شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

التنبیه الرابع: حكم ملاقی بعض أطراف المعلوم بالإجمال

إنّما یحكم العقل بوجوب الاحتیاط بالاجتناب عن الأطراف فی الشبهة التحریمیة والإتیان بها فی الوجوبیة؛ لأنّ الیقین بالامتثال یكون متوقّفاً على تركها أو فعلها، ولا یتعدّى الحكم إلى غیرهما. وإن كان واقعاً محكوماً بحكم أحد الطرفین.

ففیما علم بنجاسة أحد الماءین یكفی فی امتثال النهی المتعلّق بشرب النجس فی البین ترك شربهما، أمّا الماء الّذی لاقى أحدهما فلا یجب الاجتناب عنه وإن كان هو فی الواقع یكون محكوماً بحكم ما لاقاه.

فیجب الاجتناب عن الملاقى ـ بفتح القاف ـ الماء الّذی كان طرف العلم الإجمالی، ویجوز ارتكاب الملاقی ـ بكسر القاف ـ الماء الثالث. وذلك لحصول القطع باجتناب النجس فی البین وامتثال التكلیف بالاجتناب عن الطرفین، وأمّا الملاقی ـ بالكسـر ـ فالشبهة بالنسبة إلیه بدویّة، فإنّه لو صار نجساً بالملاقاة یكون التكلیف بالاجتناب عنه تكلیفاً آخر، لكونه نجساً آخر.

 

ویستفاد من الكفایة فی المسألة:([1]) أنّه إن كان الملاقی ـ بالكـسر ـ خارجاً عن الأطراف یكون الشكّ بدویّاً لا یوجب الاجتناب عنه، كما لو وقعت الملاقاة بعد العلم الإجمالی بالنجس فلا یجب الاجتناب عن الملاقی ـ بالكسـر ـ وذلك لأنّ مقتضـى العلم الإجمالی المذكور لیس إلّا الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ وطرفه الآخر، دون الملاقی ـ بالكسر ـ وإن كان هو محكوماً بحكم الملاقى لو كان هو النجس المعلوم بالإجمال، فالملاقی ـ بالكسر ـ فی هذه الصورة حیث یكون خارجاً عن الأطراف لا یجب الاجتناب عنه.

وقد یكون الملاقى خارجاً عن الأطراف دون الملاقی ـ بالكسـر ـ كما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبین ولاقى أحدهما المعیّن مع ما یقع طرفاً بعد ذلك للعلم الإجمالی بنجاسته أو بعض أطراف العلم الأوّل؛ فإنّ الملاقى ـ بالفتح ـ وإن كان طرفاً للعلم الثانی إلّا أنّه لا یكون تعلّق العلم الإجمالی الثانی به منجّزاً لوجوب الاجتناب عنه إن كان نجساً واقعاً، وذلك لأنّ طرفه من أطراف العلم الإجمالی الأوّل المنجّز به. وعلى هذا، یكون الملاقی ـ بالكسر ـ واجب الاجتناب دون الملاقى ـ بالفتح ـ لعدم كونه طرفاً للعلم الإجمالی المنجّز.

وكما إذا حصلت الملاقاة أوّلاً كأن لاقى شیءٌ أحد المائعین وصارا متعلّقین للعلم الإجمالی بنجسٍ بینهما وخرج الملاقی ـ بالكسر ـ حال حدوث العلم عن مورد الابتلاء، ففی حال حدوثه یكون الملاقى ـ بالفتح ـ واجب الاجتناب دون الملاقی، فإن صار مبتلىً به بعده یكون الشكّ فی وجوب الاجتناب عنه من الشكّ البدویّ، كما أنّه إذا لم یخرج الملاقی ـ بالكسر ـ عن محلّ الابتلاء یكون هو والملاقى طرفاً واحداً للطرف الآخر، وهذه الصورة هی الصورة الثالثة المذكورة فی الكفایة.

 

هذا، ولكن السیّد الاُستاذ أورد على اُستاذه+: بأنّ الحكم بعدم لزوم الاجتناب فی المقام لیس مبتنیاً على ما أفاد، أی خروج الملاقی عن الأطراف، بل الحقّ فی المقام ما حقّقه الشیخ+([2]) من عدم لزوم الاجتناب عن الملاقی مطلقاً من غیر فرقٍ بین تقدّم العلم على الملاقاة أو تقدّمها علیه؛ فإنّ الأصل المسبّبی فی الملاقی ـ بالكسـر ـ یجری مطلقاً بعد عدم جریان الأصل السببی بالمعارضة فی طرفی الشبهة. وهذا ظاهرٌ فی صورة تقدّم العلم بالنجاسة على العلم بالملاقاة. وأمّا فی صورة تقدّم العلم بالملاقاة على العلم بالنجاسة فإنّه وإن كان یحصل العلم إمّا بنجاسة الملاقی والملاقى أو طرفه إلّا أنّ الأصل الّذی هو فی رتبة الأصل الجاری فی الطرف هو الأصل الجاری فی الملاقى ـ بالفتح ـ وهما یسقطان بالتعارض والحكم فیهما الاحتیاط بالاجتناب عن کلا الطرفین وفی الملاقی ـ بالكسر ـ تجری أصالة الطهارة.

هذا مضافاً إلى أنّه یرد على الكفایة، كما أفاد السیّد الاُستاذ+: أنّه بعد حصول العلم بالنجاسة والملاقاة یحصل العلم بنجاسة الملاقی والملاقى أو الطرف الآخر، فیكون کلاهما طرفاً للآخر، كما إذا وقعت قطرةٌ من الدم فی هذا الإناء المعیّن أو فی الإناءین الآخرین، فیحكم العقل بلزوم الاجتناب عن کلّها حتى الملاقی كما یحكم بوجوب الاجتناب عن الإناء المعیّن والإناءین الآخرین فی المثال المذكور. نعم، الفرق بین المثال والمقام وجود المؤمّن فی المقام وهو الأصل الجاری فی الملاقی دون المثال، فتدبّر جیّداً.

هذا، وأمّا الاستدلال بلزوم الاجتناب عن الملاقی بقوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾.([3])

ففیه: أنّ شمول الآیة الكریمة لملاقی الرجز المعلوم بالتفصیل ممنوعٌ، فكیف به إذا كان بالعلم الإجمالی! والله ولیّ التوفیق.

 

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص224 ، 227.

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، 253 - 254.

([3]) المدّثّر، 5. استدلّ بها ابن زهرة فی الغنیة (ص46)؛ ونقل عنه فی فرائد الاُصول (الأنصاری،ص252- 253).

موضوع: 
نويسنده: