جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الإجماع عند الإمامیة

وأمّا الإمامیة،([1]) فلیس هذا الإجماع عندهم حجّة رأساً وبنفسه لو تحقّق، بل بملاك دخول الإمام فی المجمعین، وكونه واحداً من الفقهاء وأهل الحلّ والعقد، لعدم خلوّ

 

زمان التكلیف من إمامٍ معصومٍ على ما تقتضیه اُصول مذهبهم، بل هم أركان الأرض([2]) وأمانٌ لأهلها([3]) وأعدال الكتاب([4]) وسفن النجاة.([5])

لا یقال: إذا كان ملاك حجّیة الإجماع عندكم رأی الإمام المعصوم من غیر أن یكون لغیره دخل فی الحجّیة فما وجه عنوان الإجماع فی كتبكم وذكره فی کلماتكم وعدّه من جملة الأدلّة؟

فإنّه یقال: إنّ القوم، أی العامّة سبقونا فی طرح مسألة الإجماع فی كتبهم، فذكرناها ورددنا علیهم وأوضحنا ما هو الحقّ فیها، ولو لم یسبقنا هؤلاء فی ذلك لم تذكر هذه المسألة فی كتبنا.

هذا مضافاً إلى أنّ بعضهم كصاحب الغنیة والسیّد+([6]) إنّما أرادوا بالإجماع المتكرّر ذكره قول المعصوم×، والتعبیر بالإجماع عن قول المعصوم لمكان كون تصنیفاتهم غالباً فی مقابل العامّة وفی أوساطهم الفقهیة، فیمكن أنّهم أرادوا بذلك الجری على مجراهم فی كتبهم حتى لا یدخل النزاع الواقع بینهم فی الإمامة ـ الّتی من لوازمها حجّیة قول المعصوم فی جمیع الأعصار ـ فی کلّ واحدة من المسائل الفقهیة، فذكروا فی

 

أوّل كتبهم مرادهم من الإجماع وما یقتضیه اُصول مذهبهم، وعبّروا عن قول الإمام بالإجماع، وأشاروا إلى أنّ مرادهم لیس ما أراده العامّة.

هذا کلّه فیما یتعلّق بالإجماع بالمعنى الّذی فسّر به فی کلّمات العامة وهو: إجماع أهل الحلّ والعقد من اُمّة محمد| فی عصرٍ واحدٍ على أمرٍ.

وأمّا إجماع غیرهم كاتّفاق طائفةٍ خاصّةٍ، فإن كانوا غیر الفقهاء والعلماء كأهل الحِرف والصنائع فلا کلام فی عدم حجّیة إجماعهم.

وأمّا إن كان ذلك اتّفاق علمائنا، أی علماء الإمامیة على مطلب، فقد قیل بحجّیته لوجهین:

أحدهما: قاعدة اللطف، كما أفاد الشیخ+ وهی: أنّ علماء الإمامیة إذا اتّفقوا على مطلبٍ وكان خلاف الواقع یجب على الإمام ـ بمقتضى هذه القاعدة ـ الإظهار أو إلقاء الخلاف، فحیث وقع الاتّفاق نقطع بموافقة قول الإمام لأقوال المجمعین لا محالة.

ونقل مخالفة السیّد+ لهذا البیان، ومَنْعه لزوم موافقة الإمام لما استقرّ علیه رأی علمائنا واتّفقوا علیه، أو إلقاء الخلاف إذا كان رأیه مخالفاً لرأی هؤلاء المجمعین.

وأجاب عن بیان السیّد+ بأنّ ذلك لو تمّ لبطلت جمیع استدلالات أصحابنا بالإجماع، وأنت خبیر بأنّ بطلان استدلال من استدلّ بالإجماع لا یوجب القول بحجّیته.([7])

فهذا الكلام بظاهره غیر مستقیم، وقد استشكل علیه بعده أكثر الفقهاء.

ثانیهما: دعوى الحدس، بتقریب: أنّ اتّفاق جمیع فقهائنا مع اهتمامهم ودقّتهم فی الفتاوى وعدالتهم كاشفٌ عن موافقة فتواهم لرأی الإمام وملازمٌ لقول المعصوم إمّا لكون نفس ذلك الاتّفاق كاشفاً عن إصابتهم للواقع وموافقة رأیهم لرأی الإمام، أو

 

لملازمة ذلك لوجود دلیلٍ معتبرٍ، أو روایةٍ معتبرةٍ عند الكلّ وكشف ذلك الاتّفاق عنه.

وفیه: أنّ المسألة المجمع علیها إن كانت من المسائل العقلیة أو المسائل الّتی للعقل دخل فی استنباطها فلیس لازمه القطع برأی الإمام أو وجود روایةٍ معتبرةٍ؛ لأنّا نرى أنّ أهل المعقول كثیراً ما أجمعوا على أمرٍ عقلیٍّ مع ظهور خلافه وبطلانه بعد زمان طویلٍ، وهذا كاتّفاقهم فی كثیرٍ من المسائل المذكورة فی الطبیعیات مع ظهور بطلان ما اتّفقوا علیه فی زماننا.

وإن لم یكن كذلك كالاُصول المتلقّاة، فدعوى ملازمة إجماعهم للقطع برأی الإمام أو وجود دلیل معتبرٍ قریبةٌ جدّاً. وأمثلة ذلك كثیرة فی الفقه، مثل مسألة العول والتعصیب الّتی ذهبت الإمامیة فیها إلى خلاف العامّة، ولذا قلنا مكرّراً: إنّ فی المسائل التفریعیة لا اعتناء بدعوى إجماع الفقهاء، بل لا اعتداد بإجماعهم لدخالة العقل فی استنباط أحكامها، بخلاف الاُصول المتلقّاة والمسائل المعنونة فی كتب القدماء لعدم دخل شیءٍ فی استنباطها إلّا السمع والنقل، ولیس للعقل فیها سبیلٌ. فما لیس طریقه منحصراً فی السمع والنقل بل یكون العقل دخیلاً أیضاً فی استنباطه لیس إجماعهم فیه كاشفاً عن رأی الإمام ومستلزماً لوجود دلیلٍ معتبرٍ أو روایةٍ معتبرةٍ. بخلاف المسائل النقلیة المحضة، فإنّه لا مانع من الملازمة المذكورة فیها، ومن یدّعیها فلیس بمجازفٍ. هذا تمام الكلام فی أصل الإجماع.

 

([1]) راجع: الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه،  ج2، ص628 .

([2]) الکلینی، الكافی، ج1، ص198، ح 3، و 196، ح 1، و 197، ح 2؛ المفید، الاختصاص، ص21؛ الصفّار، بصائر الدرجات، ص199، ح1؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج6، ص28، ح53 ؛ الصدوق، من لا یحضـره الفقیه، ج2، ص591، ح 3197؛ ابن قولویه القمی، كامل الزیارات، ص45.

([3]) أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ج2، ص671، ح 1145؛  الدیلمی، فردوس الأخبار، ج4، ص311، ح 6913؛ القندوزی، ینابیع المودّة، ج1، ص71، ح1؛ الطوسی، الأمالی، ص379، ح812 ؛ الحاکم النیسابوری، المستدرك، ج3، ص162، ح 4715.

([4]) بمقتضى حدیث الثقلین، وقد سبق تخریجه.

([5]) الحاکم النیسابوری،  المستدرك، ج3، ص163، ح4720؛ القندوزی، ینابیع المودّة، ج1، ص94، ح5 ؛ الطوسی، الأمالی، ص60، ح 88 ؛ الطبری، بشارة المصطفى، ص63، 145.

([6]) راجع: الشریف المرتضی، الانتصار، مقدّمة المؤلّف؛ الشریف المرتضی، الذریعة إلی اُصول الشـریعة، ص630.

([7]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه،  ج2، ص631 .

موضوع: 
نويسنده: