شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

الأمر الأوّل:
فی تعریف المطلق والمقیّد

قد عُرّف المطلق: بأنّه ما دلّ على شائع فی جنسه.([1])

وقال فی الكفایة: بأنّه قد أشكل علیه بعض الأعلام بعدم الاطّراد والانعكاس.([2]) وقد ذكرنا مراراً أنّ هذه التعاریف لیست تعاریف حقیقیة وما یقع فی جواب السؤال عن «ما» الحقیقیة، وإنّما تكون تعاریف لفظیة بسببها یشیر المتکلّم إلى ما هو الموجود فی الذهن.([3])

ولكن لا ینبغی لنا الاكتفاء بهذا الكلام فی المقام، بل لابدّ من معرفة الإطلاق والتقیید وموارد إطلاقهما، فنقول:

أمّا تعریفهم بأنّ المطلق ما دلّ على شائعٍ فی جنسه، فإمّا أن یكون المراد أنّ المطلق ما له أفراد متعدّدة بأن یكون الشیوع والتكثر بحسب الأفراد. وبعبارة اُخرى: یكون كلّیاً یصدق على أفراده المتكثّرة، والمقیّد ما لم یكن كذلك.

فمن الواضح عدم إفادة هذه العبارة هذا المعنى؛ ولو قیل بأنّ المطلق ما دلّ على شائع فی أفراده لكان أولى.

 

وإمّا أن یكون مرادهم من هذا التعریف أنّ المطلق ما له أفراد متعدّدة وشائع فی أفراده ویكون صدقه على جمیع أفراد طبیعة واحدة على سبیل البدلیة على السواء. وبعبارة اُخرى: یكون صادقاً على فرد من أفراد الطبیعة الواحدة لا على نحو التعیین حتى یشمل أسماء الأجناس والنكرة وغیرهما؛ ولذلك قالوا: إنّ المطلق ما دلّ على شائع فی جنسه لا فی أفراده.

ففیه: أنّ التعریف لا یفی لإفادة هذا أیضاً.

وعلى کلّ حال: ففی هذا التعریف مضافاً إلى أنّ ظاهره كون الإطلاق والتقیید راجعین إلى اللفظ ومن صفات الألفاظ دون المعانی، یلزم منه أن تكون المعانی الجزئیة مثل معنى «زید» و«الأفعال» من المقیّدات مع أنّ الظاهر عدم صحّة إطلاق المقیّد علیهما، وأن تكون المعانی الكلیة مثل معانی «أسماء الأجناس» وكلّ ما هو موضوع لمعنى كلّی من المطلقات ولو لم یكن تمام الموضوع للحكم، فیصحّ إطلاق المطلق مثلاً على الرقبة المذكورة فی قولنا: «أعتق رقبة مؤمنة» مع اتّفاقهم على عدم صحّة إطلاق المطلق علیها. وبناءً علیه یكون اللفظ مبایناً مع المقیّد فالمطلق غیر المقیّد والمقیّد غیر المطلق، ویكون بعض الألفاظ متّصفاً بالإطلاق دائماً وبعضها متّصفاً بالتقیید كذلك.

هذا، والّذی یقتضیه التحصیل وملاحظة كلمات الاُصولیّین والفقهاء وموارد إطلاقاتهم:([4]) أنّ الإطلاق والتقیید لیسا من صفات الألفاظ، بل ما یتّصف بهما لیس إلّا المعنى. ولا یكاد أن یوجد لفظ متّصف بالإطلاق دائماً ولفظ متّصف بالتقیید كذلك، بل ربما یتّصف لفظ بملاحظة معناه بالإطلاق تارة، وبالتقیید اُخرى، كما یمكن أن لا یكون متّصفاً بواحد منهما أصلاً، بل طبع اللفظ ـ كما سیتّضح ـ صالح

 

لأن یتّصف باعتبار المعنى بالإطلاق والتقیید، فلا یلزم أن یكون دائماً موصوفاً بأحدهما؛ ألا ترى أنّ لفظ «الرقبة» إذا لم یكن موضوعاً لحكم من الأحكام لا یصحّ إطلاق المطلق أو المقیّد علیه، وأمّا إذا كان مأخوذاً فی موضوع حكم فتارة: یطلق علیه المطلق مثل الرقبة المذكورة فی كفّارة الیمین، وتارة: یطلق علیه المقیّد كما فی كفّارة قتل الخطأ، وربما یكون إطلاقه وتقییده مختلفاً فیه كما فی كفّارة الظهار.

فعلى هذا، نقول: کلّ معنى من المعانی الّتى تكون لها الشیاع والـسریان ولو كان جزئیّاً، كالأعلام الشخصیّة والجزئیات الحقیقیة، الّتی لا مانع من فرض الشیاع والسریان فیها ولو كان بحسب الحالات والأزمنة والأمكنة، وكان موضوعاً لحكم من الأحكام بحیث یشمل هذا الحكم جیمع حالاته وأفراده، یكون مطلقاً.

وكلّ معنى كان له هذا الشیاع والسریان وكان موضوعاً لحكم من الأحكام ولكن كان فی موضوعیّته للحكم بحیث لم یشمل ذلك الحكم جمیع أفراده أو حالاته لخصوصیّة لاحظها الحاكم فی موضوعه، یكون مقیّداً.

وقد اتّضح ممّا ذكرنا فی المقام أوّلاً: أنّ النزاع فی المقام لیس واقعاً فی لفظ المطلق والمقیّد وما هو بالحمل الأوّلی الذاتی مطلق ومقیّد، بل النزاع واقع فیما هو بالحمل الشائع الصناعی مطلق أو مقیّد ویحمل علیه بهذا الحمل المطلق أو المقیّد.

وثانیاً: أنّه لیس لنا ألفاظ مخصوصة مطلقة وألفاظ مخصوصة مقیّدة، بحیث لا یمكن تطوّر الإطلاق فی المقیّد والتقیید فی المطلق، حتى یكون کلّ من المطلق والمقیّد قسماً من الألفاظ كالاسم والفعل والحرف، ولذا یتّصف لفظ واحد تارة بالإطلاق واُخرى بالتقیید كما مرّ.([5])

 

وثالثاً: أنّ إطلاق المطلق والمقیّد على الألفاظ إنّما هو باعتبار المعنى وبالعرض لا باعتبار نفس ذاتها. وسیظهر لك([6]) أنّ اتّصاف المعانی بهما لیس باعتبار ذواتها.

ورابعاً: أنّ الإطلاق عبارة عن: تساوی جمیع أفراد مفهوم فی موضوعیته للحكم. والتقیید عبارة عن: عدم تساوی أفراده فی الموضوعیة.

وقد ظهر أیضاً كون الإطلاق والتقیید من الاُمور الإضافیة. وكون التقابل بینهما تقابل العدم والملكة.

 


([1]) شرح العضدی علی مختصر ابن الحاجب، ص284؛ العاملی، معالم الدین، ص150؛ القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص321؛ الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص217؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص215.

([2]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص218.

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص376.

([4]) راجع: الشریف المرتضی، الذریعة إلی اُصول الشـریعة، ج1، ص275 277؛ الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص329 333.

([5]) آنفاً فی الصفحة السابقة.

([6]) بعد قلیل فی نهایة الأمر الثانی من هذا المقصد.

موضوع: 
نويسنده: