُمور المتأخّرة عن الأمر ومن الانقسامات اللاحقة للحكم، فكیف یعقل أخذه فی موضوع الحكم؟

وقد ذكروا فی بیان ذلك وجوهاً بعضها یرجع إلى وقوع المحال فی ناحیة الأمر وأنّه

 

لا یعقل الأمر مع قصد الامتثال فی المأمور به ـ شرطاً كان أو شطراً ـ ؛ وبعضها یرجع إلى امتناعه فی ناحیة الإتیان والامتثال.

 

([1]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص60.

موضوع: 
نويسنده: