پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

جواز المخالفة مع جعل البدل

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكر أنّه لا یتمّ القول بجواز المخالفة الاحتمالیة مع جعل البدل؛([1]) فإنّ جعل البدل إن كان فی مقام الواقع بأن یجعل شیئاً عدلاً له ولو بخطاب آخر فی صورة عدم العلم التفصیلی بالمكلّف به، فیرجع إلى الوجوب التخییری، فیكون المکلّف مخیراً بینهما، وهو خارج عن محلّ الفرض، لأنّ الكلام واقع فیما إذا علم وجوب شیء معیّن وبعث المولى نحوه مع تردّد متعلّقه بین شیئین، دون أن یكون کلّ واحد منهما متعلّقاً لبعثه وزجره على سبیل التردید النفس الأمری. هذا، مضافاً إلى أنّ الشیخ+ لا یجوّز أخذ العلم بالموضوع فی حكم نفس هذا الموضوع،([2]) كأن یقال: إذا جزمت بالجزم التفصیلی بوجود الخمر فاجتنب عنه.

وإن كان المراد جعل البدل فی مقام الظاهر، فبعد فرض فعلیة الحكم الواقعی وعدم

 

مانع عن انبعاث العبد به لا مجال لجعل البدل فی مقام الظاهر والالتزام بشأنیة الحكم وتأخّره عن مرتبة الفعلیة الّتی وصل إلیها.

وما فی بعض الكلمات من انحفاظ موضوع الحكم الظاهری فی مورد العلم الإجمالی، فإنّ موضوعه إنّما یكون الشكّ فی التكلیف وهو موجود بالنسبة إلى کلا المشتبهین.

ففیه: أنّ جعل الحكم الظاهری كما ذكرنا إنّما یصحّ فی مورد یكون الخطاب المتكفّل للحكم الواقعی قاصراً عن بعث المکلّف نحو الفعل أو زجره عنه، والشكّ الّذی یكون موضوعاً للحكم الظاهری إنّما یكون كذلك إذا كان ملازماً لشأنیة الحكم الواقعی وقصور خطابه عن البعث أو الزجر لا مطلقاً. ففی الحقیقة یكون موضوع الحكم الظاهری شأنیة الحكم الواقعی وقصور خطابه عن بعث العبد وتحریكه نحو الفعل وإن كان هذا ملازماً للشكّ فی الحكم الواقعی.

ثم إنّه قد تلخّص من جمیع ما ذكرناه أنّه فی مورد العلم الإجمالی بالتكلیف والقطع بتعلّق إرادة المولى على سبیل الحتم بفعل شیء أو تركه، لا مجال للقول بصحّة جعل البدل وجواز المخالفة، لعدم الفرق بین المخالفة الاحتمالیة والقطعیة فی ذلك. ولا یوجب تردّد هذا الشیء ـ المعیّن المتعلّق لإرادة المولى ـ بین شیئین صحّة جعل البدل وتجویز المخالفة، مع حفظ العلم بتعلّق إرادته الحتمیّة به، من غیر فرق فی ذلك بین الشبهة المحصورة وغیرها.

إن قلت: إنّ تجویز المخالفة والاكتفاء بأحد الطرفین واقع فی الشـرع، مثل موارد إجراء قاعدة الفراغ، وغیرها.

قلت: قد حقّقنا فی مبحث الإجزاء([3]) أنّ دلیل قاعدة الفراغ ونظائرها من القواعد إنّما تجعل المأتیّ به الناقص فی ظرف الشكّ فرداً للمأمور به كالفرد التامّ الأجزاء، ولا

 

فرق بینهما فی الامتثال والإجزاء، فلا یكون بدلاً عن الواقع لیكون المأمور به غیره واكتفى الشارع به عنه.

ثم إنّه لا یذهب علیك: أنّ ما نسب إلى المحقّق الخوانساری والقمی+ من القول بعدم تنجّز التكلیف إذا تعلّق به العلم الإجمالی.

لیس فی محلّه؛ فإنّ مرادهما عدم تنجّز التكلیف إذا قامت علیه حجّة إجمالیة غیر العلم، فإنّ التكلیف بشیء معیّن مشروط بالعلم التفصیلی بذلك الشیء، لأنّ الطاعة لا تحصل إلّا بقصد التعیین، فلو أراده المولى ولم یبینه لزم تأخیر البیان عن وقت الحاجّة، فلا یتنجّز التكلیف بالحجة الإجمالیة. ولا ضیر فی مخالفة هذا التكلیف الّذی قام علیه غیر القطع من الحجج الإجمالیة، إلّا إذا قام علیه إجماع كالإجماع القائم على عدم جواز ترك صلاتی الظهر والجمعة معاً بأن لا یأتی بواحدة منهما.

وأمّا إذا علم إجمالاً بأنّ المولى أراد فعلاً معیناً بالإرادة الحتمیة غیر المشـروطة بشـیء من العلم بذلك الشیء، فلا یسعه إلّا تحصیل الموافقة القطعیّة.

فالمحقّقان المذكوران موافقان لنا فی تنجّز التكلیف إذا تعلّق به العلم الإجمالی.

وأمّا إذا كان غیر العلم من الحجج مجملاً، فلا مانع من جواز المخالفة القطعیة فضلاً عن الاحتمالیة، مثلاً: إذا تردّد الخمر بین مائعین، وكان دلیل وجوب الاجتناب عن الخمر المعیّن فی البین إطلاق «اجتنب عن النجس» أو «لا تشـرب الخمر». أو دار الأمر بین وجوب صلاة الظهر والجمعة من جهة قیام روایة على وجوب الظهر وقیام روایة اُخرى على وجوب الجمعة، ولم نقل بتساقطهما بالتعارض. فلا مانع فیما إذا كان من هذا القبیل من تجویز المخالفة الاحتمالیة بل والقطعیة، وسیجیء إن شاء الله‏ تعالى توضیح ذلك فی مبحث البراءة مفصّلاً.

هذا کلّه فی إثبات أصل التكلیف بالعلم الإجمالی.

 


([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص242.

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص3 - 4.

([3]) تقدّم فی الصفحة 146 من المجلّد الأوّل من هذا الكتاب.

موضوع: 
نويسنده: