پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

غرض صاحب الفصول من التقسیم المذكور

وغرضه من ذلك كلّه تصحیح القول بوجوب الأغسال اللیلیة للصوم، ووجوب تحصیل الزاد والراحلة قبل الموسم للحجّ؛ لأنّه بما أفاد لا مانع من القول بحالیة الوجوب فی الصوم والحجّ واستقبالیة الواجب.

ولا یخفى: أنّ مبنى هذا التقسیم أنّه+ تخیّل عدم إمكان تأخّر شرط الوجوب عن الوجوب فی الواجب الـمشروط. ورأى القول بأنّ الحجّ والصوم من الواجبات المشروطة المتداولة، موجب للقول بعدم وجوب مقدّماتهما الوجودیة مثل الغسل

 

وتحصیل الزاد والراحلة، فقسّم الواجب بالاعتبار المذكور حتى یتمّ القول بوجوب الغسل فی اللیلة السابقة ووجوب السیر إلى الحجّ وغیر ذلك.

ولا یذهب علیك: أنّ صاحب الفصول+ لم یقسّم الواجب إلى المطلق والمشروط والمعلّق بأن یكون المعلّق قسماً ثالثاً فی مقابلهما، حتى یقال: إنّ تقسیمه إلى المطلق والمشروط أمره دائر بین النفی والإثبات، فیلزم من تقسیم الفصول ارتفاع النقیضین وهو محال، بل ما یظهر من الفصول أنّه قسّمه إلى المطلق والمشروط باعتبار، وإلى المعلّق والمنجّز باعتبار آخر.

وكذا لا مجال للقول بأنّه+ قد جعل المعلّق قسماً من المطلق؛([1]) لأنّ من الواضح كون المعلّق قسماً للمشروط. وإنّما الفرق بین هذا وسائر أقسام الـمشروط: أنّ الـشرط فی المعلّق أمر اعتباریّ موجود فی الحال، وهو كونه بحیث یدرك الموسم أو یفی عمره بإدراك الوقت، بخلاف سائر أقسام المشروط؛ فإنّ الـشرط فیها لا یتحقّق إلّا بتحقّق زمان الواجب.

فظهر بزعمه+ أنّ المعلّق یكون من المشـروط وافتراقـه مـع سائـر أقسـام المشروط فی اعتباریة الشرط فیه ووجوده فی عالم الاعتبار قبل مجیء وقت الواجب، هذا.

ولكن لا فائدة لهذا التقسیم ولو سلّم أنّ الاُمور الاعتباریة یمكن أن توجد قبل وجود منشأ اعتبارها (مع أنّ التحقیق أنّ الأمر الانتزاعی الاعتباری لا یتحقّق إلّا بتحقّق منشأ انتزاعه)، لأنّا قد حقّقنا([2]) جواز تأخّر شرط التكلیف، عنه. ومراد صاحب الفصول& من هذا التقسیم تصحیح القول بوجوب بعض المقدّمات،

 

والتفـصّی عن الالتزام بوجوب المشروط قبل تحقّق شرطه كوجوب السیر إلى الحجّ قبل مجیء ذی الحجّة، فلو قلنا بوجوب السیر قبل ذی الحجّة من جهة وجوب الحجّ یلزم تحقّق وجوب الحجّ قبل شرطه ـ وهو مجیء ذی الحجّة ـ .

وقد عرفت فی ما مضى إمكان ذلك بناءً على القول بجواز تأخّر الـشرط عن المشـروط، وأنّ أمثال ذلك كثیر فی الشـرعیات، ولا حاجة للتـفصّی عن الإشكال المتوهّم فیها إلى التقسیم المذكور.

ومن هنا یظهر عدم لزوم المحال لو التزمنا بقول صاحب الفصول+، كما زعمه بعضهم. ولو دقّقنا النظر لعلمنا أنّ مقصوده من ذلك لا یكون إلّا بیان إمكان فعلیة الإیجاب واستقبالیة الواجب. وهذا كلام صحیح عبّر عنه بالواجب المعلّق، وإن شئت عبّر عنه بالواجب المشروط. ولا یمكن الذبّ عن الإشكال المذكور فی وجوب السیر إلى الحجّ وتحصیل الراحلة إلّا على القول بفعلیة الوجوب واستقبالیة الواجب. أو القول بأنّ أمثال هذه المقدّمات واجبة بالوجوب النفسی لا بالغیر، بل وجوبا نفسیاً للغیر، كما قد یظهر من بعض الأخبار والآیات الدالّة على وجوب هذه المقدّمات.

ثم إنّه قد حكى فی الكفایة إشكالاً عن بعض أهل النظر،([3]) والحقّ فی الجواب عنه ما أفاده& فیه. وأمّا الجواب بأنّ إتیان المقدّمات من باب التهـیّؤ لإرادة الفعل فیما بعد،([4]) ففاسد جدّاً؛ لأنّ إرادة المقدّمات إرادات تبعیة متولّدة من إرادة أصل الفعل وهی الشوق المؤكّد. والله تعالى یعلم الصواب، وهو الهادی إلى ما هو الحقّ فی کلّ باب.

 

ومنها: تقسیمه إلى الأصلی والتبعی

إنّ المحقّق القمّی& قسّم الواجب إلى الأصلی والتبعی.([1]) ومراده من الأصلی كما یستفاد من كلامه، هو: الواجب الّذی یحصل وجوبه من اللفظ ویثبت من الخطاب قصداً. وأمّا التبعی فهو: الّذی یكون وجوبه غیر مقصود للمتكلّم وإن كان یستفاد وجوبه من اللفظ أیضاً.

فالأوّل كقوله: «إن جاءك زید فأكرمه»، فإنّ دلالته على وجوب الإكرام عند المجیء مقصود للمتكلّم، وقد قصد من الخطاب ذلك.

والثانی، فمثل ما یستفاد من الآیتین الكریمتین: ﴿وَالْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَیْنِ كامِلَیْنِ﴾؛([2]) و ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً﴾؛([3]) فإنّه یستفاد من لحاظ الآیتین معاً كون أقلّ الحمل ستة أشهر، وأمثال ذلك من دلالات الإشارة. فكون أقلّ الحمل ستة أشهر لا یقصد من اللفظ فی الآیتین ولكنّهما تدلّان علیه بالالتزام، هذا.

والّذی ینبغی أن یقال: إنّ محصّل هذا: أنّ الواجب الأصلی هو ما یدلّ اللفظ على وجوبه دلالة أصلیة مقصودة للمتكلّم. والتبعیّ ما لم یكن كذلك.

وبعبارة اُخرى: الدلالة الأصلیة فی جمیع الموارد هی: دلالة اللفظ على معناه المقصود للمتكلّم. والدلالة التبعیة هی: دلالته على معنى غیر مقصود له، ولكن هذا إنّما یتمّ ویصحّ فیما تكون له حقیقة لا من جهة الإنشاء وسببیّته، كأقلّ الحمل. وأمّا مثل البعث والطلب الّذی لا یكون له وجود إلّا بسبب الإنشاء فلا یعقل دلالته علیه تبعاً، فبعد فرض كون تحصّل الطلب بإلقاء اللفظ وإنشائه قاصداً لمعناه لا یمكن تحصّله من غیر

 

أن یتحقّق إنشاء خاصّ كذلك، فلا یمكن دلالة اللفظ علیه تبعاً؛ لأنّ لازمه دلالة اللفظ على المعدوم، والحال أنّ العدم لا یشار إلیه ولا یخبر عنه.

ثم إنّه لا یخفى علیك: أنّ هذا التقسیم لا یعقل ولا یكون إلّا بحسب مقام الدلالة والإثبات.([4]) وأمّا بحسب مقام الثبوت فلا یمكن تصوّر تقسیمٍ غیر تقسیمه إلى النفسی والغیری، فلا مجال للقول برجوع هذا التقسیم إلى مقام الثبوت.([5])

ومنها: تقسیمه إلى النفسی والغیری

وقد یقال فی تعریفهما: بأنّ الواجب النفسی هو الّذی وجب لنفسه. والغیری ما وجب لغیره.

واُورد علیه: بأنّه یلزم من هذا التعریف أن تكون الواجبات الشرعیة جلّها بل كلّها سوى المعرفة واجبات غیریّة؛ لأنّها لیست مطلوبة بالذات بل تعلّق الطلب بها من أجل فائدة ومصلحة تترتّب علیها، فالصلاة مثلاً واجبة لأجل أنّها موجبة لحصول القرب وصفاء الروح وغیرهما.([6]) وبعبارة اُخرى: یلزم عدم صدق المعرِّف على کلّ ما صدق علیه المعرَّف.

واُجیب: بأنّ الواجب النفسی هو الواجب الّذی لا تكون فائدته ومصلحته وما اُمر لأجله مأموراً به، لأنّه لا یمكن أن یقع تحت الأمر والتكلیف، كالتقرّب إلى الله‏ وحصول الدرجات فی الجنة، فإنّ هذه الفوائد لیست اختیاریة حتى تقع تحت الأمر.

 

ولا یخفى ما فی هذا الجواب، فإنّ المقدور بالواسطة مقدور، فحصول القرب وإن كان ممّا لا یقدر علیه المكلّف ابتداءً لکنّه مقدور له مع الواسطة.

والأولى أن یجاب عنه: بأنّ الواجب النفسی هو الّذی تعلّق الإیجاب به بنفسه، بحیث یرى العرف تعلّقه به ابتداءً، وإرادة الآمر بإیجابه انبعاث المكلّف لإتیانه نفسه. والغیری ما كان إیجابه غیر متعلّق بنفسه بل یكون متعلّقاً فی الحقیقة بغیره، فلا یكون البعث إلیه إلّا بعثاً إلى غیره ولیس طلبه إلّا طلب غیره.

وبعبارة اُخرى: الواجب الغیری هو ما یمكن أن یقال: إنّه واجب باعتبار ولیس واجباً باعتبار آخر، فباعتبار أنّ الطلب تعلّق به ظاهراً هو واجب، وأمّا باعتبار أنّ المطلوب ما كان هو فی طریقه بحیث لا یرى العرف للطلب المتعلّق به وجوداً مستقلاً هو لیس بواجبٍ.

والحاصل: أنّ النفسی هو الواجب الّذی تعلّق به الوجوب بنفسه لا لأنّه واقع فی طریق غیره، والغیری هو الّذی تعلّق به البعث والطلب لا لنفسه ولا بنفسه حقیقة بل من جهة وقوعه فی طریق حصول واجب آخر، فالبعث والطلب فیه یكون راجعاً فی الحقیقة إلى واجب آخر هو ذو المقدّمة، ووجوب هذا الفعل الواقع فی طریقه یكون مندكّاً وفانیاً فیه، بحیث إنّ الآمر لا یرى عند إیجابه إلّا الغیر وحصول ذی المقدّمة من المكلّف. ولهذا یمكن أن یقال: بأنّه لا وجوب هنا حقیقة ولا طلب واقعاً، وأنّ الأوامر الغیریة أوامر إرشادیة صرفة راجعة إلى الأوامر النفسیة. ولو لم نقل ذلك، فلا ریب فی أنّ نحو وجود الأوامر الغیریة لا یكون إلّا وجوداً مندكّاً فی الغیر.

 

([1]) راجع: القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص100- 101،  ومواضع اُخری من کتابه الشریف.

([2]) البقرة، 233.

([3]) الأحقاف، 15.

([4]) کما فی القوانین (القمّی، ج1، ص101 102) (فی مقدّمة الواجب، المقدّمة السادسة والسابعة)؛ والفصول (الأصفهانی، ص82).

([5]) کما ذهب إلیه فی الکفایة (الخراسانی، ج1، ص194).

([6]) انظر الإشکال والجواب عنه فی الفصول (الأصفهانی، ص80)؛ هدایة المسترشدین (الأصفهانی، ص193)؛ مطارح الأنظار (الکلانتری الطهرانی، ص66).

 

 

([1]) والقائل به هو العلّامة الحائری+ فی درر الفوائد (ص106).

([2]) تقدّم فی الصفحة 162.

([3]) وهو المحقّق الملّا علیّ بن فتح الله النهاوندی، صاحب تشـریح الاُصول کما فی حاشیة الکفایة (ج1، ص161).

([4]) راجع: الأصفهانی، هدایة المسترشدین، ص217. ویستفاد أیضاً من بعض کلمات الفقیه الهمدانی&.

موضوع: 
نويسنده: