شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

قاعدة المیسور

إعلم: أنّه قد استدلّ على وجوب باقی الأجزاء على العاجز بما یعبّر عنه بقاعدة المیسور. وبناءً علیها لا یسقط واجب بمجرّد العجز عن بعض أجزائه، فضلاً عن أفراده إذا كان المأمور به على نحو العامّ المجموعی. وأمّا إذا كان على وجه العامّ الاستغراقی فلا ریب فی عدم سقوط سائر الأفراد.

وهذه القاعدة إن ثبتت، فهی قاعدة شرعیة تعبّدیة لیست عقلیة.

واستدلّ علیها مضافاً إلى الاستصحاب المذكور ـ وإن كان هو مخصوصاً بموضوعات یتسامح العرف فیه فی الحكم ببقائه، نظیر استصحاب كثرة الماء وقلّته ـ بروایات ضعیفة السند ادّعی جبر ضعف إسنادها بالعمل.

وردّ ذلك بعدم العمل بها فی غیر باب العبادات، بل ولم یعملوا بها فی غیر الصلاة كالصوم والحجّ، بل فی باب الصلاة أیضاً ذلك بدلیل خاصّ بأنّها لا تسقط بحال.

 

وكیف كان، فمن هذه الروایات، المرویّة فی عوالی اللئالی  ـ وهو كتاب لا یعتمد علیه، حتى أنّ مثل صاحب الحدائق&‏ تصدى للقدح علیه، ومن لاحظه یرى أنّ مؤلّفه جمع فیه الغثّ والسمین. وما نسبه إلى أمیر المؤمنین×: «المیسور لا یترك بالمعسور».([1])

بیان الاستدلال به: أنّ المراد منه النهی بلسان النفی ودعوى ظهوره فی النهی المولوی وما یجب معسوره، حتى یصدق عدم سقوط میسوره به، ونسبة السقوط إلى المندوب وإن كان جائزا إلّا أنّه فی الواجب أظهر.

وبهذا یمكن الجواب عمّا ذكره من الإشكال فی الكفایة،([2]) وهو: أنّ شمول المیسور للمندوب یمنع عن اختصاصه بالواجب والدلالة على اللازم. مضافاً إلى ما أفاده بنفسه([3]) من جواز كون المراد منه: أنّ الحكم المیسور ـ واجباً كان أو مندوباً ـ لا یسقط بالمعسور.

وأفاد بعض الأجلّة بما حاصله: أنّ المراد: أنّ المیسور من المعسور مطلوب لا یسقط الطلب المتعلّق به بسقوطه عن المعسور، والوجوب أو الندب لیس داخلاً فی مفهوم الطلب، وإنّما یستفاد الوجوب بحكم العقل بلزوم الإطاعة والنهی بترخیص الشارع ترك المأمور به.  لا یقال: إنّ النهی ـ سواء كان مولویاً أو إرشادیاً ـ یتعلّق بفعل المكلّف وما هو تحت قدرته واختیاره، وسقوط الواجب أو ثبوته فی ذمّة المکلّف لیس تحت اختیاره، فما معنى النهی عن سقوطه؟

فإنّه یقال: المراد منه أنّ المیسور حیث لا یسقط بالمعسور، لا یجوز تركه. مضافاً إلى أنّه نهی عن إسقاط المیسور عملاً لا تشریعاً.

وبالجملة: إنّ المراد تشریع عدم السقوط، فهو الدلیل على وجوب المیسور. وإن

 

كان المراد النهی عن عدم سقوط المیسور یكون المراد إسقاطه عن العمل وتركه. وبالجملة: المفهوم من هذه الجملة هو النهی عن ترك المیسور لأجل تعذّر المیسور.

واستشكل فی الاستدلال به أوّلاً: أنّه لم یظهر منه أنّ المراد منه عدم سقوط المیسور من الأجزاء بالمعسور منها، فلعلّ المراد منه عدم سقوط أفراد العامّ بما یعسر الإتیان به منها.

وثانیاً: على فرض دلالته على المطلوب یلزم منه كثرة التخصیص المستهجن لكثرة الموارد الساقطة فیها المیسور بالمعسور. اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الموارد المذكورة لیس المیسور من الأجزاء عرفاً میسوراً للمأمور به.

ومنها: ما روی عن النبیّ| فی حدیث: «إذا أمرتكم بشـیء فأتوا منه ما استطعتم».([4])

والاستدلال به متوقّف على كون المراد من «شیء» المركّب من الأجزاء.([5]) وتكون کلمة «ما» موصولة، مفعولاً لقوله|: «فأتوا»، حتى یكون مفاد الحدیث: وجوب الإتیان بالمقدور من الأجزاء والشرائط.

ولكنّه لا ینطبق على مورد الروایة؛ فإنّ السائل عن النبیّ| سأله عن وجوب الحجّ فی کلّ عام، فأجابه بقوله: «ویحك... فإذا أمرتكم...». هذا مضافاً إلى أنّ بعض النسخ لیس فیه کلمة «منه»، وعلیه تكون کلمة «ما» زمانیة.

ومنها: ما عن أمیر المؤمنین× أنّه قال: «ما لا یدرك کلّه لا یترك كلّه».([6])

وما یمكن أن یكون المراد منه هو أن یكون المراد من کلمة «كلّ» المذكورة فیه فی

 

الفقرتین کلّ الأفراد على سبیل الاستغراق، أو کلّ أبعاض الشـیء على نحو العامّ المجموعی، أو كان الأوّل على الأوّل، والثانی على الثانی، أو بالعكس.

أمّا الوجه الأوّل، فالمراد منه ما لا یدرك کلّ أفراده ویدرك بعضها لا یترك کلّه أی بعضه الّذی یدرك.

وأمّا الوجه الثانی، فالمراد منه أنّ ما لا یدرك بجمیع أجزائه ویدرك ببعضها لا یترك کلّها أی بعضها الّذی یدرك.

وأمّا الوجه الثالث والرابع، فلا یستقیم بهما المعنى والارتباط بین الجملتین. 

 

 

 

([1]) ابن أبی جمهور الأحسائی، عوالی اللئالی، ج4، ص58، ح205.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص252.

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص252.

([4]) ابن أبی جمهور الأحسائی، عوالی اللئالی، ج4، ص58، ح206؛ الطبرسی، مجمع البیان، ج1، ص343، ذیل الآیة 101 من سورة المائدة؛ الفخر الرازی، التفسیر الكبیر، ج6، ص490؛ ج12، ص444؛ البیضاوی، أنوار التنزیل، ج4، ص81.

([5]) الأصفهانی، نهایة الدرایة، ج2، ص298.

([6]) ابن أبی جمهور الأحسانی، عوالی اللئالی، ج4، ص58، ح207.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: