شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

نقد الأقوال بالتفصیل

ولا یخفى علیك: أنّ مراد المفصّل (بین السبب وغیره) من السبب: الفعل المباشریّ الّذی هو تحریك العضلات كتحریك الید، ومن المسبّب: الفعل الّذی یوجد بعین تحریك العضلات من غیر توسط إرادة اُخرى بینه وبین الفعل كحركة المفتاح المسبّب من تحریك الید وكذا انفتاح الباب، فالفعل الحاصل من السبب من غیر توسط إرادة بینه وبین حصول ذلك الفعل هو المسبّب كتحریك المفتاح وانفتاح الباب. إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الوجه الّذی توهّم للقول بالتفصیل هو عدم قدرة المكلف على المسبّب فی الأفعال التولیدیة وأنّ الأمر فیها یتعلّق بالسبب.

وقد ظهر فساد هذا التوهّم ممّا ذكرناه سابقاً عند البحث فی أنّ الأوامر المتعلّقة بالمسبّبات ظاهراً هل هی متعلّقة بها حقیقة أو لا؟ وقلنا بإمكان تعلّقها بالمسبّبات أیضاً حقیقةً، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور. مضافاً إلى أنّه ولو كان لکلّ من تحریك الید وتحریك المفتاح وانفتاح الباب وجوداً مستقلّا وإیجاداً كذلك لاتّحاد الوجود والإیجاد من جهة أنّ الفرق بینهما لیس إلّا أنّ ما وجد إذا نسب إلى الفاعل نسمّیه بالإیجاد وبالنسبة إلى نفسه یسمّى بالوجود، ولكن من جهة ملاحظة حصول هذه الثلاثة من فاعل واحد وعدم توسیط إرادة اُخرى بین تحریك الید وحركة المفتاح وانفتاح الباب تعدّ فعلاً واحداً، فلا مانع من تعلّق الأمر بالمسبّب أیضاً.

هذا، مضافاً إلى أنّ التفصیل خارج عمّا هو محلّ النزاع فی مبحث المقدّمة، وإنّما هو نزاع آخر فی متعلّق الأمر النفسی، وأنّه السبب أو المسبّب؟ فیكون أجنبیّاً عمّا نحن فیه.([1])

وأمّا وجه توهّم التفصیل بین الشرط الشرعی وغیره، فهو ما یتراءى من وقوع

 

بعض الواجبات فی الخارج كالصلاة والصوم وغیرهما من غیر تحقّق شرائطها، فلو لم نقل بوجوب الشرط یلزم حصول الموافقة بمجرّد حصول الواجب، ومن الواضح بطلانه، فهذا دلیل تقیّد الواجب بشرطه كالطهارة مثلاً، فالصلاة المقیّدة بها على نحو یكون القید خارجاً والتقید داخلاً تكون متعلّقة للوجوب. وبعبارة اُخرى: إنّ متعلّق الوجوب هو الصلاة الواقعة بعد الغسلتین والمسحتین، وحیث لا یمكن تعلّق الوجوب بالتقیّد فلابدّ من تعلّقه بالقید الّذی یكون منشأً لانتزاع التقیّد.

وفیه: أنّ الأمر المتعلّق بالقید الّذی یكون منشأً لانتزاع التقیّد هو عین الأمر بالتقیّد؛ لأنّ الأمر المتعلّق بالتقیّد راجع فی الحقیقة إلى منشأ انتزاعه والوجوب المتعلّق به وجوب نفسیّ.

هذا، مضافاً إلى إمكان إنكار وقوع ذی المقدّمة بدون شرطه الـشرعی، ودعوى رجوع الشرط الشرعی إلى العقلی، فالصلاة لا تقع فی الخارج إلّا بعد حصول مقدّمتها وهی الطهارة، وإن كان بحسب الظاهر یتخیّل وقوعها بدون مقدّمتها؛ لأنّه ربما كان المأمور به عنواناً ینطبق على أفعال خاصّة مشروطة بوجود اُمور معها بحیث لا ینطبق ذلك العنوان إلّا بعد حصول تلك الشروط، مثل عنوان الصلاتیة؛ فإنّه لا ینطبق على القیام والركوع والسجود وغیرهما إلّا بعد حصول المسحتین والغسلتین، فتحقّق هذا العنوان فی الخارج لا یمكن إلّا بهذا الشرط. والعقل وإن لم یدرك توقّف حصول هذا المأمور به وانطباق عنوانه على هذه الأفعال مقیّدة بهذا القید، ولكنّ الشرع كشف عن ذلك بخطاب إرشادیّ كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَیْدِیَكُمْ... الآیة.([2])

 

 

([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص203.

([2]) المائدة، 6.

موضوع: 
نويسنده: