جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

المقام الثانی: إجزاء الإتیان بمقتضى الأمارات الشرعیة

وأمّا إذا كان دلیل الحكم الظاهری أمارة من الأمارات كما إذا قامت البیّنة على إتیان الركوع، أو أخبر عدل بقراءة السورة، أو عدم جزئیّتها للصلاة، أو عدم مانعیة القهقهة لها، وغیر ذلك. فإن قلنا بلزوم ملاحظة لسان نفس الأمارة مع دلیل الحكم الواقعی، فدلالته على عدم الإجزاء ممّا لا ینكر، لأنّ لسان الأمارة كما ینادی بحصول ما هو الشرط واقعاً، ینادی أیضاً بعدم الإجزاء بعد كشف الخلاف.

ولكنّنا لا نلاحظ لسان الأمارة بل نلاحظ دلیل حجّیة الأمارة مثل قول الشارع: إبن على قول العادل مثلاً، أو صدّق العادل، وما فی معناهما، ونلاحظ معه دلیل الحكم الواقعی، فلا نجد حینئذٍ فرقاً بین الاُصول والأمارات، فكما أنّ مقتـضى ظهور دلیل الأصل ودلیل الحكم الواقعی كفایة الإتیان بالمصداق الظاهری للطبیعة، كذلك مقتضى ظهور دلیل الأمارة عند ملاحظته مع الحكم الواقعی طابق النعل بالنعل، فیستفاد منهما أیضاً كفایة الإتیان بالمصداق الظاهری.

ولو أغمضنا عن ذلك وقلنا بأنّ دلیل التعبّد بالأمارة لا یفید الإجزاء، فلا وجه مع ذلك لما أفاده المحقّق الخراسانی فی الكفایة بقوله: «وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنّه ما هو الشرط واقعاً كما هو لسان الأمارات فلا یجزی، فإنّ دلیل حجّیته حیث كان بلسان أنّه واجد لما هو شرطه الواقعی فبارتفاع الجهل ینكشف أنّه لم یكن كذلك».([1])

وذلك لأنّ دلیل حجّیة الأمارة لیس نفس الأمارة حتى یقال بأنّ لسانه لسان أنّه

 

واجد لما هو الشرط واقعاً، بل الدلیل على حجّیتها هی الأدلة الّتی أقاموها على حجّیة الخبر وغیره ولیس فی لسان هذه الأدلّة تحقّق ما هو الشـرط أو رفع المانع واقعاً، بل مفادها التعبّد بقول العادل مثلاً فی جعل الناقص فرداً للمأمور به تعبّداً.

والحاصل: أنّه لا فرق بین دلیل الأصل والأمارة، فكما أنّ قوله: «كلّ شیء طاهر» یعیّن وظیفة المكلّف فی ظرف الشكّ، كذلك حدیث الرفع وغیرهما، فإنّ مقتضى هذه الاُصول فی ظرف الشكّ إجزاء الصلاة الفاقدة للجزء أو الشرط مثلاً عن الواقع وكونها فرداً لطبیعة الصلاة كما أنّ صلاته الواجدة لهما فی حال العلم تكون فرداً لها، كذلك مقتـضى قوله: صدّق العادل مثلاً، وابن على قوله، تعیین وظیفة المكلّف فی حال الشكّ، وبیان أنّ ما أخبر به العادل من إتیان الركوع أو عدم جزئیّة السورة للصلاة مثلاً فرد للطبیعة المأمور بها؛ لأنّ الواجب هو البناء العملی على قول العادل وإلغاء احتمال الخلاف عنه وترتیب آثار الصدق علیه بأن یعدّ المخبر عنه فی ظرف الشكّ فرداً للمأمور به. فلا فرق بین لسان الأمارة ولسان الأصل، فإنّ كلّا منهما یعیّن تكلیف الشاكّ فی مقام الامتثال ویكون مرآة للفرد الّذی به یحصل الامتثال فی ظرف الشكّ، فكما أنّ الأوّل موجب للإجزاء فلیكن الثانی أیضاً كذلك.

 

([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص133 134.

موضوع: 
نويسنده: