جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

المقام الأوّل: إجزاء الإتیان بمقتضى الاُصول الشرعیة

إذا كان دلیل الحكم أصلاً من الاُصول، كأصالة الطهارة وأصالة الحلّیة وقاعدة البناء على إتیان ما شكّ فی إتیانه بعد الدخول فی الجزء المترتّب علیه، أی قاعدة التجاوز أو الفراغ،([1]) نلاحظ مفاد کلّ واحد من أدلّة هذه الاُصول مثل «كلّ شیء طاهر...»؛([2]) أو «كلّ شیء فیه حلال وحرام فهو لك حلال...»؛([3]) ونرى دلالة الأوّل على الحكم بطهارة مشكوك الطهارة والثانی على حلّیة مشكوك الحلّیة، ثم نلاحظ الأدلّة الأوّلیة الدالّة على اشتراط الصلوات الخمس الیومیة بطهارة البدن واللباس،

 

فنحكم فی ظرف الشكّ بمقتضى الجمع بین الدلیلین باشتراط الصلاة بالطهارة والحلّیة أعمّ من الظاهریة والواقعیة. فدلیل الأصل یوسّع دائرة التكلیف ویبیّن وظیفة المكلّف فی حال الشكّ بأنّ تكلیفه فی حال الشكّ یكون هكذا استمرّ شكّه بعد ذلك أم لا؟ فلا یتصوّر فی مثله انكشاف الخلاف وعدم الإجزاء، لأنّه عمل بوظیفته وأتى بما هو مأمور به ومصداق للطبیعة.

وهكذا الحال بالنسبة إلى قاعدة التجاوز أو الفراغ، وهی قوله: «إذا خرجت من شیء ثم دخلت فی غیره فشكّك لیس بشیء»؛([4]) فإنّ مفادها جواز البناء على إتیان المشكوك بعد الدخول فی الجزء المتأخّر عنه. وهذا حكم تعبّدی مورده الشكّ الفعلی، توسّع به دائرة موضوع الصلاة. ولیس مشروطاً باستمرار الشكّ، بل بمجرد حدّوث الشكّ یبنى على الإتیان، سواء استمرّ شكّه أم لا، فنستفید من ملاحظة دلیل هذه القاعدة مع دلیل وجوب الصلوات الیومیة فردیة المأتیّ به للطبیعة المأمور بها ولو كان فی الواقع فاقداً للجزء المشكوك، فهذا المأتیّ به فرد للصلاة منطبق لعنوانها، كما أنّ الفرد الواجد للجزء أو الواقع مع الطهارة الواقعیّة فرد لها. وهذا معنى إجزاء الفرد المأتیّ به فی حال الشكّ عن الأمر بالطبیعة.

وكذلك الحال إذا دلّ الأصل كالبراءة الشرعیة، على نفی جزئیة شیء أو شرطیته أو عدم قاطعیته، فإنّ مقتضى ما یستفاد من حدیث الرفع([5]) فی جنب الأحكام الواقعیة: كون الأصل المصطاد من مثل هذا الحدیث حاكماً على تلك الأحكام وموسّعاً لدائرة الموضوع فی ظرف الجهل أو النسیان، وأنّ هذا الفرد الفاقد للجزء (المنفیّ جزئیّته

 

بالأصل) فرد للمأمور به، فلا إشكال فی کلّ ما كان من هذا القبیل من القول بالإجزاء واتّساع نطاق المأمور به. هذا كلّه فیما كان دلیل الحكم الظاهری أصلاً.

 

([1]) من أدلّتها صحیحة حمّاد فی التهذیب (الطوسی، ج2، ص151، ب 9، ح593/51)، تفصیل ما تقدّم ذکره...؛ الطوسی، الاستبصار، ج1، ص358، ح5؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الصلاة، أبواب الرکوع، ج6، ص317، ب13، ح1.

وموثّقة عبد الرحمن البجلی فی التهذیب (الطوسی، ج1، ص151، ب 9، ح596/54)، تفصیل ما تقدم ذکره...؛ الطوسی، الاستبصار، ج1، ص358، ح8؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الصلاة، أبواب الرکوع، ج6، ص318، ب13، ح6؛ راجع أیضاً: ج6، ص317 318، ح3 و4و 5و7، وأبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ج8، ص237-239، ب23.

([2]) مرّ تخریجه آنفاً.

([3]) الکلینی، الکافی، ج5، ص313، ح39، باب النوادر من کتاب المعیشة، مع اختلاف یسیر؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب ما یکتسب به، ج17، ص88، ب4، ح1. وقوله7: «کلّ شیء هو لك حلال...». الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج17، ص89، أبواب ما یکتسب به، ب4، ح4.

([4]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ج8، ص237، ب23، ح1.

([5]) الصدوق، التوحید، ص353، ح24، باب الاستطاعة؛ الصدوق، الخصال، ص417، ح9، باب التسعة؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، ج15، ص369، ب56، ح1.

موضوع: 
نويسنده: