جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

إشكال التصویب

وأمّا الإشكال بأنّ الذهاب إلى الإجزاء فی مسألتنا هذه موجب للتصویب المجمع على بطلانه.

فیظهر جوابه بعد ذكر مقدّمة وهی: أنّ مسألة التخطئة والتصویب من المسائل المذكورة فی الكتب الكلامیة من أوائل ظهور علم الكلام، وكذلك الكتب الاُصولیة من زمن الشیخ الطوسی+ الّذی هو أوّل من صنّف فی الاُصول كتاباً مفصّلاً وهو «العدّة»([1]) بعدما صنّف فیه اُستاذه الـشریف المرتـضى+ كتابه المـختصر الموسوم بـ «الذریعة».

وبیانها: أنّه هل یكون لله تعالى بعدد آراء المجتهدین أحكام مختلفة حتى یكون كلّهم مصیبین أم لا؟ بل یكون حكم الله فی حقّ الجمیع واحداً ولا یكون المصیب من الآراء غیر رأی واحد، فكلّ من كان رأیه مخالفاً لذلك الرأی یكون مخطئاً لا محالة.

واختلف القائلون بالتخطئة بأنّ المخطئ معذور أم لا؟ ونقل عن بعض معتزلة بغداد الذهاب إلى فسق المخطئ. وذهب الأكثر إلى معذوریّته.

إذا عرفت ذلك، یظهر لك عدم وجود الإجماع من جمیع الاُمّة على بطلان التصویب. وأمّا إجماع الإمامیة، فمن الواضح أنّ حجّیة إجماعهم إنّما تكون من جهة

 

أنّهم أصحاب النصّ، بمعنى أنّهم لا یقولون ولا یفتون بمقـتضى عقولهم والاستحسانات، كما یعملون أصحاب القیاس فی الأحكام الـشرعیة، فهم معتقدون أنّ النصّ الصادر من الأئمّة^ حجّة كالنصّ الصادر من النبیّ|، وذلك بمقتـضى النصوص المعتبرة، منها حدّیث الثقلین عنه|.

وهذه، أی حجّیة أقوالهم وآرائهم، غیر الخلافة والرئاسة العامّة التی تدّعی الشیعة أنّها لهم^، بل ولو لم نقل بذلك فلابدّ من القول بحجّیة آرائهم^ بمقتضى الحدیث الشریف المذكور وأمثاله.([2])

فإذا ثبت إجماع الإمامیّة على مسألة وتوافقهم علیها خلفاً عن سلف مع علمنا بأنّهم لا یقولون من عند أنفسهم ولا یتّبعون مقتضى رأیهم ولا یفتون إلّا بما عن النبیّ والأئمّة ـ صلوات الله‏ علیهم أجمعین ـ فنكشف من ذلك قول أئمّتهم^ ومطابقته لما أجمعوا علیه.

ولكن هذا الإجماع لم یقم فی ما نحن فیه. وإنّما الشیخ+ قال فی «العدّة» بإجماع المتکلّمین من المتقدّمین والمتأخّرین من الإمامیة على بطلان التصویب.([3]) وهذا كما ترى غیر الإجماع المصطلح المعلوم حجّیته عندنا وإن كان للمتكلمین على بطلان التصویب دلائل قطعیة بأنّ حكم الله فی حقّ الجاهل والعالم على حدّ سواء، ولكن أنّى هذا من الإجماع المصطلح، فلا یمكن للخصم أن یتمسّك به لردّ ما اخترناه من أنّه یوجب التصویب المجمع على بطلانه.

هذا، مضافاً إلى أنّ مختارنا لیس من التصویب الّذی قد اُدّعی الإجماع على بطلانه؛ لأنّا نقول بأنّ الحكم الواقعی مطلق وغیر مقیّد بصورة العلم والجهل، بل تقیّده بذلك ممتنع، لأنهّ مستلزم للدور، ولكن الشارع الحاكم حیث یرى عدم إمكان تحریك

 

الجاهل بسبب الأمر وعدم انبعاثه من ذلك الحكم المطلق، فلا یرید انبعاثه من الحكم إلّا فی صورة علمه به.

فإنشاء الحكم غیر مقیّد بصورة العلم والجهل، ولكنّ الحكم حیث ینشأ لأن یكون محرّكاً للمكلّف وباعثاً له نحو الفعل؛ فلا یمكن أن یكون علّة لانبعاث الجاهل، فلابدّ للآمر أن یرید بذلك الحكم انبعاث العالم.

ولو أراد صدور الفعل من الجمیع فعلیه أن یتوصّل إلى مراده بإلقاء خطاب آخر یكون متوجّهاً إلى المكلّف فی ظرف الشكّ والجهل بإیجاب الاحتیاط والإتیان بجمیع المحتملات، وحیث إنّ ذلك موجب لاختلال النظام من جهة العـسر الشدید، فله أن یوسّع دائرة المأمور به بتوسّط خطاب آخر فی ظرف الجهل والشك. ویمكن أن یكون هذا الخطاب دلیلاً على عدم الفرق بین العالم والجاهل بالنسبة إلى حكم الله‏ الواقعی، فإنّ مقتـضى الجمع بین هذا الخطاب ودلیل أصل التكلیف أنّ المأمور به هو طبیعة الصلاة وعنوانها إلّا أنّ لها فرداً بحسب حال الاختیار والعلم وهو الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء والشـرائط وفرداً بحسب حال الاضطرار أو الشكّ وهو الصلاة الفاقدة للسورة مثلاً، فكما أنّ الأوّل یكون موجباً للإجزاء فلیكن الثانی أیضاً مثله.

وعلى کلّ حال لا مانع من القول بإجزاء المأمور به بالأمر الظاهری بحسب مقام الثبوت كما أنّه لا إشكال فیه بحسب مقام الإثبات أیضاً، وقد ظهر وجهه ممّا قدّمناه.

وأمّا ما فی بعض الأذهان من تفویت المصلحة فی صورة تأدیة الحكم الظاهری إلى عدم جزئیة شیء مع كونه جزءً للمأمور به.

فیمكن أن یقال فی مقام رفعه بأنّ المصلحة كما یمكن أن تكون فی ذات المأمور به یمكن أن تحصل فیه بسبب تعلّق الأمر به، فأمر الشارع مثلاً بالصلاة المرکّبة من القیام

 

والسجود والركوع والتشهّد وغیرها یكون موجباً لحصول مصلحة فی الصلاة، كذلك أمره بالصلاة المركّبة من القیام والسجود والركوع غیر التشهّد مثلاً، سبب لحصول المصلحة المقصودة منها، ففی کلّ من الصورتین یمكن القول بعدم المصلحة إذا لم یتعلّق الأمر بها.

وبالجملة: فنحن لا نتصوّر معنىً للمصلحة فی هذه الموارد إلّا حصول التعبّد وإطاعة المولى، وهذا كما یمكن أن یحصل بإتیان الصلاة فی الصورة الاُولى، كذلك لا مانع من حصوله فی الصورة الثانیة أیضاً، وهذا معنى إیجاد الأمر المصلحة فی المأمور به.

ثم إنّه قد تلخّص من جمیع ما ذكرناه: أنّه وإن صار كلام المتقدّمین كالعلّامة والمحقّق وغیرهما موجباً لتوهّم تعدّد المأمور به فی حال الاضطرار وفی حال الشكّ والجهل ولذلك ذهبوا إلى عدم الإجزاء إلّا فی بعض الصور، ولكنّك بعد الإحاطة بما تلوناه علیك وبعد التدبّر فی كلماتهم تعرف أنّ مرادهم هو كون المكلّف به فی جمیع الموارد واحداً إلّا أنّ له أفراداً متعدّدة، فالمكلّف إذا أتى بما هو فرد للمأمور به أجزأ عنه، سواء كان ذلك الفرد فرداً له فی حال الاضطرار أو الاختیار أو فی حال العلم أو الجهل.

فمرادهم من الإجزاء أنّ المأمور قد أتى بما هو فرد للطبیعة المأمور بها، لأنّ المستفاد من قوله تعالى: ﴿فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أوْ رُكْبَاناً...([4]) الآیة؛ وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا...([5]) الآیة؛ وقوله×: «كلّ شیءٍ نظیف...» الحدیث؛([6]) وقوله×: «كلّ

 

ما شككت فیه ممّا قد مضى فأمضه كما هو»؛([7]) وغیرها أنّ الصلاة المأتیّ بها فی جمیع هذه الأحوال ولو كانت فاقدةً لجزءٍ أو شرطٍ هی فرد للصلاة المأمور بها.

هذا تمام الكلام فی مبحث الإجزاء. والحمد لله ربّ العالمین، وصلّى الله على خیر خلقه أجمعین محمّد وآله الطاهرین، ولعنة الله‏ على أعدائهم أجمعین.

 

 

 

([1]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج2، ص725 ـ 726.

([2]) راجع فی ذلك کتابنا: «أمان الاُمّة من الضلال والاختلاف».

([3]) الطوسی، عدّة الاُصول، ج2، ص725-726.

([4]) البقرة، 239.

([5]) المائدة، 6.

([6])الطوسی، تهذیب الأحکام، ج1، ص284-285، ب12، ح832/119، باب تطهیر الثیاب؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ج3، ص467، ب37، ح4.

([7]) الطوسی، تهذیب الأحکام، ج2، ص344، ح1426/14؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ج8، ص237-238، ب23، ح3.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: