جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

فی الأمارات

قد اُشكل على جریان الاستصحاب فی الأحكام الّتی قامت الأمارات والطرق المعتبرة على ثبوتها، فاُحرز حدوثها بها لا بالوجدان، وشكّ فی بقائها بعد البناء على حدوثها؛ وذلك لعدم الیقین بالحدوث، بل وعدم الشكّ فی البقاء لأنّه فرع الیقین بالحدوث، والمعتبر فی الاستصحاب الیقین بالحدوث والشكّ فی بقاء المتیقّن.

وأفاد السیّد الاُستاذ+ هنا:([1]) أنّ ما یمكن أن یؤخذ فی موضوع الاستصحاب والتعبّد بالبقاء فی مقام الثبوت والواقع إمّا أن یكون نفس ثبوت الـشیء واقعاً وإن لم یكن ثبوته محرزاً، فصحّة جریان الاستصحاب واقعاً یدور مدار الثبوت واقعاً وإن كان جریانه بحسب الظاهر لعلّه یحتاج إلى طریق محرز وبدونه لا یجری. نعم، یترتّب علیه صحّة جریان الاستصحاب فعلاً على تقدیر الثبوت فیما كان هناك أثر شرعیّ مترتّب على هذا العنوان، وهذا هو الوجه الّذی اختاره المحقق الخراسانی+ فی مقام الإثبات.([2])

 

ووجهه: أنّ التعبّد والتنزیل شرعاً یكون فی البقاء لا فی الحدوث فیكفی الشكّ فی البقاء على تقدیر الثبوت، فیتعبّد به على هذا التقدیر فیترتّب علیه ما یترتّب على البناء على ثبوته.

وإمّا یكون المأخوذ فی موضوع الاستصحاب نفس ثبوت الشـیء إذا كان محرزاً بالیقین أو الأمارة، فیجری استصحابه على فرض إحرازه بأیّ محرز سواء كان الیقین أو الأمارة.

فعلى هذین الوجهین لا مانع من جریان الاستصحاب فی الأحكام الثابتة بالأمارة.

وهنا وجه ثالث: وهو أن یكون موضوع الاستصحاب الشیء المحرز بخصوص الیقین، فیجری الاستصحاب إذا كان هو محرزاً بالیقین دون الأمارات. هذا کلّه فی مقام الثبوت.

وأمّا فی مقام الإثبات فالّذی استظهره صاحب الكفایة هو: أنّ الیقین فی الروایات مأخوذ من حیث كاشفیته وطریقیته لا لموضوعیته وبما هو هو، وعلى ذلك یجری الاستصحاب فی موارد الأمارات ومؤدّاها كما یجری فیما تعلّق به الیقین.([3])

ولكن ردّ علیه السیّد الاُستاذ+ بكونه خلاف الظاهر من الأخبار لظهورها فی أنّ الیقین بما هو یقین مأخوذ فی الحكم. ومع الغضّ عن ذلك لا ظهور لها فیما ذكر. فلا یحتجّ بها على أحد الاحتمالین لإجمال الروایات.

نعم، القدر المتیقّن منها صورة الیقین، إلّا أن یدّعى القطع بعدم خصوصیة الیقین وأنّه جاء فی الروایات لمحض الكاشفیة وباعتبار كونه أحد المحرزات.

والحاصل: أنّ السیّد الاُستاذ+ كأنّه استقرّ نظره على أنّ الحكم بجریان الاستصحاب فی موارد الأمارات یحتاج إلى ارتكاب خلاف الظاهر،

 

ولذا قال: إنّ الاحتیاج بارتكاب مخالفة الظاهر مبنیّ على كون مدلول الأخبار حجّیة الاستصحاب، كما هو كذلك عند الشیخ وصاحب الكفایة. أمّا بناءً على كون مدلولها حجّیة قاعدة المقتضی والمانع فلا یحتاج شمول الأخبار لموارد الأمارات من ارتكاب خلاف الظاهر وحمل الیقین على أعمّ منه وسائر المحرزات، وذلك لاعتبار اتّحاد القضیة المشكوكة والمتیقّنة فی الاستصحاب دون القاعدة.

فإذا قامت البیّنة على عدالة زید یوم الخمیس وشككنا فیها یوم الجمعة لا یجری استصحاب عدالته فی یوم الجمعة، لأنّ عدالته لم تكن متیقّنة یوم الخمیس بل قامت الحجّة على ثبوتها فیه، وقیامها علیه كذلك تجعلها مظنون الوجود ـ بالظنّ المعتبر ـ لا متیقّن الوجود. والیقین بحجّیة البیّنة لا یكفی فی تحقّق أركان الاستصحاب، فإنّه تعلّق بغیر ما تعلّق به الشكّ وهو عدالة زید.

وهذا بخلاف القاعدة، فإنّ علیها یبنى على بقاء عدالته، فإنّ مقتضى حجّیة البیّنة ـ الّتی تعلّق بها الیقین ـ ترتّب جمیع آثار العدالة الواقعیة، ولا ترفع الید عنها بالشكّ فی حدوث ما یزیل به عدالته، والقضیة المشكوكة فیها غیر المتیقّنة. وهذا عین کلام المقرّر عنه&.

وبالجملة: شمول أخبار الباب لمثل الأحكام الثابتة بالأمارات غیر القطعیة بناءً على حملها على الاستصحاب مشكل جدّاً، لما استظهرناه من الأخبار أنّ الیقین مأخوذ من حیث هو هو لا من حیث هو كاشف... إلخ.([4])

أقول: لا إشكال فی ما ذكر من الدعوى، واستظهار عدم خصوصیة الیقین. مضافاً إلى إمكان إلغاء هذه الخصوصیة فی مثل هذه الاُمور والقواعد الجامعة المفیدة.([5]) 

 

 

([1]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص385.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص309.

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص310.

([4]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص388.

([5]) قد كتبنا حول هذا التنبیه قبل ستّین سنة عندما كنت متشرّفاً بتقبیل عتبة الروضة المقدّسة العلویة على من ثاوى فیها آلاف الثناء والصلاة والتحیة تقریراً لبحث سیّدنا الاُستاذ الأمجد صاحب المقامات الرفیعة السیّد جمال الدین الگلپایگانی+ ورفع الله درجته فاغتنمت نقله هنا لیكون ذكراً له وسبباً لنزول الرحمة علیّ وعلى الّذی یراه ویقرأه، فقد قیل: «عند ذكر الصالحین تنزل الرحمة». المدنی الشیرازی، ریاض السالکین، ج5، ص120؛ وإلیك ما كتبت: قد عقد المحقّق الخراسانی+ مضافاً إلى التنبیهات الّتی ذكرها الشیخ+ تنبیهین فی الكفایة وجعلهما التنبیه الأول والثانی، والمقصود فعلاً بیان مراده فی الثانی وما فیه وبیان ما اختاره المحقّق النائینی+ فی المقام ضمناً، والظاهر أنّ مختار النائینی مأخوذ من اُستاذه السیّد محمد الأصفهانی والمیرزا الكبیر، بل من الشیخ قدس الله أسرارهم، فنقول: إنّ الإشكال فی المقام هو أنّه بناءً على اعتبار الیقین بالثبوت فی الاستصحاب كیف یمكن القول بجریانه فی مؤدّیات الأمارات حیث إنّه لا یكون لنا فیها یقین بالثبوت فإنّه على تقدیر یكون الحكم ثابتاً وعلى تقدیر لا یكون حكم أصلاً، فلیس لنا یقین بالثبوت بل لیس لنا شكّ فعلیّ. والذبّ عن الإشكال على ما ذهب إلیه: أنّ التعبّد إنّما یكون فی جهة البقاء ولو على تقدیر الثبوت فلذا لو لم یكن للمتیّقن أثر وكان للبقاء یستصحب. وأمّا قوله×: «لا تنقض الیقین بالشكّ» فلا یدل على لزوم الیقین الفعلیّ بل الظاهر أنّه فی مقام التوطئة والتمهید لبیان الحكم بالبقاء فی صورة الشكّ فی البقاء ولو على تقدیر ثبوت المستصحب فلا مدخلیة للیقین بالثبوت فی الحكم بالبقاء كما یشیر إلى ذلك تعریفه الاستصحاب بإبقاء ما كان، فالمراد من قوله×: «لا تنقض الیقین..» إثبات الملازمة بین ثبوت الشـیء ولو تقدیراً وبقائه، والملازمة لا تدور مدار ثبوت المتلازمین فلا مانع من التعبّد بالبقاء علی تقدیر الثبوت، ومنزلة الاستصحاب للأدلّة منزلة الإطلاق فكما أنّه لو كان لنا إطلاق یعمّ صورة الشكّ والیقین كان الواجب علینا الأخذ به كذلك الاستصحاب بمنزلة ذلك الإطلاق، فبناءً على هذا إذا شككنا فی بقاء الحكم الّذی هو مؤدّى الأمارة نحكم بالبقاء، فالاستصحاب دلیل على الملازمة بین الثبوت والبقاء، والأمارة دلیل على الثبوت على تقدیر الإصابة، ولا یخفى أنّ الدلیل على أحد المتلازمین دلیل على الآخر. ولا یخفى: أنّ مبنى هذا القول أنّ دلیل الاستصحاب ناظر إلى الواقعیات كالأمارة وبناءً علیه لا یمكن التفصّی من الإیراد إلّا بما ذكره، والّا فلو قلنا بأنّ الاستصحاب هو الجری على طبق ما كان وأنّ دلیله ناظر إلى الحكم بعد إحرازه ولا فرق فی أن یكون المحرز له القطع أو ما یقوم مقامه، وأنّ الیقین فی قوله×: «لا تنقض الیقین بالشكّ» یكون ملحوظاً إمّا من حیث كونه طریقاً وكاشفاً عن المتیقّن، أو من جهة كونه موجباً لتنجّز الحكم عند المصادفة والمعذوریة عند المخالفة. فیمكن الذبّ عنه بأنّه ولو قلنا باعتبار الیقین بالثبوت لا یرد الإشكال؛ لأنّ المستصحب قد اُحرز بقیام الأمارة علیه كما هو مختار المحقّق النائینی+. وكیف كان: یرد على المحقّق الخراسانی+ أولاً: أنّ القول بأنّ قوله×: «لا تنقض الیقین..» للتوطئة والتمهید بعید جدّاً، بل ظاهر الكلام اعتبار الیقین بالثبوت. وثانیاً: كیف یصحّ القول بأنّ الاستصحاب بمنزلة إطلاق الدلیل؟ لأنّه إنّما یصحّ إذا كان المستصحب حكماً ظاهریاً، وأمّا مع البناء على كون الأمارات والطرق ناظرة إلى الواقع وعدم كون الاستصحاب ناظراً إلیه بل ناظر إلى الحكم بعد إحرازه كما هو الحقّ وإلیه ذهب فی غیر المقام، فلا یمكن جعل الاستصحاب بمنزلة الإطلاق للأمارات إلّا أن یلتزم بمقالة الفاضل النهاوندی+ وأنّ مؤدّى الأمارات یكون کلّ من الحكم الواقعی والظاهری، ولا یخفى ما فیه ولا یلتزم المحقّق الخراسانی+ به أصلاً. ثم إنّه لو قلنا بأنّ مؤدّیات الطرق أحكام ظاهریة فعلیة بمعنى أنّه لو صادفت الأمارة الواقع فالحكم فی حقّه هو الحكم الواقعی واقعاً وظاهراً ولو أخطأت اُنشأ على طبقها حكم ظاهریّ فعلیّ مع بقاء الحكم الواقعی على ما هو علیه، فلا یتوجّه الإشكال ولكنّ المحقّق عنده أنّ المجعول فی باب الطرق والأمارات نفس التنجّز والعذر بلا إنشاء حكم، والله هو العالم. [منه دام ظلّه العالى].

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: