پنجشنبه: 30/فرو/1403 (الخميس: 9/شوال/1445)

مقدّمات البحث

والمحقّق الخراسانی& وإن كان فی مقام تلخیص الاُصول وإلغاء القشور والزوائد وأخذ ما هو اللبّ فی جمیع المطالب، ولكن قد وقع فی هذا المقام وغیره فیما كان یفرّ منه، فما صار كتابه مصوناً من هذه القشور والزوائد. وفی ما نحن فیه أیضاً قدّم قبل الخوض فی الكلام اُموراً لیس فی كلّها كثیر فائدة، بل بعضها یكون خالیاً عن الفائدة وینبغی إلغاؤه.

الاُولى: ممّا ینبغی إسقاطه، من مقدّمات البحث، ونحن نسقطه فی هذا المقام هو البحث المذكور فی الكفایة عن مرادهم من «الواحد». وتمام مراده فی هذه المقدّمة إثبات أنّ المراد بالواحد لیس الواحد الشخصی بل ما هو أعمّ منه ومن الكلّی؛ لأنّه كما یمكن تعلّق الأمر بالواحد الشخصی لأجل عنوان وتعلّق النهی به أیضاً بعنوان آخر، كذلك یمكن تعلّقهما بالواحد الكلی. ومثّل له بالصلاة فی المغصوب، فإنّها كلّی مقول على كثیرین، فیتعلّق الأمر بها من جهة تعنونها بعنوان الصلاتیة والنهی من جهة تعنونها بعنوان الغصبیة.([1])

ولا یخفى ما فی هذا الكلام، فإنّ ما هو منشأ الآثار وملاك الاستحالة والامتناع عند القائل به هو اتّحاد العنوانین وجوداً وفی عالم الخارج لا مفهوماً، فلا مانع من تعلّق الأمر والنهی بالكلّی من جهة واحدة أیضاً؛ لأنّه لیس موجوداً ولا یوجد فی الخارج، فالاجتماع

 

فیها لیس حقیقیاً فلا یدخل فی نزاع النفی والإثبات. بخلاف الواحد الشـخصی، فإنّ تعلّق الأمر والنهی به ـ حیث إنّه یوجد فی الخارج ـ محال وممتنع، كما لا یخفى.([2])

الثانیة: الأمر الثانی من الاُمور الّتی ذكرها المحقّق الخراسانی&،([3]) وینبغی تأجیلها إلى تنبیهات البحث لا ذكرها فی المقدّمة.

الثالثة: البحث عن كون المسألة من المسائل الاُصولیة، أو المبادئ الأحكامیة، أو التصدیقیة، أو من المسائل الكلامیة.([4]) وحیث إنّا قد استقصینا الكلام فی ما هو الملاك لاُصولیة المسألة وموضوع علم الاُصول، فلا مجال بعد المراجعة إلى ما ذكرناه للقول باُصولیة هذه المسألة بل الصحیح عدّها من المبادئ الأحكامیة.

الرابعة: وهی أیضاً غیر محتاجه إلى البیان، وقد ذكرها فی الكفایة بأنّ المسألة عقلیة.([5])

لأنّا نبحث فیما هو المقصود من أنّه هل یجوز أمر المولى بحیثیة لها فرد یكون منطبقاً لحیثیة اُخرى مزجوراً عنها أو لایجوز؟ ـ على ما فصّلناه فی بدایة البحث ـ سواء كان الأمر والنهی والإیجاب والتحریم بدلالة العقل أو اللفظ.

 

الخامسة:([6]) عدم اعتبار وجود المندوحة وعدمها فی النزاع([7]) وهذا أیضاً واضح؛ لأنّ ما هو المهمّ فی المقام لزوم المحال واجتماع الحكمین المتضادّین وعدم لزومه، ولا یتفاوت هذا بوجود المندوحة وعدمها وإن كان القائل بالجواز لابدّ وأن یقیّده بوجودها حتى لا یلزم محذور التكلیف بالمحال.

السادسة: ردّ فی الكفایة ابتناء النزاع على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع.([8])

ولا یخفى فساده؛ لأنّه لو قلنا بعدم ابتنائه على ذلك ومجیء النزاع ولو كان متعلّقها الأفراد یلزم تعلّق الحكمین بواحد شخصی على القول بالجواز، ووحدة الإضافات الزجریة والبعثیة؛ وذلك لأنّ المفروض وحدة الباعث والزاجر وكذا المكلّف فی الأمر والنهی وأیضاً المزجور عنه والمأمور به، فیلزم منه وحدة تلك الإضافات.

لا یقال: إذا ارتفع غائلة الامتناع بتعدّد الوجه والعنوان على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع، یرتفع أیضاً لو قلنا بتعلّقها بالأفراد؛ فكما أنّه یمكن أن یكون وجود واحد مأموراً به من جهة انطباق الطبیعة المأمور بها علیه ویكون منهیّاً عنه من جهة انطباق الطبیعة المنهیّ عنها علیه ولا یضرّ ذلك بتعدّد الطبیعتین، كذلك لا مانع من تعدّد الفردین واتّحادهما فی الخارج یكون فرداً للمأمور به وبعینه فرداً للمنهیّ عنه، فیجری فیه النزاع أیضاً.

فإنّه یقال: قد مرّ فیما سبق أنّ معنى تعلّق الحكم بالفرد تعلّقه به بخصوصیاته، ومع ذلك لا یعقل جواز تعلّق الأمر والنهی بالفرد فی مرتبة واحدة.

والقول بأنّ هذا ممكن من جهة كون الفرد فرداً ومصداقاً للطبیعة المأمور بها وفرداً للطبیعة المنهیّ عنها.

 

مندفع بأنّه خارج عمّا نحن فیه؛ لأنّ الحكم بكون الفرد فرداً للطبیعة المأمور بها من جهة اشتماله على الطبیعة وكذلك فی جانب النهی، اعتراف بتعلّق الأمر والنهی بالطبیعة لا بالفرد.

السابعة: ما ذكره+ من لزوم أن یكون لکلّ واحد من متعلّقی الإیجاب والتحریم مناط حكمه.([9])

ولیس له مساس بمحلّ النزاع؛ فإنّ النزاع واقع فی إمكان تعلّق الأمر بحیثیة وتعلّق النهی بحیثیة كانت النسبة بینهما عموماً من وجه، فالقائل بالجواز یقول بالإمكان عقلاً، وقع ذلك فی الخارج أم لا، والقائل بالامتناع یقول بعدم الإمكان كذلك عقلاً، وأنّه لابدّ وأن تكون النسبة بین الحیثیتین التباین.

فالأولى ذكره فی ثمرة النزاع بأنّ الثمرة تظهر فیما إذا كان إیجاب وتحریم كذلك، وكان فی کلّ من متعلّقهما مناط حكمه مطلقاً حتى فی مورد التصادق، ففی هاهنا یقول القائل بالجواز بكون المورد محكوماً بحكمین، والقائل بالامتناع یقول بكونه محكوماً بأقوى المناطین، أو بحكم آخر غیرهما إذا لم یكن أحدهما أقوى.

فالأولى ذكر الأمر الثامن وكذلك الأمر التاسع والعاشر بعد البحث عن أصل المسألة وتحقیق الحقّ فیها.

إذا عرفت ذلك كلّه، فندخل فی أصل البحث بعون الله تعالى.

 

([1]) الخراسانی، کفایه الاُصول، ج1، ص233 234.

([2]) لا بأس هنا بأن نذکر الفرق بین الواحد الجنسـی أو النوعی وبین الواحد بالجنس أو النوع بأنّ الثانی عبارة عن الوحدات الّتی تتشخّص فی الخارج کالإنسان والفرس المتّحدین فی الحیوانیة، وزید وعمرو المتّحدین فی الإنسانیة، وأمّا الجنسی والنوعی فهما نفس الجنس والنوع کالحیوان والإنسان اللذین لا یتحقّقان فی الخارج إلّا بتحقّق أفرادهما. فما هو خارج عن نزاع الاجتماع بین الأمر والنهی هو الواحد الجنسـی والنوعی، لأنّهما من المفاهیم وهی متباینة بالذات فی موطنها فلا مجال لاجتماعها فی عالم المفهوم اجتماعاً حقیقیاً کما فی عالم الخارج، وهذا بخلاف الواحد بالجنس أو النوع فإنّ موطنهما الخارج کالواحد الشخصی، فیمکن النزاع المذکور فیها. [منه دام ظلّه العالی].

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص234.

([4]) الخراسانی، کفایه الاُصول، ج1، ص236. وذهب المحقّق القمّی+ إلی أنّها من المسائل الکلامیة (قوانین الاُصول، ج1، ص140). وعدّها المحقّق النائینی+ من المبادئ التصدیقیة. (فوائد الاُصول، ج2، ص400).

([5]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص237.

([6]) لا یخفی أنّ الأمر الخامس فی الکفایة أمر آخر مرّت الإشارة إلیها قبیل الشروع فی مقدّمات البحث.

([7]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص239.

([8]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص239-240.

([9]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص241.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: