جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الأصل الشرعی فی دوران الأمر بین الأقلّ والأكثر

وأمّا الكلام بحسب النقل والبراءة الشرعیة، فاعلم: أنّه قد حكی فی تقریرات

 

سیّدنا الاُستاذ([1]) اتّفاقهم على جریان البراءة النقلیة فی المقام حتى عن مثل المحقّق الخراسانی القائل بعدم جریان البراءة العقلیة، وإن كان الظاهر منه فیما أفاده فی هامش الكتاب العدول عن ذلك، كما یأتی بیانه.

ولا یخفى علیك جریان البراءة الشرعیة على مبنى السیّد الاُستاذ وما ربما یستفاد من مطاوی کلما ت الشیخ قدّس سرّهما من انبساط الأمر والوجوب على الأجزاء. فكلٌ منها واقعٌ تحت الأمر ویسقط بإتیانه مقدار منه ویطاع المولى بحسبه، فإذا شكّ فی كون جزءٍ زائدٍ على الأجزاء المعلومة تحت الأمر، یرفع وجوبه بمثل حدیث الحجب والرفع، ویكفی فی الامتثال الإتیان بالأجزاء المعلومة الواقعة تحت الأمر؛ فإنّ العقاب على ترك غیرها عقابٌ بلا بیانٍ. مضافاً إلى أنّ مقتضى وقوع أدلّة البراءة مثل حدیث الرفع فی طول الأحكام الأوّلیة ذلك. فالحدیث كما یرفع وجوب الجزء المشكوك یدلّ أیضاً على جواز الاكتفاء بسائر الأجزاء.

وعلى القول ـ فی دوران الأمر بین الأقلّ والأكثر الارتباطیین ـ برجوع ذلك إلى العلم بوجوب الأقلّ نفسیاً أو تبعیاً أیضاً تجری البراءة عن وجوب الأكثر.

وأمّا من یقول بعدم جریان البراءة العقلیة مثل المحقّق الخراسانی، فإنّه یقول بأنّ عموم مثل الحدیث رافعٌ لجزئیة ما شكّ فی جزئیته، وأنّ بمثله یرتفع الإجمال والتردّد بین الأقلّ والأكثر ویعیّن به الأقلّ.

والإشكال على ذلك بأنّ المرفوع بحدیث الرفع لا یكون إلّا ما هو مجعولٌ بنفسه أو أثره، ووجوب الإعادة لیس من آثار الجزئیة بل هو من آثار بقاء الأمر الأوّل بعد العلم به. مضافاً إلى أنّه أثرٌ عقلی من باب وجوب الإطاعة عقلاً.

 

مدفوعٌ: بأنّ الجزئیة وإن لم تكن مجعولة بنفسها إلّا أنّها مجعولة بجعل منشأ انتزاعها، وهذا یكفی لصحّة رفعها.

لا یقال: الأمر الانتزاعی إنّما یرتفع برفع منشأ انتزاعها وهو هنا الأمر الأوّل الّذی تعلّق بجمیع الأجزاء، فإذا رفع هذا الأمر فما هو الأمر الدالّ على وجوب الخالی عن هذا الجزء.

فإنّه یقال: نعم، وإن كان ارتفاع الأمر الانتزاعی یكون بارتفاع منشأ انتزاعه إلّا أنّ نسبة حدیث الرفع الناظر إلى الأدلّة الدالّة على بیان الأجزاء نسبة الاستثناء المتّصل بها، ومعه تكون الأدلّة الدالّة على بیان الأجزاء دلیلاً على وجوب سائر الأجزاء بالنسبة إلى الجاهل ببعضها.

وبعبارةٍ اُخرى: یستفاد من الأدلّة بعد ضمّ حدیث الرفع إلیها أنّ صلاة العالم بجمیع أجزائها هی المركّبة من جمیع الأجزاء، وصلاة الجاهل ببعض الأجزاء هی المركّبة من الأجزاء المعلومة، والجزء المشكوك خارجٌ عنها.

هذا، ولكنّ المحقّق الخراسانی كأنّه عدل عن صحّة التمسّك بالبراءة الـشرعیة فی المقام فی ما أفاد فی وجه ذلك، فقال: «لا یخفى: أنّه لا مجال للنقل فی ما هو مورد حكم العقل بالاحتیاط، وهو ما إذا علم إجمالاً بالتكلیف الفعلی، ضرورة أنّه ینافیه دفع الجزئیة المجهولة، وإنّما یكون مورده ما إذا لم یعلم به كذلك، بل علم مجرّد ثبوته واقعاً. وبالجملة: الشكّ فی الجزئیة والشرطیة وإن كان جامعاً بین الموردین إلّا أنّ مورد حكم العقل مع القطع بالفعلیة، ومورد النقل هو مجرّد الخطاب بالإیجاب، فافهم.([2]) انتهى. 

وفیه: أنّه على مبنى السیّد الاُستاذ وما یستفاد من مطاوی کلمـا ت الشیخ قدس سرّهما التكلیف بالأقلّ معلومٌ بالتفصیل والأكثر مشكوكٌ فیه. هذا مضافاً إلى أنّ

 

الانحلال الّذی منعه لا یتوقّف على تنجّز التكلیف على تقدیر تعلّقه بالأكثر أو الأقلّ، بل هو عبارةٌ عن وجوب ذات الأقلّ مطلقاً وعلى کلّ تقدیرٍ وإن لم یكن التكلیف على تقدیر كونه الأكثر بالنسبة إلى خصوصه منجّزاً، ففی الواقع یحصل العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ إمّا تبعا أو مستقلّا، ولا منافاة بین ذلك وبین عدم تنجّز الأكثر بالخصوص، فتدبّر.

 

 

 

([1]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص294.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول (مؤسّسة آل البیت^)، ص366، الهامش 1.

موضوع: 
نويسنده: