پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

استحقاق المثوبة والعقوبة

لا یخفى علیك: عدم استحقاق المكلّف الثواب بسبب موافقته للأمر النـفسی، بمعنى أن یكون له مطالبة الثواب والأجر من المولى وقبح منعه من قبل المولى. وهذا من جهة أنّ العبد مِلْك للمولى، فلو أمره المولى بفعل فامتثل وأطاعه لم یكن للعبد طلب الأجر منه؛ لأنّ المولى تـصرَّف فی ملكه، وعلى العبد امتثال أمره. بل كلّما اشتدّت العبودیة اشتدّ قبح طلب الأجر من المولى، فكیف بمن أنشأ العبد وخلقه وصوّره ونعّمه! وأیضاً الأوامر النفسیة كلّها ذات مصالح راجعة إلى العبد، والمولى غنیّ عن إطاعته، فقبیح من مثل هذا العبد طلب الأجر منه، كما أنّه یقبح على المریض الّذی عالجه الطبیب وأعاد صحّة بدنه وسلامته إلیه، لكن أمره بشرب المسهل ونهاه عن أكل البطّیخ مثلاً، أن یطلب من ذلك الطبیب الأجر على أنّه أطاع أمره وشَرب المسهل وانتهى عن أكل البطّیخ، بل لا یعدّ ذلك إلّا من نقص العقل.

فالثواب والأجر من المولى لا یكون إلّا رحمة وتفضّلاً منه.

وأمّا التعبیر بالأجر فی القرآن الكریم، كقوله تعالى: ﴿هُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾؛([1]) أو الجزاء، كقوله تعالى: ﴿وَلَنَجْزِیَنَّهُمْ﴾؛([2]) أو الثواب، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ یُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾،([3]) فإنّما هو لأجل كمال العنایة بهدایة العبد، كقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾.([4])

 

فعلى هذا، لا مجال للاعتناء بقول بعض المتکلّمین([5]) من أنّ التكلیف تحمیل المشقّة والكلفة، فعلى الحكیم إعطاء الأجر للمكلّف. هذا بالنسبة إلى الأوامر النفسیة.

وقد اتّضح من ذلك وجه عدم استحقاق الأجر والثواب لو أتى بالأوامر الغیریة ومقدّمات الواجبات النفسیة.([6]) نعم، لا مانع من التفضّل من قبله جلّ شأنه.

وأمّا الكلام فی استحقاق العقوبة على المخالفة، فلا یخفى أنّ العبد لو خالف أمر المولى فحیث یُعدّ طاغیاً علیه وخارجاً عن رسم العبودیة یستحقّ العقوبة بذلك، بمعنى أنّ للمولى عقابه. ولو عاقبه فلا یتصوّر قبح فی عقابه عبده العاصی، هذا فیما تكون المخالفة مخالفة للواجبات النفسیة، أو المحرّمات كذلك.

وأمّا العقاب على ترك المقدّمات ومخالفة الأوامر المتعلّقة بها، فلا مجال له أصلاً؛ لأنّ المخالفة لا تكون إلّا واحدة، فلیكن عقابها أیضاً كذلك.

 

([1]) آل عمران، 199.

([2]) النحل، 97؛ العنکبوت، 7.

([3]) آل عمران، 145.

([4]) البقرة، 245؛ الحدید، 11.

([5]) انظر البحث عند المتکلّمین فی أنوار الملکوت فی شرح الیاقوت (العلّامة الحلّی، ص170) (المسألة الاُولی من المقصد الثالث عشر)؛ وشرح القوشجی علی التجرید (ص284)؛ وشرح المقاصد (التفتازانی، ج5، ص125)؛ وإرشاد الطالبین (الفاضل المقداد، ص413)؛ والمسلك فی اُصول الدین (المحقّق الحلّی، ص17).

([6]) راجع: المستصفی من علم الاُصول لأبی حامد الغزالی، ج1، ص139؛ إشارات الاُصول (لکلباسی، ص72؛ مطارح الأنظار (الکلانتری الطهرانی، ص68)؛ کفایة الاُصول (الخراسانی، ج1، ص175) (الأوّل من التذنیبان).

موضوع: 
نويسنده: