پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

الأمر الثانی: إشكال الاحتیاط فی العبادة

لا ریب فی حسن الاحتیاط فی الشبهات التحریمیة والوجوبیة العبادیة وغیرها، إلّا

 

أنّه فی الشبهة الوجوبیة لمّا كان الاحتیاط لا یتحقّق إلّا بالإتیان بالفعل بجمیع أجزائه وشرائطه، یشكل تحقّقه إذا كان عبادیاً ودار الأمر بین الوجوب وغیر الاستحباب، بل بین الوجوب وغیر الحرام، لأنّ من الشرائط المعتبرة فیها نیّة القربة وهی تتوقّف على العلم بالأمر المفروض انتفاؤه.

ورد ذلك تارة:([1]) بأنّ الأمر بالفعل الّذی یؤتى به احتیاطاً ولاحتمال كونه متعلّقاً لأمر المولى وإن كان لا یعلم تعلّق الأمر به بعنوانه الأوّلی، لكنّه متعلّق به بعنوان الاحتیاط لحسنه المستتبع للأمر به بقاعدة الملازمة، ویكفی فی وقوعه عبادةً بنیّة القربة الإتیان به بقصد إطاعة ذلك الأمر.

ورد هذا: بأنّ تعلّق الأمر الاحتیاطی بالفعل فرع تحقّق الاحتیاط به، ومادام لم یثبت ذلك لم یثبت الأمر به، فتحقّق الاحتیاط بالفعل من مبادئ الأمر به ولا یتحقّق الأمر بدونه، وتحقّق الأمر به متوقّفٌ على تحقّق الاحتیاط به.

هذا مضافاً إلى أنّه یقال:([2]) إنّ الأمر بالاحتیاط لیس أمراً مولویاً یترتّب على الإتیان به الثواب والقربة، بل هو إرشادیٌ، كالأمر بالإطاعة، ولا یوجب إتیان الفعل بقصده القربة والامتثال؛ لأنّ الأمر الحقیقیّ الّذی موافقته بقصده توجب القربة هو الأمر المتعلّق بالفعل الداعی إلیه والّذی یكون محرّكاً للعبد نحوه، والأمر بالاحتیاط إرشادٌ إلى حسن الإتیان بالفعل المحتمل كونه مأموراً به، كالأمر بالطاعة، غیر أنّ الثانی إرشادٌ إلى الفعل المعلوم كونه مأموراً به، والأوّل إرشادٌ إلى المحتمل كونه كذلك. وبالجملة: حسن الاحتیاط لا یكون كاشفاً عن تعلّق الأمر المولویّ به بنحو اللمّ، كما أنّ ترتّب

 

الثواب علیه لا یكون كاشفا بنحو الإنّ، بل هو نحوٌ من الانقیاد والطاعة لو لم یصادف الواقع ویستحقّ فاعله المدح والثواب، فتأمّل.

وتارة اُخرى یقال: بأنّ الاحتیاط ـ كما أفاده الشیخ+ ـ هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جمیع الجهات عدا نیّة القربة، فمعنى الاحتیاط بالصلاة: الإتیان بجمیع ما یعتبر فیها عدا قصد القربة، فأوامر الاحتیاط تتعلّق بهذا الفعل وحینئذ فیقصد المکلّف فیه التقرّب بإطاعة هذا الأمر، ومن هنا تتّجه الفتوى باستحباب هذا الفعل وإن لم یعلم المقلِّد كونه ممّا شكّ فی أنّه عبادة ولم یأت به بداعی احتمال المطلوبیة. ولو اُرید بالاحتیاط معناه الحقیقی وهو إتیان الفعل لداعی احتمال المطلوبیة لم یجز للمجتهد أن یفتی باستحبابه إلّا مع التقیید بإتیانه بداعی الاحتمال حتى یصدق علیه عنوان الاحتیاط، مع استقرار سیرة أهل الفتوى على خلافه. فعلم أنّ المقصود إتیان الفعل بجمیع ما یعتبر فیه عدا نیّة الداعی.([3])

وأورد علیه: سیّدنا الاُستاذ+ فی الحاشیة على الكفایة.

أوّلاً: بأنّ ذلك مستلزم للقول بخروج العبادة عن كونها عبادة وصیرورتها واجباً توصّلیاً، مع أنّ موضوع البحث هو الفعل التعبّدی لا التوصّلی.

وثانیاً: بعدم الدلیل على حسن الاحتیاط فی العبادات بدون قصد القربة فیها، لأنّه فی العبادة لیس من الاحتیاط بشیء. 

وثالثاً: بأنّ ذلك التزامٌ بالإشكال، وهو عدم إمكان الاحتیاط فی العبادة.

ورابعاً: بأنّ ذلك مستلزمٌ لما لا یلتزم به الشیخ+ أیضاً من كفایة الامتثال بنفس العمل بغیر قصد القربة ولو أتى به رئاءً أو بداعٍ نفسانیٍّ.([4])

 

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ كفایة الاحتیاط بمجرد الإتیان بالفعل المطابق للعبادة یستفاد من ترغیب الشارع فی العبادة مع عدم إمكان الإتیان به بنیّة القربة بدلالة الاقتضاء. وما ذكر غایة ما یمكن الإتیان به فی العبادات احتیاطاً، فتأمّل.

هذا کلّه على القول بكون القربة المعتبرة فی العبادة مثل سائر الـشرائط والأجزاء المعتبرة فیها مأخوذةً فی متعلّق الأمر وواقعة تحت الأمر بها كسائر الأجزاء والـشرائط. وأمّا على القول بعدم أخذ قصد التقرّب ونیّة القربة فی متعلّق الأمر، والبناء على أنّ متعلّق الأمر فیها أوسع ممّا یحصل به الغرض، غیر أنّ العقل یدلّنا على اعتبار القصد المذكور فی حصول الغرض، فیكون الإتیان بالاحتیاط ـ كما أفاده فی الكفایة ـ بمكانٍ من الإمكان، ضرورة التمكّن من الإتیان بما احتمل اعتباره فی المأمور به بتمامه وكماله، غایة الأمر أنّه یلزم علیه أن یأتی به على نحو یكون محصّلاً للغرض، ویكفی فی ذلك الإتیان به بداعی احتمال الأمر واحتمال المحبوبیة.([5])

وفی تقریرات سیّدنا الاُستاذ+: أنّه إذا قلنا بكفایة احتمال الأمر فی حصول الغرض، فلا فرق بین أن تكون نیّة القربة مأخوذةً فی متعلّق الأمر أم لا تكون مأخوذةً فیه، وكذلك إن قلنا بعدم الكفایة وقلنا بلزوم الجزم فی القصد فی حصول الغرض لا فرق بین القولین والوجهین.([6]) انتهى.

وبعبارة اُخرى نقول: إنّ العبادیة والقربة إن كانت تتحقّق بإتیان الفعل بداعی احتمال الأمر به، فهی كما تتحقّق إذا لم یكن قصد القربة مأخوذاً فی المأمور به وأتى به احتیاطاً وبداعی احتمال أمر المولى، تتحقّق إذا أتى بما تكون القربة والعبادیة مأخوذة فیه باحتمال الأمر به.

 

وبعبارة ثالثة: یتحقّق الاحتیاط بفعل ـ لو كان هو المأمور به كان قصد القربة مأخوذاً فیه بنحو الجزئیة أو الشرطیة ـ باحتمال الأمر به، وإن لا یكفی احتمال الأمر فی تحقّق الاحتیاط وحصول الغرض، فلا فرق بین القول بأخذ القربة فی المأمور به فی العبادة والقول بعدم اعتباره، فتدبّر.

ثم إنّه لا یخفى علیك فساد التمسّك([7]) ـ لإثبات جریان الاحتیاط فی العبادات ـ بأخبار «من بلغه ثواب...»؛ فإنّ هذه إن قیل بدلالتها على استحباب العمل الّذی ورد فی الترغیب علیه خبرٌ ضعیف بعنوان نفسه أو بعنوان كونه مورداً للخبر، فهذا لیس من الاحتیاط بشیءٍ. وإن قیل بدلالتها على حسن الاحتیاط، فیعود الإشكال فی العبادات.

 

 

 

([1]) نقله فرائد الاُصول (الأنصاری، ص228).

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص228.

([3]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص229.

([4]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص246.

([5]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص195 - 196.

([6]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص247.

([7]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص229.

موضوع: 
نويسنده: