جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

ردّ تفصیل القمّی+

وكیف كان، فالّذی ینبغی أن یقال جواباً عن هذا التفصیل: عدم ابتناء بناء العقلاء فی حجّیة الظواهر على جریان أصالة عدم القرینة، بمعنى أنّهم یبنون أوّلاً على عدم وجود القرینة وعدم الغفلة بسبب الأصل، ثم یأخذون بظاهر اللفظ.

بل یتّبعون ظاهر اللفظ ویحتجّون به فی موارد الاحتجاج من غیر توجّه إلى ذلك، لأنّ بناءَهم استقرّ على أنّ صدور الفعل من الفاعل وهو التكلّم بالإرادة والاختیار لأجل تحصیل غایته الطبیعیة الّتی تترتّب علیها وهو فی المقام إفهام الغیر وإفادة المعنى الّذی یكون اللفظ ظاهراً فیه، وهذا كما ترى لیس متوقّفاً ومبتنیاً على إجراء أصالة عدم الغفلة والقرینة.

 

والحاصل: أنّ التفصیل بین من قصد إفهامه وبین غیره إن كان لمجرّد ذلك، فلا وجه له أصلاً. ألا ترى عدم صحّة اعتذار العبد ـ إذا لم یكن مقصوداً بالإفهام ومع ذلك علم أنّ المولى أمره ـ : بأنّی لم أكن مقصوداً بالإفهام.

وإن كان لاختلافهما من جهات اُخرى، فإن كان لاحتمال وجود قرینة حالیة اتّكل علیها المتکلّم فی إفهام مراده؛ فلا فرق فی عدم الاعتناء به بین المقصود بالإفهام وغیره، فكما أنّ المقصود بالإفهام یأخذ بظهور اللفظ ولو لم یكن مخاطباً به، یأخذ غیره أیضاً بظهور اللفظ.

وإن كان لاحتمال اتّكاله فی إفهام مراده على ما هو الموجود فی ذهن من قصد إفهامه؛ فهذا الاحتمال أیضاً ممّا لا اعتناء به عند العقلاء. مضافاً إلى وجود هذا الاحتمال بالنسبة إلى من قصد إفهامه أیضاً، لاحتمال اتّكال المتکلّم على بعض ما فی ذهن المقصود بالإفهام.

وإن كان لاحتمال اتّكاله على القرینة المنفصلة؛ فلا یضرّ ذلك باستقرار الظهور، إلّا أنّه یجب الفحص عنها ـ كما بیّناه فی مبحث جواز التمسّك بعموم العامّ قبل الفحص عن المخصّص وعدمه ـ من غیر فرق بین المقصود بالإفهام وبین غیره.

والحاصل: أنّا لم نجد فرقاً بینهما فی حجّیة الظهور، فهذا التفصیل بظاهره غیر متین.

ثم إنّه قد أفاد بعض الأعاظم من المعاصرین ـ كما فی تقریرات بحثه ـ بأنّا لو سلّمنا ما أفاده المحقّق القمّی+ من التفصیل، لكنّه لا تتمّ النتیجة الّتی رتّبها علیه من حجّیة مطلق الظنّ، فإنّ الأخبار والروایات بالنسبة إلینا تكون مثل كتب التألیف والتصنیف، لأنّ نقلة الروایات فی مبدء السلسلة كانوا هم المخاطبین بالكلام غالباً، وقد اعترف المفصّل بأنّ ظاهر الكلام حجّة فی حقّهم، وبعد ذلك اُودعت تلك الروایات فی الاُصول ثم فی الجوامع والكتب، ولابدّ أن یكون الراوی عن الإمام×

 

یودع أو ینقل ما سمعه من الكلام مع کلّ ما احتفّ به من القرائن الحالیة والمقالیة، لأنّ غرضه من نقله هو إفهام الغیر، فتكون الكتب المودّعة فیها الروایات كالكتب المؤلّفة الّتی اعترف بحجّیة ظواهرها لكلّ من نظر فیها وقرأها.([1])

وفیه: أنّ المقصود بالإفهام فی روایة رواها مثلاً محمد بن یعقوب الكلینی، عن محمد بن یحیى، عن محمد بن الحسین، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله×  لیس إلّا محمد بن مسلم، وأمّا محمد بن مسلم فیحكی ما صدر من الإمام× وینقل لفظه، ومقصوده إفهام العلاء بأنّ الإمام قال هكذا، لا إفهام مراد الإمام، ومراد العلاء أیضاً فی نقله إفهام صفوان أنّ محمد بن مسلم قال هكذا، وهكذا صفوان ومن روى عنه، ولیس مرادهم من کلامهم إفهام ما أراد الإمام. فعلى هذا، لا یكون غیر محمد بن مسلم ـ الّذی هو مخاطب للإمام فی المثال ـ مقصوداً بالإفهام بالنسبة إلى متن الروایة المنقولة عن الإمام×. هذا تمام الكلام فی التفصیل المنسوب إلى المحقّق القمّی+.

 

([1]) الخراسانی، فوائد الاُصول، ج3، ص139.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: