چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

تقریرات الشیخ للإجماع

إذا عرفت ذلك، فاعلم: أنّ الشیخ قد ذكر فی تقریر الإجماع وجوهاً:

أحدها: إجماع العلماء جمیعاً ـ عدا السیّد وأتباعه ـ على حجّیة خبر الواحد.

ثانیها: دعوى إجماع العلماء على نحو یكون السیّد وأتباعه داخلین فی المجمعین، وتقریره:

إمّا بادّعاء إجماع العلماء على وجوب العمل بالخبر غیر العلمی فی مثل زماننا هذا وشبهه ممّا انسدّ فیه باب القرائن المفیدة للعلم بصدق الخبر، فإنّ الظاهر أنّ السیّد إنّما منع عن حجّیة الخبر غیر العلمی سواء كان فی الكتب المعروفة أم لا، لعدم الحاجة إلى مثل هذا الخبر فی زمانه لوجود قرائن مفیدة للعلم.([1])

وإمّا بادّعاء حجّیة الأخبار المدوّنة فی الجوامع المعتبرة ووجوب العمل بها عند الكلّ وإن كانت وجه وجوب العمل بها عند السیّد وابن إدریس احتفافها بالقرائن المفیدة للعلم.

ثالثها: استقرار سیرة المسلمین بما أنّهم مسلمون وإجماعهم على استفادة الأحكام الشرعیة من أخبار الثقات، وهذا كاشف عن مطابقة ذلك للواقع قطعاً.

 

والفرق بینه وبین بناء العقلاء: أنّ السیرة عبارة عن تداول فعل بین المسلمین وإجماعهم على عمل بما أنّهم مسلمون، بحیث یعدّ ذلك ممّا یمتازون به عن غیرهم ویختصّون به دون غیرهم، وذلك علامة مطابقة ما استقرّت سیرتهم علیه مع الواقع قطعاً.

رابعها: دعوى إجماع أصحاب النبیّ| على العمل بخبر الواحد إجماعاً عملیاً.

خامسها: استقرار طریقة العقلاء بما أنّهم عقلاء على ذلك، وهو أیضاً كاشف قطعیٌّ عن مطابقة ما استقرّت علیه السیرة مع الواقع.

وقد أفاد فی طریق تحصیل الإجماع على الوجه الأوّل بأنّ طریق تحصیله أحد الوجهین على سبیل منع الخلوّ:

أحدهما: تتبّع أقوال جمیع العلماء من زمان الشیخین إلى زماننا هذا، فیحصل من ذلك القطع بالاتّفاق، وهو كاشفٌ عن رضا الإمام× بالحكم، أو وجود نصّ معتبرٍ عند الكلّ.

ثانیهما: تتبّع الإجماعات المنقولة.

ثم ذكر ادّعاء الشیخ الإجماع على حجّیة خبر الواحد، وذكر كلامه المحكیّ عنه فی العُدّة([2]) بطوله. وذكر أیضاً ادّعاء الإجماع من السیّد رضیّ الدین علیّ بن طاووس، ومن العلاّمة والمجلسی قدّس سرّهم.

وأفاد فی جواب الإشكال ـ بأنّ ذلك لا یفید القطع بتحقّق إجماع العلماء ـ: أنّ هذا الإجماع ـ مضافاً إلى كون مدّعیه هؤلاء الأكابر من العلماء ـ معتضد بقرائن كثیرة تدلّ على صدق مضمونه، وتوجب القطع بتحقّقه.

منها: ما ادّعاه الكشّی من إجماع العصابة على تصحیح ما یصحّ عن جماعة.([3]) فإنّه لا معنى للتصحیح المجمع علیه إلّا عملهم به.

 

ومنها: دعوى النجاشی كون مراسیل ابن أبی عمیر مقبولة عند الأصحاب.([4]) وهذا کلامٌ یدلّ على عمل الأصحاب بخبر الواحد إذا كان راویه ثقة. ولیست مقبولیة مراسیله لأجل القطع بالصدور، بل لأجل أنّه لا یروی إلّا عن الثقة، كما لا یخفى. وقد ادّعى الشهید فی الذكرى أیضا هذا الاتّفاق. وعن كاشف الرموز تلمیذ المحقّق: أنّ الأصحاب عملوا بمراسیل البزنطی.

ومنها: ما ذكره ابن إدریس فی رسالة «خلاصة الاستدلال» الّتی صنّفها فی مسألة فوریة القضاء فی مقام دعوى الإجماع على المضایقة، وأنّها ممّا أطبقت علیه الإمامیة إلّا نفرٌ یسیرٌ من الخراسانیّین. قال فی مقام تقریب الإجماع: إنّ ابنی بابویه، والأشعریّین كسعد بن عبد الله وسعید بن سعد ومحمد بن علیّ بن محبوب، والقمیّین أجمع كعلیّ بن إبراهیم ومحمد بن الحسن بن الولید عاملون بالأخبار المتضمّنة للمضایقة؛ لأنّهم ذكروا أنّه لا یحلّ ردّ الخبر الموثوق برواته. انتهى.

فهو، ـ أی ابن إدریس+ ـ استدلّ على مذهب الإمامیة بذكرهم لأخبار المضایقة وذهابهم إلى العمل بروایة الثقة.

ومنها: کلام المحقّق+ فی المعتبر الّذی یستفاد منه بأنّ العلماء قد یعملون بخبر المجروح كما یعملون بخبر العدل وإن لم یكن مفیداً للعلم.([5])

ومنها: ما ذكره الشهید ـ  رفعت درجته ـ  فی الذكرى، والمفید الثانی ابن شیخنا الطوسی+ من عمل الأصحاب بشرائع الشیخ أبی الحسن علیّ بن بابویه+ عند إعواز النصوص تنزیلاً لفتاویه منزلة روایاته.

 

ومنها: شهادة المحدّث المجلسی+ فی البحار بأنّ عمل أصحاب الأئمّة^ بالخبر غیر العلمی متواترٌ بالمعنى.

ومنها: ما ذكره البهائی+ بأنّ الصحیح عند القدماء: ما كان محفوفاً بما یوجب ركون النفس إلیه. وذكر فیما یوجب الوثوق اُموراً لا تفید إلّا الظنّ. ومعلوم أنّ الصحیح هو المعمول به، ولیس هذا مثل الصحیح عند المتأخّرین فی أنّه قد لا یعمل به لإعراض الأصحاب عنه أو لخللٍ آخر، فالمراد أنّ المقبول عندهم ما تركن إلیه النفس وتثق به.([6])

هذا ملخّص ما أفاده الشیخ ـ رضوان الله تعالى علیه ـ  فی المقام فی عدّة صفحات.([7])

 

([1]) راجع إبطال العمل بأخبار الآحاد، رسائل الشریف المرتضى، ج3، ص312.

([2]) الطوسی، العدّة  فی اُصول الفقه، ج1، ص126 - 127.

([3]) الكشی، رجال، ص206 و322 و466.

([4]) النجاشی، رجال، ص326، رقم، 887.

([5]) المحقّق الحلّی، المعتبر، ج1، ص29 .

([6]) البهائی، مشرق الشمسین، ص269.

([7]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص 88 -  98 .

موضوع: 
نويسنده: