جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الاستدلال بالسنّة على حجّیة خبر الواحد

من الأدلّة الّتی تمسّكوا بها لإثبات حجّیة خبر الواحد، السنّة.

ولیعلم: أنّ ما یظهر من اُصول الشافعی المسمّى بالرسالة تمسّكه لحجّیة خبر الواحد بالسنّة فقط، ولم یذكر الآیات من الأدلّة أصلاً. ویظهر من ذلك أنّ الاستدلال بالآیات لم یكن معهوداً بینهم فی الصدر الأوّل، فلا مجال لاستنكار إنكار تمامیة الاستدلال بالآیات لكونه إنكاراً لما تمسّك به الأوائل لحجّیة خبر الواحد. وعلى کلّ حال، فلا یجب علینا إلّا متابعة الدلیل، فلو لم یتمّ الاستدلال بالآیات فلیس لنا أن نلتزم بتمامیته، ذكرها القدماء من جملة الأدلّة أم لم یذكروها.

ولا یخفى علیك: أنّ تمسّكه بالروایات إن كان بأخبار الآحاد بحیث كان دلیله على حجّیة خبر الواحد هو خبر الواحد نفسه، فلا إشكال فی فساده واستحالته. وإن كان استدلاله بها من باب دعوى تواترها، فإمّا یراد منه التواتر اللفظی أو المعنویّ أو الإجمالیّ.

فإن اُرید بالتواتر فی المقام التواتر اللفظی؛ فلا إشكال فی عدم تحقّق هذا التواتر، ومن ادّعاه فلا تسمع دعواه، لأنّه لا یوجد لفظ دالّ على حجّیة الخبر متواتراً بأن أخبر جماعة ـ یمتنع عادة تواطؤهم على الكذب ـ بصدور هذا اللفظ الدالّ على هذا المعنى من المعصوم×.

وإن اُرید به التواتر المعنوی بأن أخبر جماعةٌ ـ یمتنع تواطؤهم على الكذب عادةً ـ

 

عن المعصوم بحجیة خبر الواحد، لكن لا بلفظٍ واحدٍ بل بألفاظٍ مختلفةٍ بحیث كان غرضهم من إخبارهم بذلك مجرّد نقل حجّیة خبر الواحد عن المعصوم من دون عنایة باللفظ الصادر منه؛ فهو أیضاً غیر متحقّق فی المقام قطعاً.

وإن كان المراد من دعوى التواتر دعوى التواتر الإجمالی، كأن یدّعى دلالة الروایات الكثیرة الواردة فی الموارد المختلفة ـ الّتی تكون بحیث یمتنع تواطؤ رواة کلّ واحدة منها على الكذب، ویقطع بصدق واحدة منها ـ على حجّیة خبر الواحد بالالتزام، بأن كان لازم جمیع هذه الروایات المختلفة حجّیة خبر الواحد؛ فهو ممّا ینبغی الاعتناء به ویصغى إلیه وإن كان على مدّعیه إثباته.

فعلى هذا، لا یتمّ الاستدلال بالأخبار على حجّیة خبر الواحد إلّا إذا ثبت تواترها الإجمالی.

ولا یخفى علیك: أنّ لدعوى ذلك مجالاً إذا كان المدّعی من الإمامیة لسعة دائرة السنّة عندنا، فإنّها عبارة عن قول النبیّ والأئمّة صلوات الله علیهم وفعلهم وتقریرهم، بخلاف العامّة، فإنّهم جعلوا أنفسهم ـ من هذه الجهة ـ فی ضیقٍ وتركوا الرجوع إلى العترة ـ الّتی اُمروا بالرجوع إلیها ـ فالسنّة عندهم عبارةٌ عن قول النبیّ| وفعله وتقریره.

وإذ قد عرفت ذلك، فاعلم: أنّ ما یظهر من الشیخ+ فی رسائله هو التمسّك لحجّیة الخبر بطوائف أربع من الروایات:

الاُولى: بعض ما ورد فی الخبرین المتعارضین المسمّى بالأخبار العلاجیة مثل: ما رواه صاحب عوالی اللئالی.([1])

الثانیة: ما یستفاد منه إرجاع بعض الناس إلى بعض الرواة مثل: زرارة، ومحمد بن

 

مسلم، وأبی بصیر، وغیرهم.

الثالثة: ما یستفاد منه الإرجاع إلى الرواة بطریق العموم لا إلى أشخاص معیّنین. فالفرق بین هذه الطائفة والطائفة الثانیة أنّ فی الثانیة اُمروا بالرجوع إلى أشخاص معیّنین بخلاف الطائفة الثالثة.

الرابعة: بعض الأخبار الدالّة على الأمر بأخذ الأخبار أو كتابتها وغیر ذلك؛ فإنّه یستفاد منها وجوب الأخذ بما یرویه الراوی أو ما كتبه أحد الرواة، لأنّ فائدة حفظ الروایات وكتابتها لیس إلّا الأخذ بها.

وقد أفاد الشیخ+ بأنّه وإن لم یمكن الاستدلال بكلّ فردٍ فردٍ من هذه الروایات إلّا أنّه یمكن الاستدلال بمجموعها.([2])

وفیه: أنّ المجموع لیس إلّا الأفراد، فإن لم تكن الأفراد قابلة لأن یستدلّ بها فكیف یكون المجموع قابلاً له؟ هذا.

ویمكن أن یزاد على الطوائف الّتی ذكرها الشیخ+ من الأخبار طوائف اُخرى:

إحداها: الروایات الواردة فی احتجاجات الأئمّة^ مع علماء المخالفین فی باب القضاء.([3])

ثانیتها: الروایات الدالّة على أنّ الأئمّة^ یبعثون بعضاً من خواصّهم أو أصحابهم لتبلیغ الأحكام وبیان الفتاوى.([4])

ثالثتها: الروایات الدالّة على أنّ الشیعة یبعثون رجلاً من بینهم للاستفتاء

 

وسؤال الأحكام عن الأئمّة^ وأنّهم كانوا یعملون بما یخبرهم من أرسلوه للسؤال عن الأحكام.

رابعتها: الأخبار الدالّة على أنّ أصحاب الأئمّة^ إذا اختلفوا فی مسألة من المسائل واستند الآخذ بأحد طرفی المسألة فی مقابل الآخر بروایةٍ یرویها عن المعصوم قبل منه ولا یردّ مختاره فی المسألة([5]). نعم، ربما یردّ قوله لعدم إفادة ما رواه لرأیه، ولكن لا یردّون روایته قدحاً فی سندها. فتدل هذه الطائفة بالالتزام على إمضاء الأئمّة^ العمل بخبر الواحد.

وغیر هذه الطوائف من الروایات الّتی یطّلع علیها المتتبّع فی الروایات فی موارد كثیرة. فظهر ممّا ذكرنا صحّة دعوى التواتر الإجمالی فی المقام، وإمكان إثبات تواتر هذه الروایات الكثیرة إجمالاً.

 

([1]) وهی المرویّة عن العلّامة المرفوعة إلى زرارة.

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص84 - 88. وقد فصّل فیه بذكر الروایات وتحلیلها، فراجع.

([3]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، ج27، ص19، ب3، ح 9،  ص47-48، 51، ب 6، ح 27، و ح 33، وغیرها كثیرة فی كتاب القضاء.

([4]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضی، ج27، ص33، ب 5، ح 8 .

([5]) انظر: الکلینی، الكافی، ج6، ص423، ح 7 ؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضی، ج27، ص37 38، ب 6، ح 2 و ص206- 208ص86، ب 14، ح 1، وأبواب القراءة فی الصلاة، ب 46، ح 2، وأبواب صلاة المسافر، ب 25، ح 33، وأبواب المواقیت، ب 8، ح 13 و ح 33 و ب 18، ح 19، وأبواب القبلة، ب 2، ح 2، وكتاب المواریث، أبواب موجبات الإرث، ج26، ص86، ب 8، ح 4، وكتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادة، ب 2، ح 12، وكتاب الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، أبواب الأمر والنهی، ب 30، ح 1 و 2، وغیرها كثیرٌ.

موضوع: 
نويسنده: